هل سيصبح المغرب واحداً من أغنى دول المنطقة قريباً؟ – حسن الراشدي
عنوان صادم سرق انتباهي على صدر الصفحة الأولى من إحدى الصحف المغربية قبل أيام، كُتب بالبنط العريض، وعلى مساحة ثمانية أعمدة: المغرب يدخل نادي الكبار.
عن أي نادٍ يتحدث هذا العنوان المستفز؟ ومَن الكبار المراد الوقوف إلى جانبهم؟ سؤالان دارا بخلدي قبل أن ألتهم ذاك المقال قراءة وتأملاً.
نعم، إنها حقيقة أغرب من الخيال، فالمغرب سيصبح خلال العشرية المقبلة واحداً من البلدان الغنية، وسيقف في مصافّ الدول المؤثرة اقتصادياً وسياسياً… والسبب، اكتشافه كنزاً من المعادن النفيسة في أعماق سواحله الجنوبية.
هنا البداية
في العام 2017 تمكّنت بعثة جيولوجية إسبانية بريطانية خلال قيامها بأعمال مسح جيولوجي لأعماق السواحل الجنوبية للمغرب من اكتشاف جبل بركاني، كان نشطاً قبل أزيد من 119 مليون عام، على عمق ألف متر تحت سطح البحر.
وأفادت نتائج ذاك المسح الجيولوجي بأن هذا الجبل يوجد في موقع السرطان على بعد أقل من مئة كيلومتر عن سواحل المغرب الجنوبية في المحيط الأطلسي.
ويُعتقد أنه ينتمي إلى سلسلة جبال بركانية كانت تضمّها جزيرة غطتها المياه في الأزمنة الجيولوجية السابقة. وحسب دراسة معمقة أجراها معهد علوم المحيطات والمعهد الهيدروغرافي للبحرية الإسبانيَّان، فإن هذا الجبل يسمى “تروبيك” ويحتوي على معادن نفيسة مثل الكوبالت والتيروليوم، مستعملة في صناعات إلكترونية معقدة وفي صناعة الألواح الشمسية.
وقدّرَت الدراسة مخزون جبل “تروبيك” من التيروليوم بنحو 10% من الاحتياطي العالمي، فيما أكدت نفس الدراسات أن مخزون الكوبالت وحده يكفي لصناعة 270 مليون سيارة كهربائية، أي ما يشكّل 54 ضعفاً من مجموع ما يتوافر لدول العالم مجتمعة من هذه السيارات في يومنا الحالي.
ويضمّ أيضاً معادن نفيسة أخرى من مثل الباريوم والفاناديوم والنيكل والرصاص، وكلها معادن أسالت لعاب إسبانيا وحفزتها كقوة استعمارية سابقاً على الاستمرار في تعطيل أي حل سياسي لنزاع الصحراء أو تأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وظهر ذلك جلياً في موقف مدريد الباهت من اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء الذي أعلنه قبل نهاية ولايته الرئاسية بأيام قليلة، تحديداً في العاشر من ديسمبر 2020.
فبعد عشرة أيام فقط من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، شنّت حكومة مدريد بتنسيق مع ألمانيا، القلقة على مستقبل مصانع المرسيديس، هجوماً عنيفاً في مجلس الأمن ضد قرار ترامب، وناشدت خلفه جو بايدن سحب قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. ولم تقف حكومة مدريد عند هذا الحد، بل سارعت إلى استعراض القوة عبر إرسالها طائرات حربية إلى مستعمرتها بجزر الكناري المتاخمة للسواحل المغربية الجنوبية.
العارفون بخبايا النيات الإسبانية يجزمون أن المناكفة الإسبانية للمغرب بعد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء لم تأتِ من أجل سواد عيون جبهة البوليساريو التي تعارض بسط المغرب لسيادته على إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب منذ العام 1975، ولكن من أجل إطالة أمد الصراع في المنطقة، وابتزاز المغرب وكسب تنازله عن “الكنز المخفي” وعن سيادته على مياهه الإقليمية.
وغير خافٍ أنّ تأخُّر التوصل إلى حلّ سياسي لنزاع الصحراء الغربية يصبّ دائماً في مصلحة مدريد التي تتوقع أن يستمر المغرب في مسلسل استكمال الوحدة السيادية، والمطالبة باستعادة المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية في أقصى شمال المملكة.
ولا يبدو أن هذه الحقيقة تغيب عن حسابات مهندسي السياسة المغربية الذين يتحركون فوق لوحة الشطرنج بحرفية وبدهاء وندية.
الحركة الأولى على لوحة الشطرنج
بداية من العام 2019 شرع المغرب في ترميم ترسانته القانونية واستصدار تشريعات تبسط سيادته الكاملة على الصحراء لتوائم تشريعاته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المعروفة باسم “اتفاقية مونتيغو باي” التي وقّعَت عليها حكومة الرباط في العام 2007.
وصدّق البرلمان المغربي يوم الأربعاء 22 يناير/كانون الأول 2020 على قانونين يوسّعان نفوذ المملكة القانوني لتشمل المجال البحري في الصحراء وإحداث منطقة اقتصادية على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية.
