وشهد شاهد من أهله.. إردوغان عدو بوتين وروسيا – حسني محلي
قد يكون موقف بايدن السّببَ في حديث فريق إردوغان عن “نموذج تركي جديد” ضد روسيا، التي يعتقد أفراد هذا الفريق “أنها تفتقر إلى العديد من مقومات التصدي للقوة التركية الصاعدة”.
كتب عمر أوز كزيلجيك في 2 حزيران/يونيو، في الموقع الإلكتروني لقناة “تي آر تي” الحكومية باللغة الإنجليزية، مقالاً تحدَّث فيه عن مضمون السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وأهدافها، وأشار فيه إلى “القلق الروسي من أصداء النموذج التركي في أوروبا الشرقية”.
وقال: “لقد أثبتت تركيا أنها تستطيع الحدّ من دور روسيا في المنطقة، من دون الحاجة إلى قوات أميركية وأوروبية غربية، وهو ما يعني ضرورة الحديث عن نموذج تركي جديد في وجه روسيا”، مضيفاً: “لقد تصدّى هذا النموذج بنهجه العسكري لروسيا في سوريا، وقلب موازين القوى في ليبيا لمصلحة القوى المعادية لحفتر المدعوم من روسيا. إنَّ نجاح تركيا في إقامة وتطوير علاقات وطيدة مع أوكرانيا وأذربيجان وليبيا والحكومة المؤقتة في سوريا ودول أوروبا الشرقية (بلغاريا ورومانيا وهنغاريا)، إنما هو تحالف يهدف إلى الحدّ من المدّ الروسي. كما أن أوكرانيا وبولندا اللتين تساهمان في مواجهة روسيا اشترت الطائرات المسيرة التركية، فيما تخطّط كلٌّ من هنغاريا ورومانيا ودول البلطيق (لاتونيا) لشراء هذه الطائرات لاستخدامها ضد روسيا”.
وتابع: “في المقابل، تسعى روسيا لمواجهة النموذج التركي الجديد بفرض عقوبات على تركيا، منها الحدّ من واردات المنتجات الزراعية، ومنع الروس من الذهاب إليها للسّياحة، ولكنَّ موسكو ستجد أنَّ هذه التدابير لن تنفع، وما عليها سوى أن تضع بعين الاعتبار احتمالات المواجهة الساخنة معها أو أن تتّخذ قرارها الأصعب بالقبول بشروط أنقرة غير المكتوبة في ما يتعلَّق بمجاورة تركيا. بدورها، تستطيع أنقرة أن تشجّع موسكو على أن ترجّح الخيار الثاني، وذلك من خلال المشاريع المشتركة. وما على بايدن إلا أن يعي ما وعته روسيا ودول أوروبا الشرقية بأهمية تركيا، وأن يعيد النظر في مجمل حساباته مع أنقرة”.
هذا باختصار ما كتبه كيزيلجيك عن نهج الرئيس إردوغان في السياسة الخارجية، وهو ما أشرت إليه في العديد من مقالاتي في هذا الموقع، وبفارق مهمّ، وهو أنَّ الرجل من الطاقم المقرّب جداً إلى الرئيس إردوغان. بمعنى آخر، إنَّ المقال بمثابة “شهادة شاهد من أهل البيت”.
قبل التعليق على هذا المقال الذي جاء عشية اللقاء المهمّ بين إردوغان وبايدن في 14 حزيران/يونيو، لا بدَّ من تسليط الضوء على كاتبه وعلى المؤسَّسة التي يعمل فيها، فأوز كيزيلجيك من كادر مؤسَّسة الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “SETA” التي أسَّسها رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو في العام 2006، عندما كان مستشاراً لرئيس الوزراء إردوغان، وقبله عبد الله غول.
