هذا يوم بدر فاحذروا من أُحُدْ – عادل سمارة
هذا يوم بدر فاحذروا من أُحُدْ حلقة (1)
القضية المركزية والدولة المركزية
عادل سمارة
مع المتغيرات الجديدة، هبَّة القدس/المقدسيين وفي كامل فلسطين والوطن الكبير والعالم (شعبيا بالطبع) يمكننا القول أن هذه بداية جديدة لمرحلة جديدة، وعليه، فإن النصر الذي أهدته القدس وغزة والمحتل 1948 وكل فلسطين يؤكد على مرحلة أخرى. فبعد فقدان البوصلة أستعدنا توجيهها بالدم والنار، ويبدو أن الاستعادة التأسيسية تبدأ هكذا.
يطرح البعض بأن هذا ليس نصراً، سمِّه ما شئت، فبمعيار نسبة القوى وميزانها وثقل الثورة المضادة في عدوان بقيادة أمريكا وصولا إلى الرياض فإن الصد والرد والصمود هو أعلى من النصر. من لا يرى أن هذه حرب بايدن ، ومجمل الغرب الرأسمالي من ستوكهولم إلى باريس، قبل نتنياهو نقول له: الله معاك.
لذا، أُجيز لنفسي هذا التقوُّل البدْئِي أن هذا يوم بدر لأنه ليس فقط يوم هزيمة للكيان، بل “هدية” لنا من نتنياهو بورطته وتورطه وغروره ليسقط على قرنيه، بل مقارنته ببدر لأن بدر كانت معركة عربية داخلية مهدت لانتصار كبير أي لم تكن مع أقوام أخريات. واليوم هي نصر ضد المطبعين فلسطينيين وعرباً، وهم لم ولن يتوقفوا عن التأسيس لأُحُدْ. صحيح أنهم تحت النار يختفون، ويبقى السؤال :كيف نُبقيهم هنااااك؟
أدت المبادرة إلى شمولية المشاركة ومن هنا كانت عودة الروح إلى الشارع العربي بغض النظر عن أن ما نريده بل ما يجب هو أكثر. كما لا يمكننا عدم لمس ورؤية تجدد مناخ المد العروبي شعبياً كما كان في الستينات، فهي ليست فلسطينية فقط، هذا ما يجب أن نؤكده كتاسيس.
إن التأسيس لفهم المرحلة القادمة هو في تثبيت تثمير ما حصل كي لا يُفلت من بين ايدينا من المحيط إلى الخليج.
كان اغتصاب فلسطين بهدف تمزيق الوطن بأكمله وحصل. ومن هنا صار نضالنا الشعبي مكثَّفاً في:
تحرير القضية المركزية، اي فلسطين وصولا إلى:
إنجاز الدولة المركزية دولة الوحدة.
من هنا يبدأ الفهم الحقيقي لتحرك كامل فلسطين اليوم، وهذا الصمود تحت النار من جهة، كما يمكن فهم ، وبوضوح، كيف يصطف الغرب الراسمالي جميعه ضدنا رغم وضوح وفجاجة العدوان. إذا لم نفهم الغرب الرأسمالي اليوم، فإن جزءا كبيرا من التثمير سيضيع. فلا يكفي ابداً فهم عسف العدو رغم وضوحه ليس فقط في العسف، بل اساساً في تفجير الوضع في القدس بأهداف عارية الوقاحة والاستهتار.
لقد فتحت القدس، ويبدو ا، هذا سر قداستها، لنا باب الشعب العربي مجدداً، وهو الباب الذي تم إنسداده، ليس من الشعب العربي، بل من التطبيع وخاصة بعد أوسلو التي كانت مشروع انسداد الطريق إلى الشارع العربي بل وتحويل هذا الشارع لصالح قوى الدين السياسي ليمارس تذويت الذبح وهو ما تجلى بأخطر ما يكون في الربيع/الخريف العربي وخاصة ضد الجمهوريات.
