هناك التقيت بالشاعر الكبير سميح القاسم – بقلم نضال حمد
سنة 1984 توجهت من مخيم اليرموك في دمشق العروبة والتاريخ والإباء الى مطار العاصمة التي لازالت عصيّة على أعداء العروبة والنضال القومي الصلب الذي لا يلين.
من هناك متكئا على عكازتين وبساق واحدة و أو نصف ساق لازالت باقية صعدت الى الطائرة المتجهة الى مطار وارسو – فرصوفيا – تلك العاصمة اليت كانت تحتضن مقر حلف وارسو للدول الاشتراكية الاوروبية بقيادة الاتحاد السوفيتي العظيم.
البلد الذي هزم النازية ووقف دائما مع القضايا والحقوق العربية، وقدم مع معسكره الاشتراكي كل الدعم للقضية الفلسطينية واستقبل آلاف الطلبة الفلسطينيين والعرب الذين درسوا بمنح دراسية على حساب تلك الدول ( التي يقول عنها بعض الخريجين الذين “تأسلموا” في السنوات الأخيرة انها دولا كافرة)، وتخرجوا من هناك اطباء وعلماء ومهندسين وقضاة ومحامين وسياسيين واعلاميين وكتاب وصحفيين ..
شخصيا سأبقى ممتنا لبولندا وهي احدى تلك الدول على استضافتي وعلاجي في مشفى (قنستنشين) الشهير قرب العاصمة وارسو والمختص بجراحة العظام وصناعة الاطراف الاصطناعية. هناك اجريت لي عمليتان واحدة في ساقي والثانية بيدي وبعد ذلك عدت لاسير بعكازة واحدة بدلا من عكازتين. واشكرها ايضا على منحي امكانية دراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في احدى كلياتها للعلوم السياسية.
في نفس السنة بوارسو التقيت في فندق فيكتوريا بالشاعر الكبير سميح القاسم الذي كان يقوم بزيارة الى بولندا.وجلسنا معا على مائدة الافطار حيث دار بيننا حديث طويل عن اوضاع الفلسطينين في بولندا وعن قصة الرحيل عن بيروت والقصيدة الكبيرة والرائعة للشاعر الراحل محمود درويش. يومها كنت شابا صغيرا 20 عاما .. وكنت اعتقد ان الشاعر العظيم محمود درويش كان يقصد بمديح الظل العالي الرئيس الراحل ياسر عرفات. وكان رأي شاعرنا الكبير سميح القاسم ان درويش كان يقصد الفدائي المقاتل الفلسطيني.
بعد الحديث عن الوضع الفلسطيني الذي كان يعيش اسوأ حالته عقب انشقاق فتح واخواتها وحرب طرابلس بين الأشقاء الاعداء. وسؤالي عن العلاقة بيني وبين السفارة الفلسطينية وحركة فتح هناك.
قلت له علاقتي بفتح سيئة جدا وبالسفارة توجد علاقة جيدة مع 3 اشخاص من العاملين فيها منهم السفير عبد الله حجازي ابو كرمل والمرحومان طلب عمرو و داوود بلعوشي.
فأقترح علي التوسط لحل الاشكالات وكان جوابي انك يا اخ سميح شاعر فلسطيني كبير لك كل الاحترام والمحبة عند الجميع ولكن لا اعتقد ان الخلافات ستحل عما قريب. وفعلا لم تحل الا بعد سنوات. ولم يكن حلا نهائيا وجذريا بل ترقيعات ضرورية لعبور مراحل كان يجب عبورها.
المرة الثانية وخلال الاسبوع نفسه من عمر زيارة سميح القاسم التقيت فيها بشاعرنا العظيم كانت في حفل شعري اقيم بمدينة وودج البولندية في افتتاح السنة الدراسية للطلبة الفلسطينيين والعرب في معهد اللغة النرويجية. حيث ألقى سميح القاسم شعره وتشرفت انا بالقاء بعضا من كتاباتي النثرية التي كنت اختفظ بها من حصارنا في بيروت سنة 1982 . حيث رحب الشاعر الكبير بجرأة الشاب الصغير السن والحديث العهد بالكتابة ووقوفه خلف المايكرفون وامام شاعر عظيم كسميح القاسم وقراءة كتاباته المتواضعة.
سميح القاسم شجعني يومها على مواصلة الكتابة والمطالعة وقال لي : المطالعة مهمة جدا والأهم منها الوحدة الوطنية غامزا من قناة الخلافات السياسية التي كانت تعصف بنا حتى في بولندا. موصيا بالوحدة سر النصر والاستمرارية والبقاء.
سميح القاسم يدفن اليوم في قريته الرامة بالجليل الفلسطيني المحتل حيث بقي شامخا كالسنديان ومتجذرا بالارض كالزيتون والزعتر والهليون.
وداعا يا منتصب القامة .. ومرفوع الهامة ..
سنواصل المشوار ولا بديل عن فلسطين فإما فلسطين وإما النار جيلا بعد جيل.
بقلم نضال حمد مدير موقع الصفصاف – وقفة عز
هناك التقيت بالشاعر الكبير سميح القاسم