وأخيراً، هل استفقتم في جامعة الأزهر بغزة؟! – ريم عثمان
إن ما سآتي عليه الآن من قول إنما أقوله انتصاراً للحق ولكم، وغيرةً على الحق وعليكم، لا شماتةً بكم.
لولا أنكم جميعاً في جامعة الأزهر بغزة تستحقون هذا النوع من الرؤساء الفاسدين، لما كان له أن يحكمكم سنوات تسع متتاليات دون أن تعلنوا موقفاً حاسماً من الفساد ومنظميه ومرتكبيه منذ بدايته. لقد بقيتم عليه صامتين، أو على اختيار رئيس مجلس أمناء الجامعة الأسبق لرئيس جامعتكم الحالي، قبل ما ينيف على السنوات التسع هذه، مجبرين، أو ممن سيّده عليكم فبقيتم خانعين خائفين مرتعدين، أو لتجنب حساسيات حزبية الأصل ألا يكون لها أدنى علاقة بتعليم أو بجامعة. لقد آثرتم الانتظار آملاً في أن تصونوا جامعتكم من الاندثار. لقد صبرتم وأقول لكم: ما أصبركم، ولكن ما أجبن صبركم!
كيف لي أن أجرؤ وأعمل في جامعة يرأسني فيها رئيس مزور، وقد غصت مواقع الكترونية منذ تنصيبه ببينات تثبت ارتكابه جريمة التزوير؟! أين كنتم عندما تحليتم بالصبر على هذا المزور سنوات تسع؟ لماذا لم تقم لكم قائمة عندما قام رئيس مجلس أمناء الجامعة الأسبق، بتعيين رئيس مزور لجامعتكم هذه؟ ولماذا سكتم على تعيين رئيس مجلس الأمناء المستقيل، حديثاً، لهذا الرئيس المزور سنة تاسعة خلافاً للقانون؟! ولماذا قبلتم بالتحايل على القانون باستخدام كلمة”استثناءً”؟! وألا تفهمون أنه لا وجاهة ولا قيمة لكلمة “استثناء” في وجود نص قانوني واضح، حدد لرئيس الجامعة أجلاً قانونياً مدته أربع سنوات قابلة للتمديد أربع سنوات أخرى؟!
من يسكت عن الفساد فهو فاسد، ومن يقبل بالظلم فهو يصنع مجداً وسلطاناً للظالم، ومن يقتنع بعجزه عن التغيير سيقدم الشكرلتعنت السفهاء، ومن اهتموا فقط بمصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام فإنهم لن يرفعوا رؤوسهم يوماً، راغبين أو مضطرين، لأنهم منحوا للفاسد سلطة الاستقواء عليهم وسحقهم.
ربما يؤمن كثيرون أن بقاء الطلبة في بيوتهم هذه الفترة أشرف ألف مرة من أن يرأس هؤلاء الطلبة رئيس جامعة مزور يلتف حوله مطبلون ومزمرون. إن بقاء الطلبة في كنف أهلهم أشرف ألف مرة من أن يمتثلوا لأوامر حزبية أياً كانت، طالما أنها تعانق الفساد وتروج له. أليس عدم اجتثاث الفساد يعزز بالبرهان القاطع لدى أبنائنا “كن فاسداً تصبح مسؤولاً”؟! هل رئيس الجامعة يؤمن بأنه سيبقى رغم جبن الجبناء، وقوة الأقوياء الرئيس الذي لم تلده ولن تلده النساء.
وأما نقابة العاملين الحالية، فهنيئاً لها بصحوتها بعد طول غياب من غيبوبة. إن من كان في غيبوبة في السنوات التسع الخاليات، له كامل العذر في عدم وقوفه سابقاً مع أحد الزملاء الذي خضع للجان ومجالس تحقيق متعددة تشكلت وكان من بين أعضائها مزورون على شاكلة رئيس الجامعة المزور، علماً بأن ممثل النقابة في لجان التحقيق مع هذا الزميل، آنذاك، كان قد اطلع بأم العين على وثائق التزوير التي كان قد قدمها الزميل المحقَق معه، مثبتاً بها تزويراً قام به حتى أعضاء كانوا في لجان التحقيق ومجالسه، مما يدل على أن تلك اللجان والمجالس إنما شكلت انتصاراً لرئيس الجامعة المزور على زميل كان يملك أدلة التزوير ضد رئيس الجامعة.