بكلمات أخرى أصبح المغرب يبسط ولايته القانونية على 12 ميلاً بحرياً (22 كلم) من المياه الإقليمية و200 ميل بحرى (370 كلم) من المنطقة الاقتصادية على طول ساحل مجاور للصحراء، وهو ما مكّن من تمديد الجرف القاري بـ350 ميلاً بحرياً (648 كلم).
وهذه الوضعية الجديدة جعلت الحدود المائية المغربية قريبة من الحدود البحرية لجزر الكناري المستعمرة من قبل إسبانيا. وأقرب إلى جبل تروبيك الواقع في المنطقة المائية المغربية. ومنذ ذلك الحين تسعى الحكومة الإسبانية جاهدة للتشكيك في شرعية إقدام المغرب على رسم حدوده.
كما تحاول مدريد تحت ضغط التحالف اليميني في جزر الكناري تدويل النزاع، أما الحكومة المغربية فترى من جانبها أن ترسيم المغرب لحدوده البحرية يُعَدّ مسألة داخلية وعملاً سيادياً يستند في مضمونه إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ومن هذا المنطلق ينتهج المغرب في الآونة الأخيرة دبلوماسية متشددة حيال هذا الملف.
وفي السياق، سارع المغرب أيضاً إلى اقتناء سفينة علمية من اليابان تشكّل مختبراً عائماً مجهَّزاً بأحدث الوسائل التكنولوجية، وبتقنيات قياس المحيطات وسبر أعماقها، ويُتوقع أن تباشر السفينة “الحسين المراكشي” مهامها في الأسابيع المقبلة.
على صعيد متصل، عزّز المغرب تعاونه العسكري الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ونظّم البَلَدان في مارس/آذار 2021 مناورات عسكرية مشتركة غير مسبوقة في السواحل الجنوبية للمغرب بمشاركة البحرية الأمريكية وسلاح الجو والبحرية المغربية. وركزت تلك المناورات في جانب منها على مراقبة الغواصات التي تعبر المنطقة بالقرب من جبل طارق. وكانت تلك إشارة قوية من واشنطن إلى مدريد بوجود مصالح حيوية أمريكية في المنطقة ينبغي مراعاتها.
جبل تروبيك في أعين الكبار
إذا كانت حسابات المصالح الاستراتيجية هي ما يغذي الأزمة المغربية الإسبانية حول كنز تروبيك، فإن الرهان على المصلحة الاستراتيجية أيضاً هو ما يجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لتكريس وجودها هناك بهدف الحصول على الحصة الكبرى من معادن جبل تروبيك خدمة لأهدافها الصناعية والتجارية المستقبلية.
وتتابع واشنطن من كثب التنسيق الصيني الروسي للاستحواذ على حصتيهما من “الكنز المخفى”. فالبراغماتية الصينية فتحت شهية دول المغرب الكبير التي باتت شريكة في مشروع طريق الحرير الصيني، ما جعل الصين تتبوأ مركز ثالث شريك تجاري للمغرب بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتقوم المعادلة الصينية في شراكتها مع المغرب على الاستفادة من موقعه الجغرافي القريب من أوروبا لتصدير سلعها انطلاقاً من ميناء طنجة المتوسطي نحو أوروبا وإفريقيا مروراً عبر مواني شبه الجزيرة الإيبيرية وعبر السواحل الجنوبية المغربية وصولاً إلى موريتانيا وإلى خليج غينيا. غير أن أصواتاً، غربية تحديداً، بدأت ترتفع للتعبير عن القلق من هذا الامتداد الصيني، ولسان حالها يقول: “ما كل ما يبرُق ذهب!”.
إذ يحذّر الواقعيون الجدد من أمثال جون مير شايمر وروبرت كابلان وستيف والت، من مغبة أن يتحول التعاون الاستراتيجي الصيني مع دول المنطقة المغاربية إلى وجود عسكري صيني عند بوابة القارة الإفريقية، وعند الحدود الجنوبية لأوروبا.
وهو ما لن يقبل به حلف شمال الأطلسي الذي يخشى من تكرار سابقة حصلت إبان عهد الحرب الباردة حين وجد الناتو نفسه وجهاً لوجه مع إمكانية نشوب حرب نووية في مصر عام 1956 وفي كوبا عام 1962.
ولا يبدو بالنسبة إلى المغرب وفي الظرف الراهن وجود توجُّس مغربي في علاقاته مع الصين أو روسيا وبقية الدول المهتمة باستخراج معادن جبل تروبيك، ذلك أن الحكومة المغربية وافقت في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على مشروع مرسوم يتعلق بالإجراءات الخاصة بمنح تراخيص البحث العلمي في المياه الخاضعة للسيادة المغربية.
وقد عبّرت دول أعضاء في نادي الكبار كبريطانيا وألمانيا وفرنسا والهند والصين وروسيا وكوريا الجنوبية، عن اهتمامها بثروات جبل تروبيك، وتسعى جاهدة للحصول على تراخيص الاستغلال المشترك، وإن كان بعض هذه الدول شكّك في البداية في أحقية المغرب في بسط نفوذه على منطقة الكنز المخفى.
ورغم التشدُّد الذي تُبديه الدبلوماسية المغربية حيال مبدأ التنازل عن شبر من حدودها البرية والبحرية والجوية، فإأنها لا تُخفي رغبتها في حلّ أزمة السيادة على جبل تروبيك مع إسبانيا دبلوماسياً، وقد يتوصل البَلَدان إلى صيغة تفاهمات مشتركة.