هذه الحرب لن تنتهي إلاّ إذا…- رشاد أبوشاور
هذه الحرب لن تتوقف إلاّ إذا..وأقصد الحرب الممتدة حتى اليوم، والتي بدأت كحرب معلنة الأهداف، والأطراف عام 1948، وكشفت عن أهدافها التي لم تعد خافية بالنسبة لعرب فلسطين، ولكثير من العرب الذين استبشروا بأنها ستتوّج بهزيمة العصابات الصهيونية آنذاك،ثقة بالجيوش العربيّة المتواضعة، والتي قرارها لم يكن بيدها.
كانت العصابات الصهيونية تحارب بأسلحة متفوقة غربيّة، وبقرارات دولية منحازة، وبمخططات بعضها معلن، وبعضها خاف على الجماهير العربية، وإن كان عرب فلسطين قد اكتشفوا مبكرا طبيعة العلاقة بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وبداية التسلل اليهودي لفلسطين بغطاء بريطاني، وبرعاية بريطانية، وبمباركة أمريكية.
المعركة التي انفجرت إثر اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة وهم في بيوتهم، بين أفراد أُسرهم( غدرا) ، ورأيي أننا يجب أن لا نُغدر، ولا ننام مطمئنين، فنحن المقاومين ننتمي لشعب طالما غُدر بالثقة بمن باتت أخوتهم غير مطمئنة، فهي انتقلت من أخوة دم ومصير واحد، إلى إدعاء بتعاطف من أخ لم يعد معنيا بمن يفترض أنه أخوه، ولا بأرضه التي هي قلب الوطن العربي، ولا بصراعه الاستراتيجي الذي يفترض أنه صراع أمة مع عدو غاز مدعوم بأعداء يقدمون له السلاح، والمال، والدعم الديبلوماسي، والإعلامي، لأنه باختصار خط الدفاع الأول عن مصالحهم الإستراتيجية في الوطن العربي الكبير، بثرواته، وموقعه الاستراتيجي، وامتداده الجغرافي، و..دوره في حربه مع القوى التي تهدد مصالحه سواء إبّان (الحرب الباردة) ، وما بعد الحرب الباردة التي يفترض أنها انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي، وتفكيكه، وإضعاف وريثته روسيا وتحويلها إلى دولة مستباحة بقيادة ضعيفة متخاذلة فتحت أبواب روسيا للناهبين، وضيّعت قوتها وهيبتها، ومسخت دورها، و..لكن روسيا استيقظت بقيادة راهنت على إمكانية التفاهم مع الغرب وقيادته المتسيّدة الإمبراطورية الأمريكية التي قابلت سعي روسيا لعلاقات قائمة على الاحترام بالاستهتار، وبخططها لمحاصرتها والتهيئة لتفكيكها ، فلم تجد روسيا خيارا أمامها سوى الدفاع عن سيادتها، وحدودها، وثرواتها، وتاريخها العريق سوى خيار الحرب على من جعلوا من أوكرانيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، والذين هيمنوا على الحكم بانقلاب وبالانقضاض على السلطة، وبقيادات أدوات جلّها صهيونية _ وهذا ليس سرّا- فصارت قاعدة انطلاق للعدوان على روسيا، وانظروا إلى تدفق الأسلحة والمليارات من دول الغرب بقيادة الإمبراطورية لإدامة الحرب على روسيا، وهي في الحقيقة حرب الغرب على روسيا.
