هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟ – رشاد أبوشاور
الفعل هو الذي يُجيب على السؤال.
هذه الرواية التي قدمتها ( القسّام) جوابا على السؤال: لماذا طوفان الأقصى؟ لمن توجهها؟
أحسب انها توجهها أولا: إلى الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين، في الضفة، والمناطق المحتلة منذ عام 1948ولأهلنا في قطاع غزة، خاصة والمعركة دارت في المستوطنات التي تحيط بقطاع غزة، والتي نهبت أرض القطاع، وأذاقت أهلنا في القطاع مرارة الحصار والقتل والعدوان المستمر، وفيها تعسكر فرقة (غزة) المكلفة بردع أهلنا في القطاع، والتي قتلت منهم كثيرين…
ثانيا: لجماهير الشعوب العربية التي طبّعت بعض (دولها) وانتقلت علنا من (التعاطف) اللفظي مع فلسطين وشعبها إلى (التطبيع) العلني، وبعض دولها كانت تتهيّأ للتطبيع وفي مقدمتها( السعودية) …
ثالثا: لما يُسمى ب(الرأي) العام العالمي، والأمم المتحدة التي لم تُفعّل أياً من قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني المظلوم باستمرار، منذ القرار 194الذي ينّص على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طُردوا منها..ودفع ثمن صدور هذا القرار الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت لأنه طالب بعودة اللاجئين من قراهم ومدنهم.. قتلاً بالرصاص من الإرهابي شامير الذي بات بعد سنوات رئيسا لدولة الكيان الصهيوني.
يمكن القول أن هذه المذكرة أرادت أن ترّد على أي جهة مُزوّرة، قد تعمل على التضليل والتشويه والتشكيك، وهذا ما حدث فقد رأينا وسمعنا من بدأوا يطرحون ملاحظات عن الاستفراد بالقرار، وأن قرار الحرب يجب أن يكون قراراً إجماعيا، وهؤلاء تحديدا لا يحق لهم أن يفتحوا أفواههم لأنهم ضيّعوا على الشعب الفلسطيني ثلاثين عاما منذ 13أيلول 1993في رحاب البيت الأبيض والتوقيع في همروجه عالمية قدم فيها الموقعون نيابة عن شعب فلسطين ، ومنظمة التحرير الفلسطينية، تنازلات لم يسبق أن فكّرت أي قيادة فلسطينية بتقديمها، دون أن يستشيروا شعبنا، أو يُجروا استفتاءً عليها، ولم يأخذوا رأي المؤسسات الفلسطينية، وبخاصة المجلس الوطني المُنصّب بالتزكية والتعيين غالبا.
لقد وقعوا دون أن يأخذوا رأي أحد، ومن وراء ظهر الشعب الفلسطيني، وضيّعوا ثلاثين سنة على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولم يتفقوا مع (شركاء السلام) على إيقاف الاستيطان، وهو الشرط الذي وضعه القائد الوطني الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، أثناء مفاوضات واشنطن مع الطرف الممثل للكيان الصهيوني وبالرعاية الأمريكية، فرفضوا الاستجابة، ولكن الدكتور حيدر تشبّث بالموقف: وقف الاستيطان حتى يتّم الانتهاء من المفاوضات ويُنتقل لتنفيذ ما اتفق عليه..وهنا قفز المُتلمظون على التفاوض في تونس، ومضوا في ظلام أوسلو وقدّموا كل التنازلات المطلوبة، وبرزوا في (الصورة) وكان هذا هاجسهم وهمّهم، و..حملتهم طائرة الملك الحسن الثاني ملك المغرب_ يا له من كرم!!_ إلى واشنطن، وكانت جملة عتاب الدكتور حيدر للقيادة في تونس حيث كانت تقيم: لماذا عملت هذا يا أخ أبوعمّار؟ ولم يجب أبوعمّار رحمه الله، وقضى بالسم من شركاء السلام، بعد هدم أجزاء كبيرة من المقاطعة وحصاره في غرفتين بدون ماء..وهذا طبع اليهود في التعامل، ولكن هناك فلسطينيون لا يتعلمون، ولن يتعلموا..واأسفاه!.
