هكذا اخترقت وتخترق (إسرائيل) الوطن العربيّ عبر وسائط التواصل الاجتماعيّ
هكذا اخترقت وتخترق إسرائيل الوطن العربيّ عبر وسائط التواصل الاجتماعيّ واستضافة صحافيين ناطقين بالضاد… ولماذا لا تفعل الأنظمة شيئًا لوقف “التطبيع الرقميّ”؟
الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
من نوافل القول إنّ الاختراق الإسرائيليّ للوطن العربيّ أصبح أكبر سرًّا مكشوفًا، فالدولة العبريّة، تُخصص القدرات، الطاقات والخامات الهائلة لتعزيز تواجدها في قلوب وعقول الناطقين بالضّاد، مُستغلةً حالة الوهن التي أمست تُميّز الدول العربيّة الممزّقة والمُشتتة والمُفتتة، ومن ناحية أخرى، تُوظّف مُستشرقيها أوْ بالأحرى مُستعربيها، الذين يفهمون العقليّة العربيّة، بهدف تقسيم المُقسّم، وتجزئة المجزأ، وتكريس الاختراق في المجتمعات العربيّة.
وفي ظلّ تحوّل العالم إلى قريةٍ صغيرةٍ في حقبة العولمة، وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعيّ على الأجندة، اكتشفت إسرائيل مُبكرًا أنّ الـ(فيسبوك) و(تويتر)، هما أفضل سفراء لها في العالم، وبشكلٍ خاصٍّ في الوطن العربيّ، وباتت تستخدمهما للتواصل والتفاعل مع الشباب العربيّ، أينما تواجد.
وبحسب وسائل الإعلام العبريّة، في مبنىً كبيرٍ في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، يجلس شباب إسرائيليون، ويتواصلون مع شبابٍ عربٍ من جميع أنحاء العالم ويعمل حوالي 10 مسؤولين عن كتابة المنشورات، نشر الصور، ترجمة المواد من العبرية إلى العربيّة، وكتابة تعليقات للمتصفحين، على التواصل بين دولة إسرائيل والشباب في العالم العربي.
إنّه قسم “الدبلوماسيّة الرقميّة” العربيّة في وزارة الخارجيّة، وأفراده يُشكّلون قسم الدبلوماسيّة الرقميّة في وزارة الخارجيّة، التي يقودها بنيامين نتنياهو بشكلٍ فعليٍّ، إذْ يقوم بشكلٍ أساسيٍّ وناعمٍ بتمرير الرسائل الإسرائيليّة إلى الوطن العربيّ على مدار الساعة، والهدف الأساسي هو تحسين صورة دولة الاحتلال وتقديم المُسوّغات التي تُحاول تبرير مختلف الممارسات الإسرائيليّة.
يوناتان غونين، رئيس قسم الدبلوماسيّة الرقميّة، قال لموقع (المصدر) الإسرائيليّ، سبه الرسميّ إنّه في منطقة الشرق الأوسط يعيش نحو 400 مليون عربي، من بينهم 145 مليونًا يستخدمون الإنترنت و80 مليونًا منهم يستخدمون الفيسبوك، وتابع: لقد أدركنا منذ أسسنا القسم في عام 2011 أنّ أفضل وسيلة للتواصل مع الشباب العربي هي الفيسبوك، الذي أصبح الوسيلة الأقوى تأثيرًا على الرأي العام. ووفقًا للإحصاءات الرسميّة للوزارة يبلغ عدد متابعي صفحة الفيسبوك التي يديرها قسم الدبلوماسية الرقمية أكثر من 910 آلاف متابع، أكثرهم في سن 18 حتى 24 عاما. ويعيش معظم المتابعين في مصر، لكن هناك آخرين في العراق والمغرب والأردن وفلسطين ويشاركون في التعليقات على صفحاتهم.
إضافة إلى ذلك فثمة صفحة لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة تتعامل مع 83 ألف متابع، أغلبهم صحافيون ودبلوماسيون وقادة للرأي العام، ومشاركة أمثال هؤلاء في التغريدات الإسرائيليّة تعنى في رأيهم أنّ رسالة وزارة الخارجية تصل إلى عددٍ كبيرٍ من الأشخاص الفاعلين في العالم العربيّ.
ما يُثير الانتباه أنّ صفحات الفيسبوك المذكورة تسمح لممثلي وزارة الخارجيّة بالتوجّه مباشرةً إلى القراء، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بتجاوز الحكومات والتفاعل مع العرب من خلال الدبلوماسيّة الرقميّة، التي تنقل إليهم مختلف الرسائل التي تتناول الموضوعات الحساسّة والجادّة، إلى جانب مقاطع فيديو وأغانٍ لمطربين إسرائيليين. وتشكل ممارسات الديمقراطية الإسرائيلية المقصورة على اليهود نقطة جذب للقراء العرب، إذْ أعرب كثيرون من الشبان المتابعين عن احترامهم لها وإعجابهم بها حين علموا بمحاكمة الرئيس الإسرائيليّ السابق موشيه كتساف وسجنه بتهمة الاغتصاب وسجن رئيس الوزراء إيهود أولمرت بتهمة تلقى رشوةً.
وإلى جانب مخاطبة العرب من خلال الإنترنت، فإنّ إسرائيل عمدت إلى دعوة وفودٍ صحافيّةٍ عربيّةٍ لزيارتها، الأمر الذي يُشكّل مساحةً إضافيّةً للتفاعل الذي يُخاطب القرّاء العرب، ويُحاول تجميل صورة دولة الاحتلال. وحتى الآن زارت إسرائيل وفودًا من العراق ومصر والمغرب والأردن وتونس بشكلً علنيٍّ حيث حلّوا ضيوفًا رسميين على خارجية كيان الاحتلال.
السؤال الذي لم نتمكّن من الحصول على إجابةٍ عليه: السواد الأعظم من النظم العربيّة تستخدم حجب مواقع الإنترنيت، والفيسبوك وتويتر، إذا شعرت المُخابرات بأنّ الضجّة في الشبكة العنكبوتيّة ووسائط التواصل الاجتماعيّ، باتت تُشكّل خطرًا على استقرار النظام، فهل التواصل مع الصهاينة لا يُعتبر خطرًا على هذه الأنظمة، ذلك أنّ سياسة إسرائيل تعتمد في الأساس على إثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة بين أبناء الأمّة الواحدة.
وفي هذا السياق يجب تنبيه المُستخدِمين/ات العرب بأنّ التفاعل مع الصفحات الإسرائيليّة، حتى لو كان من مُنطلَق الدفاع عن الأمّة العربيّة، هو بحدّ ذاته انتصارًا للصهاينة، فالردّ على ترهاتهم وخزعبلاتهم يمنحهم الفرصة لمعرفة وتحديد الـ”أعداء” والـ”أصدقاء”، لذا يجب مُقاطعة هذه الصفحات كليًا، وعدم التعامل معها بتاتًا.
المسرحيّ السوريّ الراحل، سعد الله ونوس، كان قد أرسى مقولته المأثورة: “كم مرّةٍ هزمتنا الخيانة دون قتالٍ”، واليوم، للأسف الشديد، نُهزم يوميًا، وعلى مدار الساعة، عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، حيث تستغّلها إسرائيل لشنّ الحرب النفسيّة القذِرة والسافِلة ضدّ الأمتّين العربيّة والإسلاميّة.