هل تعي حركة حماس ما تفعل بالشعب الفلسطيني ؟ – د/ إبراهيم أبراش
ليس دفاعا عن رجل حتى وإن كان هذا الرجل شخصية وطنية وقومية وأممية بقامة النائب في التشريعي جميل المجدلاوي ، رجل المبادئ والأخلاق والوطنية والتفاني في سبيل فلسطين منذ السنوات الأولى للنكبة حين كان من يتطاولون عليه اليوم غير متواجدين على ساحة العمل الوطني ، أو يشتغلون في إطار أجندة عابرة للوطنية ولا تعترف بها. رجل عرفناه مقاتلا شرسا في ساحات الأردن وسوريا ولبنان ، ومناضلا سياسيا في كل بلد حله به ، وما زال حتى اليوم راكبا ولم يترجل ،ليس لأنه مستفيد من منصب أو مغرما بالظهور على الفضائيات ووسائل الإعلام ، بل لأن النضال واجب وطني وعطاء حتى الممات ، رجل كانت وما تزال نظافة يده وذمته المالية في مستوى سمو أخلاقه وتواضعه .
نعم ليس دفاع عن رجل بل توصيفا لحقيقة يعلمها كل من عاصر تاريخ الثورة الفلسطينية ، وحتى العقلاء في حركة حماس فقد أشادوا وقالوا بحق بهذا الرجل ما يتناسب مع قيمته وقامته عندما أنتقد ممارسات السلطة والتنسيق الأمني ووقف لجانب خيار المقاومة ، وأشادوا بالجبهة الشعبية عندما كانت في كثير من المواقف والمحطات اقرب لمشروع حماس من منظمة التحرير تحت ذريعة أن حماس تمثل مشروع مقاومة !. إلا أن البعض في حركة حماس ممن تتلبسهم حالة من الوهّْم الكاذب والجهل الفاضح بالدين كما في السياسة ، والذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة حيث لا حقيقة إلا ما يقولون ولا دين إلا ما يفسرون ويفهمون ، ولا صديق إلا من صدَّقَهم ، والذين يسيرون على قاعدة (من ليس معي فهو ضدي) ، فقد قلبوا ظهر المجن للجبهة الشعبية وللنائب المجدلاوي ، لا لشيء إلا لأنه عبر عن رأيه حول مهزلة صدور مشروع قانون من التشريعي بفرض ضريبة على تجار ومواطني غزة الفقيرة والجائعة والمحاصرة ، وهو في ذلك مارس حقا وقام بواجب يجب أن يقوم به بصفته نائب في التشريعي ،والخلل ليس لأنه تكلم بل في نواب التشريعي ممثلو الشعب الصامتين الذين تحولوا لأشهاد زور على ما يُمارس بالشعب والوطن باسم الشعب تحت قبة التشريعي .
كيف لا يحتج النائب المجدلاوي ويفضح هذا المشروع ، والمبتدئ بالسياسة يعرف أنه في كل دول العالم فإن الجهة الوحيدة التي من حقها فرض وجباية ضرائب هي الحكومة الرسمية ، وكيف لا يحتج والتشريعي يصدر هذا المشروع في يوم وصول حكومة الوفاق لتستكمل حل المشاكل العالقة ، وكيف لا يحتج ويحتج كل الشعب ،ومئات الملايين من الدولارات دخلت لقطاع غزة عبر كل الطرق الشرعية وغير الشرعية ، وضرائب ورسوم متعددة تم جبايتها ، دون أن يعلم أحد أين تذهب وكيف يتم إنفاقها . ولا يشفع لحركة حماس القول بأنها حركة مقاومة ، ولا يشفع لها حديثها عن فساد السلطة في الضفة الغربية .
بعد كل ذلك نؤكد على القول بأن الموضوع يتجاوز الدفاع عن شخص ، بل دعوة لكسر حالة الصمت وثقافة الخوف والترهيب ، دعوة لوقف التلاعب بمصير شعب ووطن ، تارة باسم الدين وتارة باسم المقاومة وتارة باسم المصلحة الوطنية ، والمحصلة في قطاع غزة : مسلمون بلا إسلام حقيقي حيث تحول الإسلام لإسلام شكلاني يتم توظيفه كأداة للارتزاق داخليا وخارجيا ، ومقاومون بلا مقاومة بما هي حركة تحرر وطني حيث تحولت لمقاومة للحفاظ على سلطة حركة حماس ودولة حركة حماس الإخوانية في قطاع غزة ولإرهاب وتخويف الشعب ، أما المصلحة الوطنية فبات مصطلحا فارغ المضمون ، فكم باسم المصلحة الوطنية ارتكبت جرائم .
