هستيريا أوروبا – نضال حمد
الآن يمكننا ببساطة التفرج على هستيريا أوروبا
لقد بانت الحقيقة وسقطت الأقنعة خلال 24 ساعة من غزو روسيا لأوكرانيا. فكم النفاق في هذا العالم الذي من المفترض أنه عالم متحضر وديمقراطي منذ زمن طويل.. كم النفاق كبير جداً إذا ما قارناه بما يحصل الآن في اوكرانيا وبما كان حصل ويحصل منذ عشرات السنين في فلسطين وافغانستان والعراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والبحرين والخ.
يبدو أنه عالم مرعوب وبنفس الوقت يشعر بالخوف ويخيف الآخرين. فما يجري من تعامل بمكيالين وممارسة تمييز علني أمر سخيف جداً ولكنه بنفس الوقت مخيف مجداً. هل ستتمكن المجموعات الفاشية والعنصرية والنازية وجماعات الاسلاموفوبيا الغربية من السيطرة على العقل الأوروبي خلال المرحلة القادمة؟. سؤال مقلق ولكنه ضروري في هذه الأيام. فلا أنا ولا ملايين الأوروبيين العقلانيين يريدون ذلك..
كفلسطيني وانسان متجنس نرويجي وأعيش في أوروبا منذ عشرات السنين، تعلمت درساً جديداً ربما هو الأهم في حياتي خلال الأسبوعين الأخيرين. فقد رأيت أوروبا غير التي أعرفها. رأيت أوروبا تخرج من ثوبها لترتدي ثوباً آخراً لا يناسبها بتاتاً. فالمقاسات الأمريكية غير المقاسات الأوروبية.
رأيت اوروبا مختلفة تطل برأسها مثل صاروخ أمريكي في قاعدة لحلف الناتو على حدود الاتحاد الأوروبي مع اوكرانيا وروسيا. تفتح قواعدها ومخازنها لدعم الجيش الاوكراني رغم أنها تعرف أنه لا حظ له في هذه الحرب. وتتركه وحده في حرب مكتوب عليه فيها الخسارة. تضحي باوكرانيا لتستنزف روسيا وتضعفها وتحاصرها وتنهكها ولترضي الولايات المتحدة الأمريكية.
رأيت أوروبا تفتح قلبها وبابها وكل شيء لديها أمام اللاجئين الأوكرانيين .. وهو نفس الباب الذي كان مغلقاً أمام اللاجئين (العالم ثالثيين) العالقين منذ أشهر على الحدود في غابات روسيا البيضاء وبولندا.
تفتح للاجئين الأوكرانيين الباب على مصراعيه، وتلغي كل شعاراتها ومقولاتها المعادية والمعارضة للمهاجرين وللأجانب وللاجئين، وتفتح الجنة الغربية للأوكرانيات وأطفالهن الفارين من ويلات الغزو والحرب. هذا شيء رائع لو لم يتواصل منع دخول اللاجئين الذين يموتون في العراء والغابات لأنهم يمنعون من دخول الاتحاد الاوروبي.
بعض هؤلاء اللاجئين فروا من بلدانهم بسبب الحروب والجوع والموت والارهاب الذي سببه الاستعمار الاوروبي والغربي وغزوات واعتداءات وحروب الولات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والاحتلال الصهيوني “الاسرائيلي” وحلف الناتو.
بعض هؤلاء اللاجئين خلال رحلتهم المحفوفة بالمخاطر نحو الفردوس الأوروبي غرقوا في البحار، وماتوا جوعاً وعطشاً وبرداً في الغابات وعلى الحدود. بعضهم دفن في تركيا وآخرين ابتلعهتم البحار، ولاجئين عديدين دفنوا في اليونان والبوسنة وبولندا وايطاليا واسبانيا.
هل هؤلاء من صنف آخر لم تعد أوروبا ترغب به ولا تريده الحضارة الأوروبية الحديثة، حضارة اليمين العنصري الأووبي، التي يبدو أنها انتصرت على الانفتاح وتعدد الثقافات والفكرالانساني الحر في أوروبا.
كل ما يحدث في الغرب واوروبا منذ غزو روسيا لأوكرانيا يذكرني برواية للأديب الفلسطيني الكبير الشهيد غسان كنفاني، بعنوان “عالم ليس لنا..
نعم هذا العالم الآن ليس لنا بل للمنافقين وللذين يكيلون بمكيالين والذين يفرقون بين ضحايا الغزو والاحتلال حسب لون بشرتهم وشعرهم وعيونهم ومكان سكنهم الجغرافي.
رغم كل هذا الظلام الذي خيم على عالمنا فجأة سنعمل ليكون عالماً لنا وليس للمنافقين والمحتلين وللصهاينة المجرمين وأعوانهم من العنصريين الغربيين والأمريكيين.
نضال حمد
14-3-2022