وعليه، فإن الفشل الأولي والنسبي لتحطيم الجمهوريات، نواجهه اليوم بالنصر في:
· معركة تفكيك مفاصل الدولة القطرية كتابعة وتطبيعية بالضرورة
· وتفكيك تخيلات الاستدوالات سواء حل الدولتين في فلسطين أو دول واحدة: ديمقراطية، علمانية، ثنائية القومية، مع المستوطنين…الخ تذهب أدراج الرياح.
وعليه، ستكون المعركة منذ اليوم أو منذ اللحظة هي بين:
· القضية المركزية كمدخل للدولة المركزية
· وبين الدولة القطرية والدويلات المتخيَّلة.
ولأن اللغة أو المصطلحات المجرَّدة قد لا توضح الجوهر، فإن كل حدث ، كل مشروع، كل مصطلح نظري بحت ومجرد خلفه اساساً الناس. اي أن الدولة القطرية والدويلات المتخيَّلة هي مشروع طبقات وأحزاب ومثقفين جميعهم من مستدخلي الهزيمة. ولتوضيح أكثر، فإن هذا المعسكر هو توليد سايكس-بيكو/بلفور الذي بين 1916-1917 خلق وربط الحبل السُرِّي بين الدولة القطرية والكيان ولم ينقطع هذا الحبل بعد ولن تقطعه سوى الدولة المركزية فطوبى لمن يلتقط الحدث اليوم.
هذا يوم بدر فاحذروا من أُحُدْ
تجرَّأت على الهزيمة… “تجرَّأ على النصر- ماوتسي تونغ”
حلقة (2)
عادل سماره
كما يحتد الجدل داخل الكيان، يحتد الجدل بيننا عربا وفلسطينيين. من جانبهم، إعتادوا على النصر ويدخلون رياضة الاعتياد على الهزيمة، أو على الأقل إعادة قراءة وضعهم وحجمهم وماذا يحمل مستقبلهم.
ومن جانبنا ذُقنا سلسلة من الهزائم دفعتني لوصف من اعتادوها وأدمنوا عليها وكأنها أمر طبيعي أو حتى نصر ب “مستدخلي الهزيمة”. فهل يمكن لمن استدخل الهزيمة أن ينهض إلى حدود النصر وتجاوز تلك الحدود كما قال ماو تسي تونغ؟
يتحدث كثيرون حتى من خارج فريق استدخال الهزيمة بأن وصف النصر هو مبالغة، ويتحدث خبثاء اللبرالية والمقاومة “السلمية/السلبية” بأن الانتقال إلى السلاح خطف انتصار الهبة المقدسية وبالتالي انحرف بها عن أهميتها وطمَسَها.
يذكرني هذا وذاك بما عودنا عليه الجيل الأول للنكبة بأن العودة مسألة اسابيع وتحصل. أما والزمن قد طال، فانتقل هؤلاء من التفاؤل المفرط إلى استدخال الهزيمة والتكفير بالعروبة والاقتناع بأن الغرب كُلِّي القدرة وضمنه الكيان.
وحتى اليوم، هناك من يفكر بأنه: إما أن يتم النصر الساحق بالضربةالقاضية في ايام، أو أن اي حديث عن النصر هو مجرد لغة وإنشاء وحتى استغفال للناس!
لم يتخلص هذا النمط من التفكير من إعفاء الذات من المقاومة وانتظارها من المقاوِمين وكأنهم عمال بالأجرة عليهم إنجاز كم معين من الشغل في زمن محدد ولم يفعلوا. ولأن هذا النمط من التفكير مقود برغبة نفسية، اي رغائبي أكثر مما هو عملي، فإنه يقرا الحدث بمرارة ويصل حد شتيمة من يقرأ الحدث كانتصار.
ليست هذه أول مرة تتم فيها قراءة النصر بشكل سلبي ذلك لأن هؤلاء يرفضون قراءة اللوحة بأجزائها كلها بمعنى أن هناك انتصار جزئي في موقع معين وفي مستوى معين ولحظة معينة. فانتصار المقاومة والجيش الأردني في معركة الكرامة كانت انتصاران معاً:
· عجز جيش العدو الذي كان مشحوناً بعد بنشوة انتصاره عام 1967
· وتكامل المقاومة مع الجيش الأردني كتحقيق للبعد العروبي للصراع.