منذ أن ظهرت حركة حماس كمشروع أراد له مؤسسوه أن يكون بديلا عن منظمة التحرير التي هي مشروع وطني تحرري اعترف بها العالم كممثل شرعي للشعب الفلسطيني ، منذ ذلك التاريخ وحركة حماس تخون وتكفر كل من يخالفها الرأي حتى الزعيم الراحل ياسر عرفات لم ينج من سياطها حيث نعتته بالخائن والفاسد بل وحرضت عناصرها لضربه بالأحذية لأنه كان يريد دولة في الضفة وقطاع غزة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين فقط ، ولا ندري بأي شيء سيضرب الشعب مَن يقولون ويسعون لدولة غزة فقط دون الضفة ودون القدس ودون عودة اللاجئين ؟! . لم يكن حال الرئيس أبو مازن بالأفضل ، فهو في نظرهم من ورط الشعب بسلطة أوسلو وهو رئيس “جماعة دايتون” ، وهو الذي يحاصر غزة ويغلق المعابر ويحرض إسرائيل للعدوان على غزة ، ومع ذلك فإن حركة حماس شكلت معه حكومة وفاق وطني ببرنامجه السياسي !، كما أن المصالحة اليوم متوقفة لأن هذا الرئيس بالمواصفات السابقة لا يريد دفع رواتب موظفي حركة حماس من موازنة حكومة أوسلو أو “حكومة دايتون” .! ولم يكن الحال أفضل مع فصائل منظمة التحرير الذين على حد قول احد قادة حماس (ما بعبوش سيارة بيكب ) ومجرد ظاهرة صوتية .
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أدخلت حركة حماس لأول مرة إلى الساحة الفلسطينية سلوك وثقافة الاقتتال والحرب الأهلية والكراهية والحقد بحيث بات المجتمع منقسما لمجتمعين وثقافتين وهويتين، بل وصل الانقسام للأسرة الواحدة ، وعلى المستوى الخارجي تم توتير وإفساد العلاقة بين الشعب الفلسطيني وغالبية الشعوب والحكومات العربية ، مما أثر على قدرة أهالي غزة على الحركة والسفر والعمل والدراسة والعلاج في دول العالم .
كل ذلك ليس نتيجة سلوك عناصر حركة حماس ولا مقاتليها الذين أبلوا بلاء حسنا عندما واجهوا جيش الاحتلال على حدود غزة ، الوضع الذي وصلت غليه حركة حماس وقطاع غزة نتيجة خيارات وسياسات قيادات حركة حماس وارتباطاتهم الخارجية ، نتيجة فشل هؤلاء في كل خياراتهم وسياساتهم ومراهناتهم ، فحولوا فشلهم لغضب (وفشة خلق) بالشعب في غزة ، ولم يعد أمامهم إلا الاشتغال على دولة غزة التي تريدها وخططت لها إسرائيل منذ التفكير بالتسوية السياسية ، ودولة غزة بالشروط التي تفرضها إسرائيل ستكون مقبرة للمشروع الوطني وللقضية الفلسطينية ، كما سيكون واهما مَن يعتقد أن إمارة إسلامية في قطاع غزة المحاصَر من إسرائيل ومصر والبحر ستكون قاعدة منطلق لدولة الخلافة الإسلامية .
ومع ذلك نقول لحركة حماس ومؤيديها أنه لم يفت الوقت بعد ، ففي تجربتها التاريخية وفي رصيدها الشعبي ما يساعدها ويسمح لها بمراجعة إستراتيجية تجعلها أقرب للوطنية الفلسطينية وللحس الشعبي ،والشعب الفلسطيني عاصر تجارب وحروب وأشكال متعددة من الاحتلال والهيمنة والأيديولوجيات ، وكلها زالت إلا فلسطين والهوية الوطنية الفلسطينية التي فيها متسع للجميع .