هكذا يُصنّع الدبس في فلسطين
يُعتبَر محصول العنب ثاني أكبر المواسم الزراعية في فلسطين بعد الزيتون، ويساهم العنب بـ12% من الإنتاج الزراعي في فلسطين، وتُقدَّر مساحة الأراضي المزروعة بالعنب حوالى 80 ألف دونم، وبنسبة إنتاج سنوية تصل إلى 80 ألف طن، وتُعتبَر محافظتا بيت لحم والخليل من أكبر المدن المنتجة للعنب.
أم حسن: في اليوم التالي تتم عمليات تصفية وزلّ الدبس المسلوق من جديد أكثر من مرة عبر استخدام صهريج نظي، لتبدأ بعدها مرحلة الطهي على النار تستمر أكثر من عشر ساعات
أم حسن: لمعرفة نضوج الدبس يجب أن تكون كثافته كبيرة ولونه مائل إلى اللون الأسود ويمكن فحصه من خلال حمل نقطة منه عبر أحد الأظافر
أم حسن: يتم إزالة الشوائب العائمة على سطحه، حيث تُسمّى “القوشة” وبعد أول دورة غليان له يتم إبعاد النيران عنه
أم حسن: قديماً كنا نقوم بغسل العنب ووضعه في كيس مصنوع من الخيش ويضاف إليه نوع من أنواع الأتربة يُسمّى “حوّر”
أم حسن: ثم توضع على الكيس الحجارة الثقيلة لتصفية ما تبقّى من العنب الذي بداخله
أم حسن: نعمل على تصفية العنب عبر أدوات وأوانٍ خاصة لمنع اختلاط العصير باللّب ونكرّر العملية عدّة مرات للحصول على عنب خالٍ من الشوائب
أم حسن: يتوجّب الانتباه على كمية الحطب الموضوعة أسفل القدر حتى لا يغلي الدبس بصورة مُفاجئة ويفقد الكثير من كميته
العنب فاكهة طيِّبة المذاق، ويُعَّد مصدر دخل أساسي للمزارعين الفلسطينيين، وتُصنع منه منتجات غذائية متعدّدة يتم تناولها طوال العام، أهمّها الدبس والشدّة والعنبية والملبن والخبيصة والزبيب، وتعتمد الكثير من الأسر الفلسطينية بشكل كلّي أو جزئي على محصول العنب ومشتقاته، كونه يدرّ دخلاً اقتصادياً وفيراً عليهم.
ويمتاز عنب الجنوب الفلسطيني بحلاوة مذاقه وطيب طعمه وأنواعه المتعدّدة، وتبلغ نسبة السكر فيه 30%، ويقوم المئات من المزارعين الفلسطينيين بتحويل العنب إلى عصير يتم طهيه بطريقة مُحكمَة الإعداد للوصول إلى شراب الدبس، الذي تتزيَّن به موائدهم خلال فصل الشتاء، كما يتم صناعة الشدّة والمهلبيّة من الدبس أيضاً.
وفي مثل هذا الوقت من كل عام، يبدأ موسم صناعة الدبس بالطريقة التقليدية التي توارثتها الأجيال اللاحقة عن الأجداد، فتسود أجواؤه وطقوسه إعادة لشريط ذكريات الماضي الجميل، وجمْع شمْل العائلة حول مواقد النار المُلتهبة لتحويل عصير العنب إلى دبس، ربما يُحيي ما أفسده الاحتلال في حياة شعب غير قابل للانكسار.
وتقول الحاجة الستينية أم حسن الزبيدي ل “الميادين نت”: قديماً كنا نقوم بغسل العنب ووضعه في كيس مصنوع من الخيش، ويضاف إليه نوع من أنواع الأتربة يُسمّى “حوّر” لأهميته في تكرير الدبس لاحقاً، ثم يوضع في حوض مصنوع في الصخور أكثر ارتفاعاً من الحوض الملاصق له.