عربيا: نُظم الحكم اٌلإقليميّة اختار بعضها (التطبيع) مع الكيان الصهيوني، لأنها غير معنية بالأمن العربي، وبمصير الأمة العربيّة، وبمستقبل الأجيال العربيّة، وهي غير معنية بعروبة فلسطين، وبتحريرها، وهي التي تقاعست عن نُصرة فلسطين، ووضعت عرب فلسطين في مخيمات، وحصار، ومراقبة، وقيّدت دورهم تجاه وطنهم الذي احتُل ..ولكن الفلسطينيين لم يسكتوا، ولم يخضعوا، ومسيرتهم الكفاحية تشهد، فهم لعبوا دورا كبيرا في نشر الوعي السياسي، والشعور بالانتماء القومي، وجعلوا من قضية فلسطين قضية قومية، والتقطوا أنفاسهم مع ثورة تموز 1952، وصعود الوعي القومي …
انقلاب السادات على منجزات ثورة تموز الناصرية بعد رحيل ناصر، وإخراج مصر من مسار إلى مسار نقيض، من قائدة للأمة العربية إلى مطبعة مع الكيان الصهيوني، ومن العداء لأمريكا إلى 99%من أوراق الحل في يد أمريكا، و..إلى تصفية القطاع العام، وفتح أبواب مصر، وما استتبع الانفتاح والتطبيع ..ولكن شعب مصر أسقط التطبيع، وما زال يقاوم التبعية، ولم يدر الظهر للقضية الفلسطينية.
العدو الصهيوني في حالة حرب مستمرّة منذ 1948 وقبلها، وهو لم يستقّر، ولن يستقّر على أرض فلسطين، والفلسطينيون الذين اقتلعوا من أرضهم، واستحوذت العصابات على أرضهم ونهبت ثرواتهم، لم يتركوها لتهنأ وتتوطد في أرضهم، وظلّت كيانا في مهّب الريح، رغم التطبيع مع السادات، ومن جاءوا بعده من الحكّام المطبعين الساعين للرضى الأمريكي والحماية الصهيونية.. الذن يرون في هذه الأيام، وما سبقها من معارك، وتفسّخ الكيان سياسيا واجتماعيا..وحاليا: عسكريا، أن هذا الكيان يتلقى ضربات الفلسطينيين، وكما حدث في معركة سيف القدس، ويقف عاجزا رغم حشد جيشه في مواجهة جنين ونابلس وأريحا والخليل وبيت لحم..والفلسطينيون يقاتلونه بجزء من قوتهم، لأن الفلسطينيين (اللاجئين) في الأقطار العربية محرومون من المشاركة، وهذا يحدث للجماهير العربية…
إذا كان قطاع غزة يقاتل هذه الأيام وحده، وببعض طاقته، في هذه المعركة المفتوحة ،معركة الثأر للشهداء، ويكشف عن بعض قدراته الصاروخية التي أرعدت فوق رؤوس سكّان تل أبيب، والتي باتت تدمّر بيوت الصهاينة وتدفعهم للهرب والإختباء، وتشرّدهم من مستوطناتهم بعيدا عن جحيم صواريخ غزة، فكيف ستكون المعركة إذا ما امتدت واستشرت نيرانها، وعلى كل الجبهات؟!
هذه معركة في سياق الحرب الكبرى، حرب تحرير فلسطين، وهذه المعركة التي تنحاز لها الجماهير الفلسطينية التي أكتوت بأكاذيب أوسلو، وجرائم العدو بعد أوسلو: قتلاً، ونهبا للأرض والماء، وتدميرا للبيوت، وزجّا في السجون، ومواصلة لحربه منذ 1948 التي لن تتوقف رغم وساطات ( أطراف) رسمية عربية دورها تخدير الفلسطينيين والجماهير العربية التي لا تنطلي عليها عبارات الحرص على الفلسطينيين، لأنها تُغيّب جوهر الصراع مع العدو الصهيوني، وهو الصراع الذي لن يُحّل إلاّ بتحرير فلسطين، وكنس الكيان الصهيوني من قلب الوطن العربي، وعودة عرب فلسطين إلى مدنهم وقراهم وحقولهم .
هذه المعركة ربما تتوقف بعد تلقين نتنياهو وزمرة الحاخامات أسرى الخرافات درسا فلسطينيا، ولكن الحرب التي تأسست بها دولة الكيان عام 1948، لن تتوقف، فهي حرب وجود وسيادة للأمة، وهي حرب خاتمتها المؤزرّة : تحرير فلسطين…
هذه الحرب هي حرب نهاية أكاذيب سلام أوسلو، وسلام التطبيع…