هل اقتربت بولندا والمجر من مغادرة الاتحاد الأوروبي؟
يغذّي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المخاوف المتزايدة من اقتفاء دول أوروبية أخرى خُطى الـ”بريكسيت”، لا سيما أن القارة العجوز تكبّدت مؤخّراً تبعات اقتصادية قاسية جرّاء جائحة كورونا ما أدّى إلى خلاف متزايد بين الزعماء الأوروبيين.
وبجانب ذلك تأتي التحوّلات الديمغرافية الناتجة عن تفاقم أزمات اللاجئين وتزايد متوسّط الأعمار الذي خلق أزمة شيخوخة بأغلب المجتمعات الأوروبية، وتُنذر العوامل السابقة بنهاية “الحُلم الأوروبي” وانهيار الاتحاد الإقليمي الأنجح لعقود.
وعلى هذا النحو نشأت علاقة متوترة بين بروكسل وقادة بولندا والمجر، الذين أظهروا في أكثر من محفل أن بلادهم باتت قاب قوسين أو أدنى من مغادرة النادي الأوروبي.
بولندا في قطار مغادري بروكسل؟
ظهرت مؤشرات يرى مراقبون أنها تؤدّي إلى حتميّة تفكك الاتحاد الأوروبي بعد تصدّع أواصر “القيم الأوروبية”، التي بُنيت على أُسس التعاون والتكامل الليبرالي لا الروح التنافسية وأولوية المصلحة الوطنية المرتكزة على المقاربة الواقعية اليمينية الآخذة في الانتشار بأروقة الحكم في العواصم الأوروبية.
وعلى هذا النحو تكتسب النبؤات حول حدوث الـ”بوليكسيت” زخماً، حيث نشأت علاقة متوترة بين بولندا والاتحاد الأوروبي، شهدت فصولاً عديدة آخرها تصريحات ريزارد تيرليكي، نائب زعيم حزب القانون والعدالة، القومي المحافظ الحاكم، الأربعاء، بأن طريقة سير علاقة بلاده مع بروكسل قد تضطرهم “إلى البحث عن حلول جذرية”، لافتاً إلى أن مغادرة بريطانيا الاتحاد جاءت بعد اقتناع ساستها بأنّ “ديكتاتورية وبيروقراطية بروكسل لم تناسبهم فاستداروا وغادروا”.
ورغم نفي الحكومة البولندية المحافظة، بقيادة حزب القانون والعدالة وزعيمه ياروسلاف كاتشينسكي، مراراً عدم تبييت أيّة نيّة لمغادرة النادي الأوروبي المكوّن من 27 عضواً، وأن الدعم الشعبي لعضوية الاتحاد الأوروبي مرتفع للغاية، غير أن منتقدين يخشون من النغمة العدائيّة للزعماء البولنديين، الذين سبق أن قارنوا الاتحاد الأوروبي بالاتحاد السوفيتي، مستخدمين مصطلحات مثيرة للجدل مثل “الاستعباد السياسي” الذي تمارسه بروكسل.
المجر على خط التصعيد
تعود جذور الأزمة إلى تهديد من الحكومتين البولندية والمجريّة بعرقلة ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة 1.82 تريليون يورو (2.21 تريليون دولار) للأعوام القادمة، بما في ذلك حزمة التعافي من جائحة كورونا.
ويأتي التهديد من بروكسل باستخدام حق النقض بعد تصويت أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي لإدخال قاعدة جديدة من شأنها أن تسمح للكتلة بقطع التمويل عن دول الاتحاد التي تنتهك سيادة القانون.
وأدّى وصول الحكومتين اليمينيتين إلى السلطة، في كلا البلدين الواقعين في أوروبا الوسطى، إلى تآكل استقلال القضاء والإعلام، ما خلق مخاوف بشأن التراجع الديمقراطي.
وتخلل حالة التصعيد تصريحات حادة بين زعماء بولندا والمجر ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ما يخص النظام القضائي ومبدأ سيادة القانون، حيث صرّحت محكمة لحقوق الإنسان بأنّ “النظام التأديبي البولندي للقضاة لا يتماشى مع قانون الاتحاد الأوروبي”، وذلك عقب تصريح مناوئ للإجراءات والمبادئ القضائية الأوروبية على لسان قاضي المحكمة الدستورية البولندي ستانيسلاف بيوترفيتش.
