وحدكم لكن برعاية الله ..
نضال حمد
الجمعة الثانية من شهر آذار/ مارس 2002 جمعة حزينة بكل المقاييس … تذكرني باليوم الثاني من مجزرة صبرا وشاتيلا, يوم 17 أيلول 1982، يوم اصابتي أيضا. جمعة تعيد دورة التاريخ إلى الوراء وعشرون عاما الى الخلف، حيث كنا وحدنا نقاتل جيش شارون وكانت العروبة نائمة، وبعد صحوتها غدت صائمة، صائمة عن الكفاح والجهاد وعن الذوذ عن كرامتها وعزتها. واليوم ودبابات شارون تعيد ذبح الفلسطينيين العزل في مخيمات ومدن وبلدات قطاع غزة والضفة الفلسطينية المحتلة لا نعرف نحن المذبوحون بسكاكين شارون والمقتولون برصاص جيش الإرهاب الصهيوني، والمقصوفون بقنابل أمريكية الصنع، كيف نعلم أطفالنا معاني الوحدة العربية والأمة العربية الواحدة. وكيف نفسر لهم الخلل الحاصل في المعادلة التي تكلفنا كل يوم حياة شبابنا وأطفالنا وبناتنا ونساؤنا وشيوخنا ومقاتلينا.
هل مطلوب منا أن نقول لأطفالنا أننا وحدنا العرب ولا عروبة في هذا الزمن غير عروبة فلسطين وأهلها ولا أنتماء لتلك العروبة ولا روح فيها دون نفخة الوجع الفلسطيني ودون ضخات الدم الفلسطيني السائل من جراح هذا الشعب المجاهد والمدافع عن القيّم والمعاني العربية والوحدوية. ودون إسناد ودعم وأحيانا في ظل تأمر رسمي وتسابق على حث شعب فلسطين على القبول بأي شيء من أجل أرضاء امريكا سيدة العالم الحديث وصاحبة الأمر الناهي والمطلق في القرن الجديد وفي النظام العالمي الجديد.
اليوم في هذه الجمعة الحزينة وأثناء صلاة الفجر أو بعدها بقليل استولت قطعان الارهابيين من جند (اسرائيل) على سيارات الأسعاف الفلسطينية. وأعتقلت المسعفين والأطباء . ثم اتجهت إلى خزاعة وعبسان وخان يونس وأخذت تقتل الناس وتغتال كل من تصادفه في طريقها ولم تكتف بأطلاق الرصاص والقنابل على الضحايا، لكنها كانت تجهز عليهم وهم جرحى كما حدث مع قائد الأمن الوطني الشهيد أبو حميد، بحسب ما قاله شاهد عيان.
هناك على الأقل 34شهيدا فلسطينيا منهم 27 في غزة و7 في مخيمات الضفة. الاحتلال أعاد إحتلال طولكرم ويحاصر مخيماتها وكذلك الحال في مخيمات بيت لحم وجنين.
شارون مصر على تنفيذ مشروعه الدموي والتنكيل بالشعب الفلسطيني رغم أنف كولن باول ورئيسه بوش، اللذان يختلفان معه بالتوقيت والاسلوب. وشارون هذا يجبر باول على التراجع عن تصريحاته الأخيرة ليقول أمام احدى اللجان الأمريكية المجتمعة أن شارون معه حق في استخدام كافة الوسائل لمكافحة الإرهاب والدفاع عن أمن مواطني (اسرائيل). تماما كما تفعل إدارته في حربها ضد ما تسميه الأرهاب العالمي. هذه الإدارة الأمريكية المؤتمرة صهيونيا والمبرمجة يهوديا لا يمكن لها أن تكون وسيطا نزيها ولا عادلا. لذا علينا نحن الفلسطينيين أن لا نعير لمجيئ الجنرال زيني أي اهتمام. وعلى الرئيس عرفات عدم استقباله بعد تصريحاته السيئة عن أبي عمار واتهامه له بأنه زعيم مافيا.
زيني يعتقد أنه هو الذي سيجعل عرفات يقبل بما تمليه عليه الإدارة الأمريكية وهو يعتقد أيضا أن الفلسطينيين ضعفاء، لذا لن يكون أمامهم سوى خيار الرضوخ لإملاءاته وتعليمات إدارته في البيت الأبيض الأمريكي.
إن الواجب يحتم علينا معاملة هذا الجنرال بطريقة تتناسب وعدم احترامه لحقوق شعبنا. كما أن الواجب الوطني يحتم علينا التمسك بالثوابث الوطنية الفلسطينية، خاصة بعد هذا الكم الهائل من الشهداء في الشهر الحالي عامة واليوم خاصة.
القتل (الإسرائيلي) لم يعد يفرق بين المدنيين والعسكريين وسياسة شارون تعتمد على نهج واضح ومعروف وهو آيقاع أكبر عدد ممكن من الإصابات في صفوف الفلسطينيين من خلال توجيه القصف بشكل عشوائي، وإستهداف طواقم الإسعاف وقتل الأطباء ومصادرة السيارات واستعمالها في اقتحام المناطق الفلسطينية واغتيال الفلسطينيين.
في هذه الجمعة العظيمة أين العرب وأين العروبة؟
أين المسلمين وخطباءهم الذين يعتلون في هذه اللحظات بالذات المنابر ويخطبون في الناس؟
أين أنتم من المذبحة ومن المجزرة؟
أين ذهبت النخوة العربية؟
وأين أصبحت الضمائر يا أحفاد عمر وعلي وخالد؟
ألا يهزكم هذا القهر ولا تهزكم هذه الملحمة؟
في الجمعة الفلسطينية العظيمة والحزينة نستذكر حصار بيروت الشهير وجريدة المعركة وشعارها الشهير أيضا الذي وضعه الشاعر الفلسطيني الراحل الكبير معين بسيسو:
” قد أقبلوا
فلا مساومة
المجد للمقاومة..”
وحدكم لكن برعاية الله..
بقلم: نضال حمد*
8آذار 2002