هل من مسؤول في قطاع غزة يجيب: الدكتور/ أيوب عثمان
هل من مسؤول في قطاع غزة يجيب: إن لم يكن القانون هو السيد، فهل هي الفوضى وشريعة الغاب؟
“أينفع تكلم بحق لا نفاذ له؟!” سؤال استنكاري أعطى عنه إجابة مريحة شافية لا عوار فيها، أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، فقال: “… فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”، في سياق رسالته الشهيرة عن القضاء التي بعث بها إلى أبي موسى الأشعري، حينما ولاه أمر القضاء، قائلاً له: “سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أُدليَ إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”.
واتصالاً بسؤالنا الاستنكاري، واتصالاً في الوقت نفسه بقول الخليفة العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: ” … فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له“، فقد بات حقاً لنا أن نطلق تساؤلنا على نحو استنكاري نقدي، وأن نوجه مطلبنا إلى كل من يهمه أمر القضاء في بلادنا، بغية استنهاض همة ولاة أمرنا من الغيارى على أمور البلاد والعباد، وسدنة الحق والعدل ورعاة القانون على الإقتراب – ولو قليلاً – ليس إلى الفاروق عمر في عمله ونهجه وعدله فحسب، ولكن إليه في تمام عدله وكمال رشده وفي حاسم قوله وحازم قراره، إذ قال:”… فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له“.
أما ما أشرنا إليه أعلاه، فيتصل بفعل يرقى إلى مستوى الجريمة، إذ إن فيه من رداءة التفكير وسوء العاقبة وخراب التدبير ما أقدمت عليه مديرة مدرسة راهبات الوردية بغزة الأستاذة الأخت/ نبيلة نشأت لطفي صالح في 21/4/2021 من فعلٍ منكرٍ ومعيب تمثل في فصل 15 طفلا، دون ذنب يذكر، قائلة عبر وكيلها المحامي، في إخطارها العدلي: “عليكم الحضور إلى مقر المدرسة لاستلام ملفات أولادكم بعد أن تقرر عدم تسجيلهم للعام الدراسي القادم” (مع ملاحظة تعبير“بعد أن تقرر عدم تجديد تسجيلهم للعام القادم”، الدالة والمؤكدة على وجود قرار إداري وإن كنا نحن لم نره، وإن كانت مديرة المدرسة ووكيلها المحامي لم يبرزاه).
هذا، ويزداد هذا الفعل من مستوى الجريمة اقترابا كلما أدركنا أن الأطفال قد تم التعسف بفصلهم لا لسبب أو لذنب اقترفوه، وإنما تم فصلهم قصاصا من أولياء أمورهم وعقابا لهم لا لجرم أولذنب ارتكبوه، اللهم إلا إذا كان جرمهم أنهم طالبوا هذه المديرة بإنشاء مجلس لأولياء الأمور في المدرسة!!!
وحيث إن أطفالنا قد تم فصلهم من المدرسة، دون ذنب، خلافا لما استقر عليه الشرع والفقه والقضاء، استنادا على قاعدة الارتكاز الكبرى، والتي مفادها ونصها أنه “ولا تزر وازرة وزر أخرى” وأنه “لا يؤخذ المرء بجريرة غيره”، فكيف إذا أخذت مديرة المدرسة أطفالاً هم البراءة بعينها بجريرة أولياء أمورهم الذين لم يرتكبوا جرما، اللهم إلا إذا كانت مطالبتهم بإنشاء مجلس لأولياء الأمور في المدرسة هي الجرم بعينه، الأمر الذي يوجب عند ذلك مقاضاتهم، وليس معاقبة الأطفال بفصلهم من مدرستهم وحرمانهم من حقهم في التعليم فيها.