أكثر من 700ألف مستوطن استحوذوا على أراضي الفلسطينيين، ووضعوا أيديهم على مائهم، وعاثوا في حقولهم تخريبا، وانظروا ماذا يفعلون في موسم جني الزيتون!.
وهؤلاء المستوطنون دخلوا الضفة الغربية بعد اتفاق السلام في واشنطن، وقطّعوا طرق الضفة، وأنشأت دولتهم الجدار، ونصبت الحواجز، فباتت الحياة جحيما..ولكّل هذا فلا أمل بدولة فلسطينية، وليس للفلسطينيين سوى الموت اليومي على الحواجز، والذي يوصف ب(القتل بدم بارد) ، وهو ما دفع بعض الشباب الشجعان أن يواجهوا هذا العدو بما يتوفر لهم من سلاح، ويقتحموا عليه حتى تل أبيب..والسلطة تواصل التنسيق الأمني، وتبدي (حسن النوايا)، ولكن العدو المُحتّل لا يكف عن القتل والهدم وزج الألوف في السجون بلا مبالاة.
أمّا قطاع غزة فكان كما وصفته جهات دولية: أكبر سجن في العالم، والاحتلال يُقطّر عليه احتياجاته ويتحكم في كل جوانب حياته..والبركة في معبر رفح المصري الذي يخنق قطاع غزة، وانظروا إلى دوره أثناء معركة (طوفان الأقصى)، فهو يخنق القطاع خنقا قاتلاً..ويقوم بدور أقل ما يقال فيه أنه لا يليق بمصر!
خاضت سرايا القدس عدّة معارك وحيدة، وتكبدّت خسائر فادحة، وبخاصة من أبطالها، ولمنا كتائب القسام على خذلانها للسرايا، وفوجئنا ب7تشرين أوّل، وبطوفان الأقصى، والتقى القسام والسرايا معا، والتحقت بهما (أبوعلي مصطفى) و(صلاح الدين) وقوى أُخرى بما تستطيع من إمكانات، وانحازت جماهير شعبنا في كل مكان (للطوفان)، وها هي المعركة تمضي رغم الخسائر الفادحة من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا، ناهيك عن الدمار الانتقامي الذي يقترفه جيش العدو الذي افتضح أمره في المعركة فصب حقده وغلّه على المباني والناس لأنه عاجز عن تحقيق الانتصار الذي وعد (جمهوره) به، فلا تحرير لأسراه ولا تدمير للقسّام، والمقاومة مستمرة، وها هو العدو يعترف بأنه لم يذق يوما أسود من يوم الإثنين 22كانون الثاني..وإن شاء الله تتوالى الأيام السود على كيان العدو وجيشه الذي تُمرّغه المقاومة في رمال قطاع غزّة.
ما كان للقسام أن تخبر أي طرف فلسطيني بكل ما بنته تحت الأرض، وكّل ما أعدته تحت الأرض، والحق أنها أعدّت وفعلت كل ما نراه ونلمسه ونتابعه من أجل فلسطين القضية والشعب، بل ومن أجل ملايين العرب الذين يغتصب إراداتهم حكّام باعوا فلسطين وكل قضايا الآمة والأوطان منذ عقود خلت..وإلاّ: هل كانت فلسطين ستبقى كل هذه السنوات تحت الاحتلال؟ و:هل يمكن للمطبعين، والمتفرجين على غزة البطولة والعظمة أن يتقدموا لإنقاذ فلسطين؟! يا لهم من صهاينة يتكلمون العربيّة ويرتدون الزي العربي!!
نعم : لم تبدأ الحرب على شعبنا، ولا الاحتلال منذ عام 1948 بل بدأ عندما احتل الانقليز القدس وفلسطين في العام 1917 بعد هزيمة الدولة العثمانية التي حكمت فلسطين وبلاد الشام طيلة 400 عام ، ووقف الجنرال اللنبي في القدس معلنا: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين..نعم لقد عادوا يا صلاح الدين، ونفس الجملة بكلمات مختلفة قليلاً قالها الجنرال الفرنسي غورو في دمشق، في المسجد الأموي، عند ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي مُحرّر القدس: اليوم انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين…
مذكرة حماس ليست برنامجا سياسيا يخصها وحدها، يعبّر عن ايديولوجيتها الدينية، إنها محطات من تاريخ النكبة الفلسطينيّة الممتدة والتي ابتدأت قبل (ولادة) حركة حماس، وبعد عقود من مقاومة الشعب العربي الفلسطيني، واستشهاد مئات ألوف المجاهدين من أبناء الأمة العربيّة، حتى إن القائدين البارزين لثورة عرب فلسطين هما الشيخ المجاهد عز الدين القسّام، والمجاهد سعيد العاص، وهما السوريان اللذان رأيا في معركة فلسطين معركة تهّم الأمة العربيّة كلها، فحملا السلاح وقاوما وقادا ثورة فلسطين، واستشهدا على ثراها رحمهما الله، و..ستسمر المقاومة لتحرير فلسطين إلى زمن قادم نعيش بشائره حتى النصر إن شاء الله.
