هل أصبح العرب أكثر شعوب العالم عجزا؟
نضال حمد
في كل مرة يشتد فيها الحصار والخناق على القيادة الفلسطينية وعلى رئيس السلطة السيد ياسر عرفات خاصة في مبنى المقاطعة في رام الله, يطل أو يطلع علينا شيخ الخارجية القطرية بوساطة جديدة لم يطلبها منه الفلسطينيون، لكنه يقوم بها مدفوعا من أمريكا والكيان الصهيوني، وأحيانا بعض القادة الفلسطينيين من عتاريس سلام أوسلو أو سلام الشجعان، الذي قاد شعبنا وقضيتنا إلى وحل السلام الأمريكي الصهيوني.
فبعد زيارة أحد أهم مهندسي أوسلو الشخصية إلى قطر الخليجية حيث لتلك الشخصية تاريخ قطري ومعارف وأعمال والله اعلم ماذا أيضا.. أصبح واضحا أن هناك رضا من عدة أطراف على دور المتوسل القطري في أزمات المنطقة المختلفة. ولأن الوضع الداخلي للسلطة لا يعتبر وضعا متماسكا ولا حتى منسجما فيما بينه. إذ أن حصار عرفات في رام الله أوجد بعض الذين يريدون استعمال رضا أمريكا عنهم للطعن بسيدهم وتنفيذ آخر حلقات مؤامرة أوسلو العتيدة.
قطر توسطت سابقا في حل قضية مسئولي حماس في الأردن حيث استضافتهم على أرضها كحل يرضي المملكة الأردنية أولا ويترك قادة حماس بلا خيار آخر غير الموافقة على الرحيل والمنفى الاختياري وهذا ما تم فعلا.
وكما نعلم جميعا فأن قطر بشخص وزير خارجيتها كانت البادئة فعلا في رفع راية التسليم بكل ما تريده أمريكا من العرب. وكلنا لازال يذكر الكلام المهين والعليل الذي تفوه به الوزير القطري من خلال إعلانه ودعوته كافة الدول العربية للتوسل عند الرئيس الأمريكي لوقف أعمال (إسرائيل) الإجرامية في فلسطين المحتلة. وبرر الوزير القطري كلامه عن التسول والاستجداء والاستعطاف عند الأمريكان بأن كافة مفاتيح الحل بأيدي الإدارة الأمريكية، وبأن العرب لا حيلة لهم سوى استجداء أمريكا.
هذا الرجل هو وزير خارجية دولة عربية صغيرة تحاول لعب دور كبير في منطقة ملتهبة وموبوءة بالصراعات الكبيرة والصغيرة، من القضية الفلسطينية المعقدة والصعبة إلى حصار أمريكا وبريطانيا لأرض العراق وما يشبه سيطرتهما على منابع النفط العربي في الخليج. وتسيّير الدوريات البرية والبحرية والجوية في أراضي وأجواء ومياه تلك الدول حماية لقوافل النفط ومنابعها ولتأمين وصولها للشركات الاحتكارية الأمريكية والغربية، تلك الشركات التي تسلب الفقراء في العالم وتزيد من ثروة الأغنياء.
أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في معلقته الشهيرة مديح الظل العالي. ولهذا الطاغوت الطاعوني قواعد وجنود وأسلحة من كافة الأصناف في محميات قطر والبحرين وغيرهما من دول الخليج العربي وفي تركيا التتريكية. وفي شمال العراق الخاضع لسيطرة المعارضة الكردية والتحالف الأمريكي البريطاني. كذلك توجد مجموعات (إسرائيلية) خاصة تعمل في شمال العراق منذ حرب تحرير الكويت. والأغرب في كل هذا أن أمريكا تملك حق استعمال قاعدتها في قطر حتى ولو رفضت الحكومة القطرية ذلك.
أذن أين قطر من سيادتها على أرضها وأين استقلالية البلد؟؟
لا يوجد استقلالية ولا من يحزنون فهذه الدول أصبحت تحت هيمنة أمريكا المباشرة وستبقى هكذا إلى تتم عملية تحرير الوطن العربي الكبير من نيّر الاستعمار الجديد.