لماذا كانت النقابة راضية، أو ساكنة طوال السنوات الماضية عن رئيس الجامعة الذي ليس له الحق أن يرأس الجامعة دقيقة واحدة لأنه مزور، بينما اليوم لم تعد راضية عنه؟ هل ثمة نص قانوني يعطي حق التغاضي عن رئاسة مزور لجامعتكم، فاحترم القانون بموجبه؟ لماذا تحايلتم على الجرأة بالحق بجرأة التحايل على الحق؟ لماذا مارستم العنصرية المهنية ضد ذلك الزميل كل تلك السنوات، وها أنتم لا تقبلون اليوم بممارسة العنصرية المهنية عليكم اليوم! شكراً لكم على استفاقتكم وإن تأخرت، وما أكثر ما تأخرت، وعلى الرغم من ذلك فإنني أثني على مجيئكم المتأخر، لأنكم ربما عثرتم بمحض الصدفة على قصيدة تميم البرغوثي “الضبع والغزالة” التي أهديكم منها ما يليق، وهو آخرها:
وَلَكن، رُبَّما، وَلِرَحْمَةِ الله الكريمِ عِبَادَهُ،
هَجَمَتْ غُزَيِّلَةٌ عَلى ضَبْعٍ بِلا تَفْكِيرْ
وَتَتَابَعَتْ مِنْ بَعدِها الغُزْلانُ، مِثْلَ تَتَابُعِ الأَمْطارِ فِى وِدْيَانِها
في هذه اللحظاتِ تَعْلَمُ أن حُسْنَا ما عَظِيمًا
سَوفَ يَأتي
ربما وَلَدٌ يُكَلِّمُ أَهْلَهُ في المَهْدِ أو يَتَنَفَّسُ الصُبْحُ الذي فى سُورَةِ التَّكْويرْ
لا أقصدُ التشبيهَ أو سَبْكَ المَجَازِ، ولا أُشِيرُ لِثَورَةٍ عَبْرَ البلادِ،
فَقَطْ أريدُ القَوْلَ والتَّذْكِيرْ
هذا الكلامُ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ يا أَهْلَنَا
الضبعُ أَضْعَفُ من فَرَائِسِها،
وَأخْوَفُ مِنْهُمو
بِكَثِيرْ
إن العمل النقابي يجب أن يكون مضبوطاً بالقانون، ويحترم القانون، ويعمل فقط لصالح العاملين في المؤسسة التي تعمل فيها النقابة.وعادة، يكون عمل النقابات على خلاف مع إدارة المؤسسات بغية إحراز الحقوق العمالية بكرامة إنسانية لبناء مؤسسات تنتهج محاسبة مرتكبي الأخطاء، لا مؤسسات خرِبة. مؤسسات تنتهج نقاباتها وإداراتها مأثورة الأسطورة السياسية التنموية “لي كوان يو” الرئيس الأول لسنغافورة، والذي أثراني بمبدأ: “تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج، يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل”.
لعل نقابة العاملين، الحالية، في جامعة الأزهر بغزة بدأت باتباع قول علي بن أبي طالب “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه”، وعليه أتساءل، من سيرأس أو سترأس جامعة الأزهر بغزة، إن نجحت النقابة ومناصروها من عاملي وعاملات الجامعة في اقتلاع الرئيس الحالي للجامعة خارج المنظومة الجامعية تماماً، بحيث ألا يعود للعمل فيها محاضراً كما السابق، لأنه ثبت عليه التزوير؟ وبما أن النقابة ومناصريها ها هم يبدأون برأس السلم، فماذا عن التحقيق في ملفات جميع من ساهم في إفساد الجامعة؟ هل ستتركهم النقابة دون خطوة الجز بالأرزاق الفاسدة من جذورها؟ إن تمت خطوة جز الأرزاق الفاسدة، فهذا سيدرأ، لا محالة، أي خطر مستقبلي بأن يصبح أي من الفاسدين والمزورين يوماً ما رئيساً أو رئيسة على من هم ليسوا فسدة. ولكن، إن تركت النقابة المزاجية في التعامل مع الفاسدين حسب المحسوبية والأواصر الحزبية، وموازين القوى، فلتسترح النقابة من معركتها الحالية، ولتعد إلى الوراء مبكراً لتترك الفساد يعم، وتنعم الجامعة بقوانين توريث الفساد.
