هل كنا نتوقع هذا المشهد الصادم؟! – رشاد أبوشاور
نعم: كنا نتوقع هذا المشهد الصادم في رام الله، أقصد الاعتداء على بنات الشعب الفلسطيني، وجرّ بعضهم من شعرهن! فقد رأيناه في غزة ليل وصباح يوم 15حزيران2007 بشاعة مشابهة.
ونعم أنا شخصيا توقعته، منذ ان تمت مداهمة مجلة ( إلى الأمام) في بيروت، في مكتبها في حي المزرعة، فوق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان مديره المناضل الصحفي والكاتب الكبير، وأحد مؤسسي المنظمة في بداية عزّها، في زمن المؤسس والباني الأستاذ أحمد الشقيري. لأنها كانت تنتقد الانحرافات في وقت مبكّر. كان رئيس تحريرها الصديق فضل شكري شرورو، وهو شقيق الشهيد عبد اللطيف شرورو، وكان ضابطا شابا في الجيش العربي السوري، استشهد على شاطئ بحيرة طبرية، وهو أحد مؤسسي جبهة التحرير الفلسطينية مطلع الستينات، وفضل شقيق الكاتب والمترجم يوسف شرورو..رحم الله أبناء شرورو جميعا.
نعم القمع بدأ مبكرا، ولكن الذي حد من القمع هو (توازن) الرعب، فالسلاح كان في جميع أيدي الفصائل، ورغم ذلك وقعت تعديات على الجبهة الديمقراطية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية، وعلى فصائل لبنانية..الخ.
لم يكن (الفاكهاني) واحة الديمقراطية، ولكن الديمقراطية انتزعت بالبنادق، وياما لوحق كتاب وصحفيون ومثقفون. هل أذكركم بوقائع، وأسماء؟
مقر اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين حوصر بالسلاح، وأطلق الرصاص على صديقنا حنا مقبل أمين سر الاتحاد، وطورد رئيس الاتحاد المناضل المفكر ناجي علوش.. وفي كلية الهندسة أعدم بطلان من أبطال تل الزعتر لأنهما رفعا صوتيهما منتقدين!
وفي واحة الديمقراطية اختطف المناضل الكبير ناصر السعيد، وتم تسليمه للسعودية، وشحن في طائرة مع علي الشاعر سفير آل سعود..ورفقة (قيادي) فتحاوي!
27عاما مرّت على توقيع قيادات فلسطينية في حدائق البيت الأبيض على بنود أوسلو، فما هي الحصيلة التي تحصدها فلسطين وشعبها؟!
من يتحمل مسؤولية ضياع الأرض،وزحف المستوطنين الذي زاد عددهم على 800ألف مستوطن في الضفة الفلسطينية، وحول القدس؟
وما هو الرد على الحرب المستمرة التي يشنها الاحتلال يوميا لنهب المزيد من الأرض، وهدم البيوت، واعتقال الأطفال والشباب والشيوخ والنساء، والقتل على الحواجز، و..محاصرة قطاع غزة، ومدّه بالقليل من احتياجاته كي يبقى ناسه على حافة الحياة؟!
في رام الله سلطة، وفي غزة سلطة، وهما متناحرتان، قامعتان، متعاديتان، متكايدتان، متكاذبتان، تتربص واحدتهما بالأخرى، وهما تتشابهان، اللهم سوى باللحى..فقادة حماس يقفزون من قطر إلى المغرب..ولا يهمهم، جديا، من مطبع، ومن غير مطبع. بعد معركة سيف القدس، التي ما أن توقفت حتى توجه (الأستاذ) إسماعيل هنية إلى المغرب ليلتقي بوزراتها (الأخونجية) التي طبّعت قبل أسابيع مع الكيان الصهيوني!
ماذا تحقق حتى اللحظة؟
الشيخ جرّاح مجروح، وأهله يعانون.
قطاع غزة في ضيق وكرب، فالحصار خانق، ولم يتحقق شئ بعد توقف القصف الصاروخي، لأنه لم يتم الاتفاق على شئ، ومع ذلك يتواصل الضجيج والتصريحات عن (نصر إلهي) جديد!
أنا فخور بصواريخ غزّة، وأبطال القصف الصاروخي، ومواظبة مطلقيها، وهم عملوا في ظروف رهيبة، ومع ذلك صمدوا للعدو، وأذلوه، وهذا ما لا يجب أن يغيب عن عقولنا وضمائرنا، ولكنني أرى أن المعركة قد (قصف عمرها) بلا اتفاق، وبدون نتائج، وأن وهم الانتصار هو خداع للنفس، فحربنا مع عدونا طويلة ومريرة، ولن تحسم بجولة، أو جولات، إنها حرب النفس الطويل!
تريد حماس بتصريحات قياداتها المستنكرة لاغتيال المقاوم الشهيد نزار بنات أن تكسب نقاطا على أجهزة أمن السلطة، ولكننا لن ننسى ما اقترفته أجهزتها، وما تمارسه حتى اللحظة في قطاع غزة، فهي تمسك بقبضة حديدية كل الأوضاع في القطاع، وترفض نهائيا أي تغيير يضمن مشاركة جميع الأطراف الفاعلة في إدارة شؤون أهلنا في غزة، ودون المس بقوة حماس وكافة الأطراف الفاعلة في القطاع..وبما ييسر سبل الحياة على الأهل في القطاع.
لذا لا نصدق تباكي قادة حماس وناطقيهاالرسميين على الديمقراطية المفتقدة في رام الله، فهم معنيون بسقوط سلطة رام الله التي تبادلهم نفس المشاعر، وحملات التشويه، مع تواصل التكاذب عن المصالحة.. وابتعاد الطرفين عن إمكانية تحقيق الوحدة الوطنية حول برنامج جامع يوحد قوى شعبنا، ويضعنا جميعا في وجه عدونا..من اللد مرورا بالقدس..حتى رفح، وإلى آخر مكان يتواجد فيه فلسطيني على هذا الكوكب.
نحن في مأزق تتسبب به سلطتان قامعتان، واحدة في رام الله، والأخرى في قطاع غزة، وهما لن تغادرا تسلطهما باختيارهما وحرصا على قضيتنا ومصير شعبنا، وستواصلان التنافس والقمع، ولهذا لا بد من وضعهما في مكانتهما المستحقة، فلا واحدة منهما بديلة عن الأخرى…
لقد كان أوسلو قرارا من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية المغيبة، وهذا قمة الإرهاب والاستهتار بالشعب الفلسطيني العريق في نضاله وتاريخه المقاوم..ومع تراكم فشل مسيرة (سلام الشجعان) تريد السلطة في رام الله أن لا تفتح الأفواه بالنقد، والصراخ من هول ما يقترفه الاحتلال، ومع غياب السلطة عن مواجهة الاحتلال، وها هي تواصل قمع المحتجين من أبناء وبنات شعبنا في شوارع رام الله بوحشية، كأنما لا تكفي الأجهزة الأمنية جريمة اغتيال المعارض المقاوم نزار بنات!
ويبقى أن القمع والقهر قديم، ومن أيام الفاكهاني، مرورا بانشقاق فتح عام1983وعدم معالجة أسبابه ونتائجه، وأنه ترسخ مع انقلاب غزة..ويزداد وحشية مع أجهزة أمنية مهماتها ليس حماية شعبنا من الاحتلال وجرائم الاستيطان واستباحة باحات الأقصى يوميا تمهيدا لتنفيذ مخططات تقاسمه ، كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
شعبنا يدرك أن المسار إلى فلسطين لن يصحح إلاّ بإرادته، وها هو يمضي في خياره المصيري…