وكان إبراهيم كالين، المستشار المالي لإردوغان والمتحدث باسمه، مديراً عاماً لهذا المركز، فيما كان فخر الدين الطون، وهو الآن رئيس إدارة الاتصالات (مسؤول الإعلام) في الرئاسة التركية، مساعداً له آنذاك. أما المدير الحالي للمركز، برهان الدين دوران، فقد ناشد “أميركا والاتحاد الأوروبي (سابقاً) للوقوف إلى جانب تركيا في مواجهتها روسيا في إدلب”، وقال البروفيسور كمال إينات، وهو من كتّاب المركز، “إنَّ روسيا ليست حليفاً موثوقاً به بالنسبة إلى تركيا”.
عداء هذا الطّاقم المحيط بالرئيس إردوغان لروسيا بشكل مباشر أو غير مباشر، دفع زعيم حزب “الوطن”، دوغو بارينجاك، وهو حليف لإردوغان أيضاً، إلى شنّ هجوم على المركز المذكور، إذ ناشد الرئيس التركي لقطع المساعدات التي تقدمها الدولة له، وقال: “إن هذه المساعدات تعني مساعدة أميركا و”إسرائيل”، لأنَّ المركز يعرقل المصالحة مع الرئيس الأسد وسوريا، وهو ما يخدم واشنطن وتل أبيب”.
هجوم بارينجاك هذا ربما جاء تذكيراً بالمعلومات التي تحدَّثت بداية العام الجاري عن احتمالات تعيين أوفوق أولوتاش، أحد كوادر المركز، وهو مختصّ بالتاريخ اليهودي، ودرس في “إسرائيل”، سفيراً جديداً في تلّ أبيب، بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي جميع الحالات، ومهما كانت نتائج القمّة بين الرئيس إردوغان والرئيس بايدن، فقد بات واضحاً أنّ أنقرة، مع استمرار هذا الفريق المحيط بإردوغان، لن تغيّر نهجها التقليديّ الذي لا يثق بروسيا، كما لم يكن يثق بالاتحاد السوفياتي ونظامه الشيوعي، بدليل أن الرئيس الراحل تورغوت أوزال رفع شعار “أمة تركية واحدة من الأدرياتيكي إلى سد الصين المنيع”، بعد سقوط هذا النظام، في إشارةٍ منه إلى حدود الإمبراطورية العثمانية التي انطلقت من حدود هذا السدّ، لتصل إلى البوسنة وجوارها.
وقد جمع أوزال في تشرين الأول/أكتوبر 1991 رؤساء الجمهوريات ذات الأصل التركي في أنقرة، وهي أذربيجان وتركمنستان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، في محاولةٍ منه لإقامة تكتّل تركي جديد يتحدّى به روسيا، باعتبار أنَّ هذه الجمهوريات كانت، وما زالت، الحديقة الخلفية لروسيا.
كما أمر الجيشَ باجتياح الشمال العراقي وضمّه إلى تركيا بعد هزيمة صدام حسين في الكويت، في محاولةٍ منه لإحياء ذكريات حدود الميثاق الوطني (الميللي)، التي كانت ترى في الشمال العراقي (الموصل وأربيل والسليمانية وكركوك) والسوري بأكمله جزءاً من تركيا الحالية، فرفض رئيس الأركان آنذاك هذه الأوامر، ما اضطرّه إلى الاستقالة، فتدخَّل الرئيس بوش، ومنع أوزال من تحقيق حلمه الذي تذكّره إردوغان بعد ما يُسمى بـ”الربيع العربي”، وهو الآن في الشمال السوري والعراقي، بعد أن فشل في تسويق نموذج حزبه الإسلامي في دولة علمانية ديمقراطية إلى دول المنطقة وشعوبها، وهو ما سعت من أجله واشنطن والعواصم الغربية التي لم تعد تخفي قلقها وانزعاجها من هذا النموذج، بعد أن فقدت تركيا هُويتها العلمانية والديمقراطية، باعتراف كلّ أحزاب المعارضة، التي أكَّد الرئيس بايدن في نهاية العام 2019 “ضرورة دعمها حتى تتخلّص من الاستبدادي إردوغان بالانتخابات”.