وحيث إن “العقوبة شخصية”، و“تمنع العقوبات الجماعية”، و“لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني”، كما تنص المادة (15) من القانون الأساسي الفلسطيني،
وحيث إنه من المبادئ المستقرة، فقها وقضاء، أنه “لا عقوبة إلا بإدانة، ولا إدانة إلا بتحقيق”، فيما لا إدانة للأطفال قط، ولا تحقيق مع أي منهم ـ البتة ـ قد تم، الأمر الذي يؤكد انعدام الإدانة الموجبة للعقوبة، وانعدام العقوبة تبعا لانعدام الإدانة،
ولما لم يكن أمامنا ـ نحن أولياء الأمور ـ إلا احترام القانون والالتزام به، فما كان منا إلا اللجوء إلى القضاء الذي نرتضيه ونسلم بحكمه،
وحيث أصدرت المحكمة الإدارية يوم الخميس 24/6/2021 قرارها القاضي بإجابة طلب أولياء الأمور بوقف تنفيذ قرار مديرة المدرسة القاضي بتسليمنا ملفات أطفالنا وذلك بتجديد تسجيلهم في المدرسة للعام 2021/ 2022،
وحيث تسلمت مديرة المدرسة الأخت/ نبيلة نشأت لطفي صالح ـ بشخصها وبتوقيعها ـ قرار المحكمة الإدارية المشار إليه أعلاه من يد رئيس أرشيف المحكمة في اليوم ذاته (الخميس 24/6/2021)، فيما واصلت رفضها تنفيذه حتى يومنا هذا، فيما أطفالنا ما يزالون في بيوتهم قاعدين وعن مدرستهم ـ باستقواء مديرة المدرسة وتعسفها واستنطاعها ـ مغيَّبون،
إن مقولة أمير المؤمنين عمر:”… فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”، إنما تعني بكل صراحة ووضوح ومباشرة أنه “لا نفع – ألبتة – من كلمة حق أو من حكم أو قرار أو أمر مشروع لا ترجمة لا تطبيق ولا نفاذ له. وعليه، فهل من قيمة لحكم يدار الظهر له، فيصبح عبئاً على من صدر لصالحه لا كسباً له؟! وهل من وزن لحكم محكمة لا يلتفت إليه، فلا يكون الحكم أكثر من كلمات عرجاء عوجاء خرساء صماء لا تساوي حتى الورقة التي كتب الحكم عليها، كما لا تساوي حتى المداد الذي كتب الحكم فيه، الأمر الذي يعني أن حكم المحكمة الصادر في حد ذاته – بالمداد الذي كتب فيه، وبالورق الذي خط عليه، وبالجلسة المهيبة التي انعقدت بقاماتها السامقات من أجله وتلك الهيبة العظيمة التي تعلن افتتاحها فينهض القاعدون – الشباب منهم والطاعنون – قائمين إجلالاً وتعظيماً وإكباراً لعقدها بصفتها منشئة لحكم أو قرار أو أمر سيصدر عنها، ليس إلا خسارة وعبثاً.
إذا كان حكم يصدر أو محكمة تقرر دون أن يكون للحكم أثر وللقرار إجابة، فما النفع، إذن، من قوانين تصدر ومن قضاء ومستشارين يحكمون ويقررون ولا يجابون؟! وما الجدوى، أيضاً، من قوانين تخضع لقراءة أولى وثانية وثالثة فتوضع وتسن وتشرع ثم لا يعمل بها واضعوها ومشرعوها ومصدروها والحاكمون بمقتضاها؟! وما أهمية ما نصفه دائما بأنه “القانون الأساسي الفلسطيني” الذي يعد بمثابة “دستورنا المؤقت”؟! وما قيمة قانون يحاكم “الامتناع عن تنفيذ الأوامر المشروعة” فيما “مخالفة الأوامر المشروعة” نراها قد أصبحت في أيامنا هذه أمراً عادياً لا يشعر الممتنع عن تنفيذه بأي خشية جراء امتناعه، على الرغم من أن المادة (106) من “القانون الأساسي الفلسطيني” والمادة (143) من “قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936” توجب كل منها إيقاع “عقوبة” يستحقها الممتنع عن تنفيذ أمر مشروع، الأمر الذي يسبغ الاحترام والعظمة والهيبة على القانون ويبسط حمايته على الملتزمين به.