تتابع أم حسن حديثها لمراسلنا “تبدأ مياه العنب المعصور بفعل الضغط عليه بقوة الأيدي بالانسياب إلى الحوض الآخر، ومن ثم توضع على الكيس الحجارة الثقيلة لتصفية ما تبقّى من العنب الذي بداخله، أو أن يُعلَّق كيس الخيش على شجرة مُرتفعة، ويوضع تحته وعاء من أجل تصفيته.
وهكذا تنتهي المرحلة الأولى من صناعة الدبس، وهي استخراج العصير من العنب والتخلّص من اللّب، كما أن المرحلة الأولى متشابهة مع الطريقة الحديثة في عصر وتصفية العنب، فيما اختفت الأحواض المصنوعة في الصخور بفعل الزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية، بسبب الزيادة الكبيرة على عدد السكان.
تتابع الحاجة أم حسن شرحها لتفاصيل إنتاج الدبس فتقول ل “الميادين نت”: نعمل على تصفية العنب عبر أدوات وأوانٍ خاصة، لمنع اختلاط العصير باللّب، ونكرّر العملية عدّة مرات للحصول على عنب خالٍ من الشوائب، وبعد التأكّد من خلوّه من الشوائب تبدأ مرحلة السلق.
وتُسمّى المرحلة الأولى في طهي الدبس على النار ب “السلق”، وتتخللها إزالة الشوائب العائمة على سطحه، حيث تُسمّى “القوشة”، وبعد أول دورة غليان له يتم إبعاد النيران عنه، والإبقاء عليه في الأقدار لليوم الثاني، وهي عملية تستغرق من 3 إلى 4 ساعات على النار.
في اليوم التالي، تتم عمليات تصفية وزلّ الدبس المسلوق من جديد أكثر من مرة، عبر استخدام صهريج نظيف، لتبدأ بعدها مرحلة الطهي على النار تستمر أكثر من عشر ساعات، والمحافظة على قوّة النيران وإزالة “القوشة”، وتُكسِب النيران الدبس مذاقاً عن الدبس المطهي عبر الوسائل الصناعية.
وتضيف الحاجة أم حسن لمراسلنا عن طهي الدبس على النار بالقول: “يتوجّب الانتباه على كمية الحطب الموضوعة أسفل القدر، حتى لا يغلي الدبس بصورة مُفاجئة، ويفقد الكثير من كميته، فيستدعي الحذر ويتطلّب المراقبة الدائمة، بالإضافة إلى إزالة “القوشة” وهي مادة طبيعية ناتجة من بعض الشوائب التي يفرزها الدبس”.
وعن آلية معرفة نضوج الدبس تقول الحاجة أم حسن لمراسلنا “يجب أن تكون كثافته كبيرة ولونه مائل إلى اللون الأسود، ويمكن فحصه من خلال وضع كمية قليلة منه في إناء نحاسي، وعمل خطوط في الإناء، فإذا لم يلتقِ الخطان فهذا مؤشّر على نُضجه، أو من خلال حمل نقطة منه عبر أحد الأظافر.
انقضت حوالى 37 ساعة متقطّعة من الوقت، من تنظيف العنب حتى مرحلة “التشريع”، والتشريع هي المرحلة الأخيرة في عملية صناعة الدبس، لتبريده وجعل لونه يميل للصفار، ويُترَك ليومين آخرين ومن ثم يوضع في أوعية خاصة، ويُحفَظ بدرجات حرارة مناسبة بعيداً عن أشعة الشمس.
ومن أهم الفوائد الصحية للدبس عِلاج فقر الدم ومدّ الجسم بالسعرات الحرارية والطاقة في فصل الشتاء، كونه يحتوي على كمية عالية من الكالسيوم، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الدبس حوالى 8 دولارات، نتيجة ارتفاع سعر العنب والطريقة المُتّعبة والمُنهِكة في عملية إنتاجه.
المصدر : الميادين نت