فهل عدم مواصلة انتصار الكرامة يمسح حقيقة كونها انتصارا؟
وماذا عن طرد الكيان من معظم جنوب لبنان؟ أليس انتصاراً وحرب عام 2006 أليس انتصاراً وغزة 2014 حيث عجز الكيان عن دخولها وثبتت الناس ولم ترحل وكان في خطة الاحتلال تفريغ القطاع من أهله؟
دعونا نتذكر أن هذه الانتصارات جرى الطعن فيها ولم يتوقف بعد وذلك ليس لأنها لم تُنهي الكيان كما يعتقد ويريد البعض سريعا، بل كذلك لأن هناك من يكره الانتصار عموما والبعض الذي يريده بيده هو فقط وإلا فلا، وللأسف لن يحصل على يده طالما استدخل الهزيمة.
وحيث نُجيز لأنفسنا تقييم ما حصل بأنه نصر فليس من حقنا حرمان من يرون العكس أو نِصف العكس بأن يقولوا ما يريدون أو ما يرون. ولكن شريطة أن يشرحوا كيف لم يكن نصراً مقابل شرحنا بأنه نصر.
يحق لأي كان قراءة اجزاء اللوحة ولكن دون أن ينتهي إلى قرائتها كلوحة متكاملة كي لا يخدعه بصره وكي لا يخدع بصيرة الناس.
إن هبة القدس هي نصر في حيِّز جغرافي واجتماعي وديني وثقافي وسياسي ونفسي في مواقعها الثلاثة الأقصى والشيخ جراح وباب العامود، وتكامل المقاومة المسلحة مع القدس هو نصر ايضا. وبوسعكم التخيُّل، لو أن غزة لم تستجب لنداء القدس ،كم من اللعنات كانت سوف تُصبُّ على السلاح! وعودة المحتل 1948 إلى البنية الفلسطينية السياسية المقاوِمة هو انتصار، وارتفاع منسوب الحراك الشعبي العربي هو انتصار وخاصة في الأردن مما يؤكد وجوب استرجاع الحركة الوطنية الموحدة للبلدين، بل حتى وصول عراقيين إلى الأردن للمشاركة في المعركة، هذا ناهيك عن ما يُحرج المتعقلنين/ات.
نعم، أي الذين يرون إلى الأمور بعقلانية سوداء ونقصد أن الموقف العالمي قد حسم الأمر:
· فالعقلانية السوداء بقيت مأخوذة بموقف الغرب الرسمي الذي وقف ضد شعبنا بفجاجة وعنجهية وكراهية وتعامي. ولم يقف هكذا بوضوح من قبل إلا لأنه رأى في ما يحصل انتصاراً وخاصة إذا ما تم التأسيس عليه.
· وبالمقابل، كان الحسم من الشارع العالمي الذي لم يخدعه إعلام الثورة المضادة بأن الصواريخ الفلسطينية تُطلق على “مدنيين” وانحاز للموقف الفلسطيني بوضوح.
بقي أن نقول، بأن البعض أصابه الترويع من ارتفاع اسهم حركة حماس في هذه المعركة لأنه يراها فقط مثابة قوة “دين سياسي- إخوان ” ولم ينظر إلى قواعدها. هذا من جهة ومن جهة ثانية، لم يرى هؤلاء ان مختلف الفصائل شاركت في القتال ولكن كلٌ طبقاً لما لديه من سلاح وليس لتقصيره في الجاهزية للقتال ناهيك عن قرار سياسي خبيث من الإعلام لتبيان بأن من يقاتل هي فقط حماس لغمط الآخرين وحتى غمط الشعب وكأن الشعب ليس ضد الكيان بل هذه الحركة وحدها، ، ولهذه نقاش لاحق.