وإذا كان الفاروق عمر، الخليفة العادل أمير المؤمنين، في سياق حرصه على بسط قضاء عادل بين الناس، قد لفت نظر أبي موسى الأشعري حينما أسند إليه أمر القضاء، قائلاً له:”… فافهم إذا أُدليَ إليك… فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”،
وإذا كانت المادتان(106) من “القانون الأساسي” و(143) من “قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936” الخاصتان بعقوبة من يخالف أي أمر مشروع أو من يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي،
وحيث إن الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري “واجبة النفاذ حتى وإن كانت المحكمة التي أصدرتها غير مختصة نوعياً من الأساس بنظر المنازعة”، وذلك طبقاً للفتوى الصادرة يوم الأحد 19 أغسطس 2020 والتي انتهت إليها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري، برئاسة المستشار يسري هاشم سلمان الشيخ، والتي كان ختامها أنه ” لا يجوز الامتناع عن تنفيذ حكم صادر عن القضاء الإداري على سند من القول بأن المحكمة التي أصدرته لم تكن مختصة بنظر الدعوى، إذ أن ذلك مردود بأن هذا الحكم يعد من الأحكام واجبة النفاذ.”
وحيث أرسى القضاء الإداري مبدأ قضائياً مهماً أضفى على الأحكام الإدارية صفة النفاذ حتى ولو طعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا، حيث لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية وقف تنفيذ الحكم الطعين إلا بأمر من دائرة فحص الطعون، ذلك أن المحكمة شرحت بأنه مقتضى ذلك في شأن تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري، فإن المشرع لم يترك أثرها سدى ولم يذر ما ينطق به من حق وعدل هباء، وإنما أسبغ على تلك الأحكام قوة الشيء المحكوم فيه، وأوجب تنفيذ هذه الأحكام بالرغم من الطعن عليها، وقرر المشرع في صراحة ووضوح أنه “لا يترتب على الطعن أمام القضاء الإداري وقف تنفيذ الحكم الطعين ما لم تقض دائرة فحص الطعون بوقفه”.
وبناء على ما سبق، وتعليقاً على البون الشاسع بين هذا القانون الآمر والمفسر معاً في آن، وما كان من مديرة المدرسة الأخت/ نبيلة نشأت لطفي صالح، من تصرف يجلله العوار ويحتويه، فإنه يعد تنفيذا جبريا من جانبها لقرار قضت المحكمة الإدارية بوجوب وقف تنفيذه، الأمر الذي يعد تحديا منها ومن وكيلها المحامي لقرار المحكمة، كما يعد اعتداء ماديا واضحا وفاضحا منهما على قرار محكمة يوصف في القانون بأنه مشمول بالنفاذ المعجل. فضلاً عن ذلك فقد كنا نحسب أن وكيل مديرة المدرسة الأستاذ المحامي سوف يسارع إلى الامتثال لقرار المحكمة الإدارية الصادر على نحو آمر، خمس مرات، لكل من مديرة المدرسة ووكيلها المحامي: الأولى يوم الخميس 24/6/2021، والثانية يوم الاثنين 28/6/2021، والثالثة يوم الاثنين 5/7/2021، والرابعة يوم الاثنين 12/7/2021، والخامسة يوم الثلاثاء 27/7/2021، والذي قررت فيه المحكمة “…مع استمرار قرار الوقف” القاضي بوقف تنفيذ قرار مديرة المدرسة المشار إليه في جلسة الخميس 24/6/2021.