وتنعكس مخاوف أقل إلى حد ما بشأن مغادرة المجر للنادي الأوروبي، حيث صوّرت الحكومة المجريّة في كثير من الأحيان الاتحاد الأوروبي في بروكسل كقوة أجنبية استبدادية تهدف إلى سلب المجر إرادتها، خاصةً في ما يتعلق بشؤون الهجرة.
وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تطرّق إلى “أوجه الشبه البولندية بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد السوفيتي”، قائلاً إن قانون موازنة الاتحاد الأوروبي للظروف يشبه “الابتزاز الأيديولوجي” الذي مارسه الاتحاد السوفيتي في السابق.
مخاض عسير
يرى محللّون أن كلاً من بولندا والمجر تعتمدان بشكل كبير على تمويل الاتحاد الأوروبي، كما أنّه بغض النظر عن تصريحات السياسيين المثيرة للجدل، فإن الشعبين البولندي والمجري مؤيدان إلى حد كبير الحرية التي تمنحها عضويتهما بالاتحاد لعمالهما لعبور الحدود إلى أسواق العمل في غرب أوروبا، على نحوٍ يوحي بأن أي قرار شعبي بمغادرة النادي الأوروبي هو “هزيمة ذاتية” لن يُقدم الشعبان عليها بسهولة في أي حال من الأحوال.
ويندد المعارضون البولنديون بمقاربة حكومتهم إزاء تعاملها مع بروكسل، ويحثّون وارسو على اختيار مسار أكثر تصالحيّة، مؤكّدين أنّه حال مغادرة بولندا للاتحاد الأوروبي، فإن موقعها الجغرافي الصعب في وسط أوروبا سيجعلها معرضة للخطر من دول الجوار مثل أوكرانيا وبيلاروسيا، إضافة إلى خطر الوجود في محيط النفوذ الروسي.
وكان رئيس مجلس الشيوخ توماس جرودزكي من حزب “المنبر المدني” المعارض ناشد حكومة بلاده التخلّي عن موقفها المتشدد، مُفيداً أن مصير بلاده سيكون “إمّا في عائلة الحضارة الغربية وإما بين الديكتاتوريات الاستبدادية في الشرق”.
فيما يرى بيوتر بوراس، مدير مكتب وارسو التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن ارتباط بولندا العاطفي بالاتحاد الأوروبي يمنع حدوث الـ”بوليكسيت”، وأردف أن المغادرة تعني انتصار العوامل الأيديولوجية والسياسية على حساب النموذج الديمقراطي الغربي للمجتمع والسياسة، مؤكداً أن الشعب البولندي لن يتسامح قيد أنملة حال مضي حكومته في خطوات عمليّة للانفصال عن بروكسل.
غير أن حزب القانون والعدالة البولندي الحاكم يرفض الأصوات المعارضة لسياساته، وردّ بأنهم لا يملكون سلطة تسيير السياسة الخارجية لوارسو، وأن موقف رئيس مجلس الشيوخ والمواقف المماثلة تضر البلاد نظراً “لتعارضها مع الموقف التفاوضي الرسمي للحكومة”.
وكثيراً ما يسلط المسؤولون البولنديون والمجريون الضوء على أهمية التحالفات الإقليمية الأخرى مثل مجموعة “ففيزيغراد” التي تجمع دول بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، ومبادرة البحار الثلاثة، التي تهدف إلى ربط البلدان المُطلّة على بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود. فيما يرى خبراء أن عضوية تلك الدول في الاتحاد الأوروبي، تحتّم صعوبة إعطائها أولوية لعلاقتها مع وارسو وبودابست على حساب بروكسل.
وينتهي مراقبون إلى أن الخطاب الشعبوي الذي يتّبعه الزعماء البولنديون والمجريون، والمناهض في مجمله لسياسات بروكسل وعضوية بلادهم في ناديها، قد يؤدّي إلى “مخاض عسير” سيتكبده البلدان حال إقدامهما على المُضي في “مسار الطلاق” مع الاتحاد الأوروبي.
المصدر:TRT عربي