التحركات الأمريكية الأساسية ضد العراق في حال نشوب حرب سوف تكون من تلك القواعد التي تعتبر بمثابة مناطق مستقلة لا رقابة عليها ولا سلطة لأصحاب الأرض الذين ارتضوا بدورهم التقليدي المعروف. وهو دور النادل السياسي والخادم المطيع الذي يعمل لسيده مقابل تلقيه مساعدة تمكنه من البقاء في السلطة والحفاظ على ما لديه من مكتسبات فردية وسلطوية كبيرة وواسعة. وإلا ما معنى أن لا تستطيع الدولة التي تستضيف القواعد الأمريكية أن تمنع أمريكا من استعمالها ضد دول الجوار وضد دولة عربية أخرى هي عضو في الجامعة العربية وتلتزم بقرارات الجامعة ونظامها الداخلي وقوانينها ومعاهداتها المشتركة، من معاهدة الدفاع المشترك حتى المصير الواحد والمشترك.
هذه الدول للأسف ليست اكثر من دول كرتونية كالتي يشاهدها الأطفال في عالم ديزني وأفلام الكرتون التي تملأ شاشات التلفزة العربية. إنها دول من وهم وموشومة بالتبعية المطلقة لأمريكا المتصهينة حتى النخاع الشوكي… دول ارتضت بالوشم الأمريكي فأصبح الوشم وصمة عار على جبينها ورجس يدنس العروبة بكل معانيها.
في خضم الحصار العنيف والرهيب الذي تشدده ومازالت (إسرائيل) العنصرية الصهيونية تفرضه على مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله المحتلة. اتصل وزير خارجية قطر بالجانب الفلسطيني ليؤكد له استعداد مشيخة قطر للعب دور الوسيط بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الصهيوني. كما قال وزير الخارجية القطري بأن بلاده تود استقبال المطلوبين الفلسطينيين في قطر.
مجرد هذا الكلام هو وقاحة سياسية وتدخل سافر في الشؤون الفلسطينية الداخلية وأكثر من ذلك فأن كلام الوزير القطري يصب في مصلحة وخدمة سياسة ونهج الحكومة الصهيونية الإرهابية. فتلك الحكومة تتمنى أن يتم ترحيل كافة الفلسطينيين إلى خارج وطنهم كما كان الحال في قضية كنيسة المهد، التي تعتبر غلطة كبيرة يجب أن لا تتكرر وأن يستفاد منها بشكل إيجابي، وان تكون عبرة لكل من يفكر بالتفاوض على حرية أبناء فلسطين في العيش الحر والآمن والطبيعي في بلدهم وعلى أرض آبائهم وأجدادهم.
كان من المفترض بوزير خارجية قطر أن لا يستغل حالة الحصار وضيق الدنيا حول الفلسطيني ليتقدم بعرضه الخطير وغير المسئول اذا اخذنا الأمر بنية طيبة…
كان الأجدر به أن يتصل ليشد من عزيمة الرئيس الفلسطيني ومن معه من المحاصرين في مقر المقاطعة الذي أرادت (إسرائيل) هدمه على رؤوسهم. وقد أحسن بعض القادة الفلسطينيين فعلا عندما قاموا بتوبيخ الوزير وأعتباره متواطئا.
تبقى المشكلة الحقيقية في مسألة التدخلات القطرية أنه ما من مرجعية عربية جماعية تستطيع وقف الدور القطري الفالت من عقاله سوى مرجعية الجامعة العربية القوية والموحدة فعلا لا شكلا. ما عدا ذلك يبقى مجرد كلام للاستهلاك والترويج المحلي والإقليمي. والى أن تعود الجامعة العربية جامعة عربية للتوحيد وليس للتفريط وللتبديدعلينا أن ننتظر ولادة أو قيامة عبد الناصر جديد، أو رحمة شعبية عربية تعبر عنها الشعوب العربية النائمة من خلال صحوة جماعية، وثورة شعبية بيضاء تعصف بالحكومات والحكام الذين أثبتوا حسن ولائهم لأمريكا ولمعسكر الأعداء، وإصرار بعضهم على التحول من جمهوريات برلمانية إلى ممالك وراثية تحتفظ بنظامها السابق مع تعديل أساسي ينوب فيه الابن عن أبيه في رئاسة الدولة وحماية مصالح الشعب والحزب والأمة.