وحيث تواصل مديرة المدرسة الأخت/ نبيلة صالح استنطاعها فتدير للمحاكم وللقضاء ظهرها، فقد كان واجبا على وكيلها المحامي أن ينير درب القانون أمامها فيرشدها إلى حقيقة انجلت (في جلسة 2/ مايو/2001 في الطعن رقم 8651 لسنة 44 ق.ع.) حيث نصت على أن: “حكم محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية هو حكم نهائي واجب النفاذ حتى لو تم الطعن فيه أمامها، ولا يجوز إيقافه إلا بأمر من دائرة فحص الطعون في هذه المحكمة”. وآية ذلك أن “أحكام القضاء الإداري هي أحكام نهائية واجبة النفاذ حتى لو طعن فيها أمام المحكمة الإدارية، ولا يجوز إيقاف تنفيذ تلك الأحكام إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية بوقف تنفيذها، وقد أسبغ المشرع على هذه الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشيء المقضي به، وأن هذه الأحكام إذا كانت صادرة بالإلغاء فهي منذ صدورها تتمتع بحجية مطلقة، تسري على الكافة، بحسبانها حجية ذات طبيعة عينية، فإذا كانت هذه الأحكام صادرة بوقف تنفيذ القرارات الإدارية لحقتها هذه الحجية، إذ إن وقف التنفيذ يصدر عن سلطة المحكمة بالإلغاء، فهو صادر عن سلطة مشتقة من هذه السلطة، ومن ثم تتمتع الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ بذات ما تتمتع به الأحكام الصادرة بالإلغاء من حجية مطلقة، وبمقتضى هذه الحجية المطلقة التي تسري على الكافة التي تتمتع بها أحكام الإلغاء، وما هو من جنسها من تلك الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري، أن تسارع الجهة أو الجهات الإدارية المنوط بها تنفيذ الحكم إلى تنفيذه وإجراء مقتضاه، متى وصل إلى علمها صدوره والنطق به، وطلب منها ذلك، سواء في ذلك المنوط به التنفيذ إجراء أو الموسد إليه الأمر إشرافا، إعلاءً لما أعلاه الحكم وإهداراً لما أهدره، وأن النيل من تلك الحجية، عزوفا عن مقتضاها وإعراضا عن الصدع بمؤداها، يعد تعطيلا لإرادة المشرع ولإرادة الشعب الذي تصدر الأحكام باسمه”.
هذا، وإن ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية هو أن الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ هو حكم قطعي له مقومات الأحكام القضائية وخصائصها، وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص الطلب ذاته، ومن ثم لا يسوغ لجهة الإدارة أن تعطل تنفيذه أو تتحايل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر (الحكم الصادر في الطعن رقم 3257 لسنة 49 ق.ع. جلسة 2/5/2005).
وبعد، فإن ما استقر عليه الفقه والقضاء أنه “لا يجوز الامتناع عن تنفيذ أحكام المحاكم فيعصف بها وتهدر حجيتها – كما تفعل مديرة مدرسة راهبات الوردية الأخت/ نبيلة نشأت لطفي صالح التي ترى نفسها وكأنها في غير كوكب القانون ونطاقه – بل إنه يتوجب دوما المسارعة إلى تنفيذها وإعمال مقتضاها احتراما لقدسيتها وإجلالا للمنزلة التي أنزلها الدستور إياها، وإعلاء لمبدأ المشروعية وسيادة القانون الذي هو أساس الحكم، وإلا صار مبدأ الخضوع للقانون سرابا”.
وإذا كانت مديرة مدرسة راهبات الوردية الأخت/ نبيلة نشأت لطفي صالح هي الممتنعة عن تنفيذ أمر مشروع قضت به المحكمة الإدارية بغزة في جلسة الخميس 24/6/2021، ثم أكدت عليه في أربع جلسات أخرى، ما تزال حتى اللحظة تراوغ مواصلة امتناعه عن تنفيذ الحكم،
فهل يبقى بعد هذه المخالفة – بل الإصرار على ارتكابها – للأوامر المشروعة أي تسامح أو مسوغات أو ذرائع؟! وهل يبقى بعد امتناع الممتنعة، ثم إصرارها على الامتناع عن تنفيذ حكم قضت المحكمة الإدارية بوقف تنفيذه مرة ومرة ثم مرات بعدها، غير أن هذه الممتنعة إنما تأخذ القانون بيدها فتقوم من خلال امتناعها هذا بتنفيذ جبري لقرار سبق للمحكمة أن قضت بوقف تنفيذه؟! وعليه، ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصدر استقوائها!!!
أما آخر الكلام، فإن لم يكن القانون هو السيد، فهل هي الفوضى وشريعة الغاب؟! سؤال برسم الإجابة لولاة الأمر!!!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي
جامعة الأزهر بغزة (سابقاً)
غزة – فلسطين