هكذا عاش فلسطينيتهُ حتى الموت
هكذا تحدث الفدائي أبو علي مصطفى، وبلغة تشبهه، ببساطة وعمق وعفوية وصرامة وبلا دبلوماسية، تكلم عن نشأته الفدائية، عن المقاتل الأول والمُصمّم الذي صنع نفسه وصقل شخصيته القيادية والفكرية ودربها على مسرح المعركة بواسطة الفعل المباشر.
هكذا ولد وعاش وكابد وعاند وقاتل حتى صارت الساحة الثوريّة مساحة ليومياته وسجلاته المعروفة والغير معروفة، منذ طفولته التي لم تعرف لعبة، حتى وجد نفسه في لعبة جدّية، حتّى الشهادة.
ومع ذلك، لم يجعل هذه المساحة السياسية لنضال الفدائيين أقل واقعيّة، بل تكشف هذه المساحة النمط التأسيسي للولادة العسيرة للمقاومة ، وأبو علي فارسها، برومانسية تفيض في الحلم و المحاكاة والخيال، وترجمها في صورة الواقع الثوري.
يتحدث عن بدايات الانتماء العفوي والتنظيم والوعي وتشكيل العمل الخاص العسكري، في مقابلة تلفزيونية قبل استشهاده، وظروف العمل وشروطه وقوانينه القاسية وغير المباحة، قائلاً: دخلت السجن وعمري 19 عاما، لأني انتسبت لحركة القوميين العرب في عام 1955، ودخلت السجن عام 1957، دخولي السجن كان نتيجة الانتماء بقناعة إلى خط ما، حيث كانت قناعتنا آنذاك تتكون على اعتبار أن طريق فلسطين طريق الوحدة العربية.
هكذا حدد الطريق والبداية، فلسطين، وبعد خروجه من المعتقل، ترفع الى عضو شعبة، لاستلام مسؤولية موقع ما، ولم يكن هناك تنظيم جيد لمنطقة شمال الضفة، كان فيها فراغ. تولي المسؤولية الأصعب، وأن تدمج بين شخصيتك المعروفة، وبين أن تعمل تشكيلات غير معروفة، وبتكوين المنظمة السرية أو العمل الخاص، وهو العمل الفدائي، هذا الأمر لم يكن معروفًا إلا لبعض الأفراد، وبدأ بتكليف أفراد معينين ليشكلوا وحدات كنواة عمل فدائي، وتتدرب وتتسلح وذلك خارج البلد بطريقة ما.
أما النقطة الأخطر فكانت المرتبطة بالعمل الخاص، ينبش ذاكرته إلى شعار الحركة «فوق الصفر وتحت التوريط»، حين كانت تريد مراعاة العلاقة مع عبد الناصر، ويستأنف: “قائد الجيوش العربية آنذاك، يعتبر أن أي عمل فدائي على الجبهة المواجهة للعدو يمكن أن يلحق الضرر بالجيوش العربية، ويفتح المعركة في غير أوانها، لذلك كانوا يسمونه توريطا، فكانت الحركة بحكم التحالف مع عبد الناصر تعتبر أنه من الممكن أن يكون لديها مساحة للتحرك، لكن تحت سقف التوريط”.
طبعا هذا الأمر بقي مستمراً حتى عام 1966، حيث كنا نقوم بتوزيع الأفراد على دورات بشكل لا يلفت الانتباه، وقبلها ذهب لدورة ضباط فدائيين عام 1965 على مدرسة أنشاص الحربية، وكانت الانطلاقة.
وعندما أخذت صورة الفدائي بالتلاشي، يحدد أسباب ذلك وكيف ضاعت، وتمّ محوها، بلغة نقدية يدخل في عمق أزمة العمل الفدائي، وظلت المراجعة الدائمة لمعضلات المقاومة كيفية حماية العمل الخاص.
هكذا أبو علي المؤسس للعمل الفدائي، عاش فلسطينيته حتى الموت، عاد إلى ترابها لتبقى الهوية راية تقاوم ولا تساوم في أجيال جديدة من جنين وعرابة وباب العامود والخليل والمخيمات، وتولد وتتجدد في ملحمة غزة الأسطورية، وفلسطينيته العالية فوق الشمس صارت تشمل كل العالم.
مروان عبد العال