وقد يكون موقف الرئيس بايدن السّببَ في حديث فريق الرئيس إردوغان عن “نموذج تركي جديد” ضد روسيا، التي يعتقد أفراد هذا الفريق “أنها تفتقر إلى العديد من مقومات التصدي للقوة التركية الصاعدة”، والفضل في ذلك لموسكو، فقد سمحت للجيش التركي بدخول جرابلس في آب/أغسطس 2016، ثم عفرين بداية 2018، ثم شرق الفرات في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، وأخيراً أذربيجان الخاصرة الحساسة لروسيا، التي يعيش في أراضيها أكثر من 20 مليون مسلم، ومعظمهم يتواجدون قرب حدود أذربيجان وجارتها جورجيا، وستشهد علاقاتها مع أنقرة قريباً تطورات مثيرة، خدمةً لأهداف النموذج التركي الجديد! وقد تريد أنقرة لهذا النموذج أن يتصدّى في الوقت نفسه للمنافس التقليدي قومياً وطائفياً، إيران، بامتداداتها الإقليمية التي يراقبها الرئيس إردوغان عن كثب.
يفسّر ذلك المعلومات المهمّة التي تتحدّث عن احتمالات إرسال الجيش التركي إلى أفغانستان، ليحلّ محلّ الجيش الأميركي والأطلسي الَّذي سينسحب منها بحلول أيلول/سبتمبر القادم، وهو الموضوع الَّذي سيبحثه الرئيس إردوغان مع الرئيس بايدن، وسط المعلومات الّتي تتحدّث عن اتفاق مسبق في هذا المجال، بحيث سيقوم الجيش التركي بحماية مطار كابول والمرافق الدولية، وذلك بالتنسيق مع “طالبان” التي تربطها علاقة جيدة بالدوحة وأنقرة معاً.
وتتحدَّث المعلومات الصّحافية أيضاً عن سيناريوهات مثيرة حول أسباب الاهتمام التركي بأفغانستان وخلفياته، وبالطبع بالتنسيق والتعاون مع واشنطن، فهذا البلد الَّذي كان سبباً لسقوط الاتحاد السوفياتي مجاور حدودياً لكلٍّ من إيران والصين، ليكون حديث الإعلام عن احتمالات نقل المقاتلين الأجانب من إدلب وجوارها إلى أفغانستان هو الأكثر إثارة على المدى المتوسط والبعيد، وخصوصاً مع المعلومات التي تتحدَّث عن علاقات متينة بين إسلام أباد وأنقرة، رغم مساعي الرياض لعرقلة ذلك، وخصوصاً أنَّ بعض هؤلاء المقاتلين من الأقلية التركستانية الصينية، وأن هناك آخرين من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية التي تحدّ الصين وأفغانستان. كما أنَّ بعضهم قاتلوا في صفوف “القاعدة” و”طالبان” في أفغانستان والشيشان، وهم على استعداد للعودة إلى هذه المناطق مع عودة “طالبان” إلى السلطة.
قد تعود بنا كل هذه المعطيات إلى مشروع “الحزام الأخضر” الذي سعت من خلاله أميركا في نهاية السبعينيات من القرن الماضي لإسقاط الاتحاد السوفياتي وتمزيقه، وهو ما تحقَّق لها بعد 10 سنوات من حرب أفغانستان. ويبدو أنَّ الأخيرة قد تعود من جديد ساحة لحملات أميركية تهدف إلى تمزيق روسيا من الداخل، بعد محاصرتها من الخارج، وهو ما تحدَّث عنه المحلّلون الأتراك في “SETA”، وكأنهم يريدون للتاريخ أن يكرر نفسه، ما دام البعض لا يستخلص الدروس منه!