في الرواية التي قدمتها حركة حماس تضع معركة طوفان الأقصى في موقعها المبرر والطبيعي، والخيار الذي لا خيار للشعب العربي الفلسطيني سواه بعد كل تجاربه المرّة مع الأمم المتحدة وقراراتها، ومع (الوسيط النزيه أميركا) التي تدير الحرب على شعبنا وقضيتنا وتسقط صواريخها التدميرية التي تقتل وتجرح يوميا المئات من أطفالنا وأخواتنا وأهلنا في قطاع غزة والضفة الفلسطينية.( هل ستعود أصوات المفاوضين الفلسطينيين الذين أدمنوا التفاوض للارتفاع مطالبة بالتفاوض بالرعاية الأمريكيّة؟!).
حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسّام ومعها سرايا القدس الجهاد الإسلامي وأبوعلي مصطفى الشعبية وكتائب الأقصى، وقوى فلسطينية تقاوم بحسب قدراتها، وزخم شعبي فلسطين، وعربي من المحيط إلى الخليج، رغم أنوف حكّام التبعية الذين بصمتهم وتصريحاتهم المراوغة ينحازون لأمريكا وللكيان الصهيوني، ومع امتداد المعركة تزداد زخما فهي غير محصورة بفلسطين، فمن جنوب لبنان (حزب الله) إلى اليمن الشجاع شعبنا ودولة وجيشا، و..حتى العراق ومقاومته الإسلامية..وإلى كل أرجاء العالم حيث نهوض شعبي عالمي في وجه الكيان العنصري المجرم المدعوم أمريكيا عسكريا وسياسيا وماليا وديبلوماسيا..تتألق فلسطين كقضية إنسانية عالمية تجمع كل شعوب العالم، وهو ما تجلّى في محاكمة الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث وقفت دولة جنوب أقريقيا مدافعة عن حريّة فلسطين مُدينة لكيان الإجرام وراعيته أمريكا، وحظيت باحترام وتقدير شعوب العالم وقواها الثورية والتقدمية في العالم.
مذكرة حماس هي مطالعة للشعب العربي الفلسطيني، محفورة في ذاكرته، ووجدانه، ومكتوبة بدم شهدائه، وبتشريده وجوعه وعريه ومعاناته الممتدة، وبتراكم تجاربه وخبراته مع خداع وتآمر بريطانياالمجرمة عليه، ومن ثم أمريكا التي تُدير سياستها الخارجية والديبلوماسية عصابة صهيونية ورئيسها بايدن يفخر بصهيونيته، وتمسك بكل ملف القضية الفلسطينية و.. بهدف حرمان شعب فلسطين من أدنى حقوقه، و: هل يخفى دور أمريكا في (خداع) القيادات الفلسطينية التي وقعت في البيت الأبيض في واشنطن على اتفاقية السلام في 13أيلول 1993 والتي تسببت لشعبنا بالتيه والضياع والتواكل والتشتت والتواكل..حتى جاء فجر طوفان الأقصى، والذي منه أضاء فجر فلسطين وحريتها بمقاومة لن تركن إلى خداع أمريكا من جديد، وإلى أكاذيب الغرب الاستعماري المعادي، ولا إلى (دويلات) العرب التابعة المتواطئة التي لشعب فلسطين معها سجّل حافل من عدم الثقة..بل وخيانة قضية العرب الأولى، قضية فلسطين.
مُذكّرة حماس تُذكّر والذكرى تنفع المؤمنين..فيا ايها المؤمنون اعتبروا.
*الأربعاء 24 كانون الثاني2024