وأما عن تأخير دفع رواتب العاملين في مواعيدها، وأقصاها الخامس من كل شهر جديد، لهي سياسة امتهان كرامة الإنسان في معيشته بامتياز، ويهدف منظموها إلى تطبيق الذل على العاملين كما بالضبط رئيس السلطة يحاول أن يهين موظفي السلطة في قطاع غزة منذ بدء الاستقطاعات، وهذا يعني أن الخطوة الإفلاسية مدروسة ليروج منظموها لواقع لعين مفاده تعلم الصبر المميت من موظفي السلطة المستقطعة رواتبهم والراضين بالقليل. فإن كان هذا كهذا، فماذا عن تميم البرغوثي وقوله: لا تقبلوا بالقبح يا أهلي مكافأة على الصبر الجميل”.
إن التحرك الحثيث للنقابة مؤخراً ضد إجراءات تأخير تسييل الرواتب لمستحقيها في الجامعة ترتبط بالصحوة النقابية التي لم تكن يوماً غافلة عن فساد واضح ثبت أركانه قياديون ومسؤولون رسميون ولجان تحقيق. وأما عن الكادر التعليمي في جامعة الأزهر بغزة، أتساءل عن هذا الكادر ذو الخبرة والكفاءات العلمية، التي للأسف، لم يقف موقفاًحاسماً يوماً ما ضد الفساد الذي ما يزال يقوى في السنوات التسع الأخيرة؟ أي كادرِ تعليمٍ هذا الذي علم ويعلم الطلبة الاستهانة بالفساد عبر الصمت، خاصة بعد أن ثبت ارتكاب رئيس الجامعة لتزوير واضح ثابت الأركان؟
بسبب نوع صمتكم هذا، يعتريني اشمئزاز من لقب “أستاذ/ة” و “دكتور/ة” لأن أحمله يوماً ما خيفة أن أصاب بمتلازمة التغاضي عن الفساد بغية التفادي لإشكالياتٍ مع ومِن المفسِدين والفاسدين. كيف لكم أن تكتفوا بتقلد شهادات علمية دون العمل بموجبها بحق، ومجابهة المتواطئين مع كل فاسد مهما علا سلمه الوظيفي؟ وأما من يحملون شهادات عليا، خاصةً بعض القانونيين في الجامعة،الذين يعلنون بكتابات مسمومة، لغتها مطاطية التفسيرات، بأنه يحق للرئيس الحالي ترؤس فترة رابعة بعد سنة تاسعة منفردة، فإنني أعجب لإبداعاتهم القانونية والتي مفادها، بالنسبة لي،استمرارية التغطية على مبتزي السلطات “استثناءً هي قانونية” لأن البقاء للأوقح!!!
أيها الطيبون:
إنني أؤمن بأن الله يعطي الظالم كثيراً ليسقطه من علٍ، وها هي نهاية كل من يصمت على الظلم باسم “الصبر الجميل” الذي لا اراه أنا إلا أنه الصبر الذليل. لقد سكتم عن الظلم فتوالدت ظلمات وارتُكِبَت مظالم كثيرة بحق العاملين والعاملات، فطغى الفساد في الجامعة، وذهب الصالح والطالح معاً للمهلكة لأن الصالح المستكين لم يصلح المستبد اللعين.
وأخيراً، هل استفقتم في جامعة الأزهر بغزة؟!
بقلم: ريم عثمان
غزة – فلسطين