الثقة كبيرة بأن أمتنا العربية سوف تنهض من كبوتها وتقول كلمتها في هذه المعركة الفاصلة والحاسمة التي ستحدد مصير الأمة العربية ومصير المنطقة بشكل عام. شعوبنا العربية صاحبة تاريخ كبير وعريق في الكفاح وحب الحياة الكريمة والحرة والشريفة. كما أنها أضاءت شعلة العلم والنور والفكر العالمي من خلال ما أتحفت به العالم من علوم لازالت هي المرجع في عصر العلوم الحديثة. وأمتنا العربية ليست أقل عراقة وقيمة وغيرة من شعوب رومانيا وألبانيا وبولندا وغيرها من الدول الاشتراكية سابقا، تلك التي ثارت على حكامها وأنظمتها الشمولية وأستطاعت قلب الأنظمة من خلال مواجهتها للدبابات بصدورها العارية. وعبر نزولها إلى الشوارع والميادين لتعلن عن نهاية زمن الحكومات المبرمجة مركزيا وبأرادات خارجية. هذا بالرغم من الفارق بيننا وبينهم، فهم كانت تقف خلفهم أمريكا والناتو بكل ثقلهما.
إن ثقتنا بأمتنا كبيرة ومضاعفة لذا نقول للأمة أنه لم يعد هناك مجال للانتظار والترقب والصمت والانطواء في المنازل والدور والمدارس والجامعات والمباني. عليكم الخروج إلى الشوارع للتعبير عن رفضكم للتبعية والوصاية الأمريكية الصهيونية على بلادنا العربية. وعليكم إعادة الأمور إلى نصابها قبل أن نصبح جميعا عبيد لأمريكا والصهاينة.
إن الأمة في خطر وبوابات الوطن العربي محاصرة بالأعداء وبأشباه القادة الذين يعلنون استسلامهم لإملاءات أمريكا بمبررات واهية وضعيفة لا ترقى لحجم الكارثة التي تهدد الأمة. كانوا في البداية ضد أي عمل عسكري يستهدف العراق. أصبحوا الآن يقبلون به إذا وافقت عليه الأمم المتحدة المسيرة أمريكاً. واليوم يقبلون باستعمال أراضيهم والقواعد الأمريكية فيها كمنطلق ضد العراق، االبلد العربي المحاصر، الذي يتم الاعتداء عليه بلا انقطاع من تلك القواعد إما بموافقة حكامنا أو من خلال عجزهم عن عمل أي شيء لوقفه، أو من خلال الصمت وغض الطرف عما تفعله أمريكا عبر قواعدها في دول الخليج العربي.
كما أنه أصبح واضحا وجليا حجم التحكم الأمريكي بالبلاد العربية وحجم الضغط الذي تتعرض له تلك البلاد وبالذات أصدقاء أمريكا منها. مثلما الحال مع السعودية ومصر حيث شنت أمريكا حملة إعلامية اتبعتها بحملة ضغط مادي أثمرت بعض التراجع في موقف البلدين من مسألة الحرب على العراق. ففي مصر سوف لن يمنعوا السفن الحربية الأمريكية من عبور قناة السويس لضرب العراق. وما جاء أخيرا من تصريحات مصرية تطالب العراق بالتوقف عن استفزاز العالم وإثارة غضبه يثير الحزن والألم على حال حكامنا. كأن العراق يفعل ما هو ممنوع أو مرفوض وهو البلد المحاصر والذي يتعرض للخناق والموت كل ساعة وكل يوم. أما السعودية فسوف لن تمانع في شن العدوان على العراق من القواعد الأمريكية في أراضيها، خاصة بعد تراجع الموقف السعودي من حرب أمريكا على العراق. كما أنها صمتت عن إهمال أمريكا لمبادرة السلام التي تقدم بها الأمير عبد الله وتبنتها القمة العربية في بيروت بكل تنازلاتها ومع أنها لا ترقى لطموحات الشعب الفلسطيني المشروعة.
لولا أن الدول العربية الكبيرة والمؤثرة لم تكن بدورها مرتهنة ومغيبة وغير ذات قيمة، لما تجرأ وزير خارجية دولة عربية صغيرة مثل قطر،على تجاوز تلك الدول والجامعة العربية والتوسل لأمريكا والتسول على مسامع ومرأى العالم، هذا الذي بدوره لم يعد يكن للعرب أي احترام. وكيف يحترم المرء من لا يحترم نفسه؟ وكيف سيحترم العالم أمة لا تحترم نفسها وتسمح لقلة من الناس باستعبادها والعمل بعكس رغباتها وضد مصالحها؟؟
نضال حمد
30-9-2002