وعد بلفور وسايكس بيكو – علي حتر

 

يجب أن تقرؤوا هذا ايها الشباب..

وعد بلفور الذي تزورنا ذكراه بعد يومين، ليس حدوثة مساء تقصها علينا الجدة حتى نغفو.. مثل قصة ليلى والذئب..

وهو ليس أيضا وعدا أعطته، وحدها، بريطانيا التي لا تملك لليهود، رغم أنف الذين يملكون..

إنه أكثر من ذلك بكثير..

في السنوات الأخيرة اصبحت هذه الذكرى تمر..  دون أن يشعر بها أحد.. وكأنّ هناك اتفاقا غير معلن لجعلها تمر بصمت.. بل من الواضح من مجريات الأحداث، أن هناك مثل هذا الاتفاق بين ذوي الأمر منا مع اليهود والأمريكان وكل الغرب.. وتحويل ذكرى حرب 1967 لتحل محله وتصبح بداية تاريخ المنطقة.. ولتجهيل الأجيل الجديدة بأبابه الحقيقي.

أقول إقرؤوا أيها الشباب..

فقد فشلنا نحن ومن سبقنا، من التعامل مع نتائجه رغم فهمنا خفاياه التي نعيش نتائجها اليوم من المحيط إلى الخليج.. في كل قطر من أقطارنا.. لولاعناد بعض السوريين..

بل حتى يمكن ان نقول إنهم أضافوا إيران إلينا لتعاني معنا.. لولا عنادها..

لست من هواة الإحتفال بالذكريات.. ولكن هذه الذكرى بشكل خاص.. لها معنى هام.. مثل 15 أيار .. وكامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو..  يجب أن تبقى ماثلة في أذهاننا أكثر من أعياد ميلاد أبنائنا.. إنها ذكرى بداية انهيارنا.. الذي يجب ان نوقفه عند حد ما..

وفي كل عام يكبر أحد أبنائنا قليلا، ويصبح قادرا على الفهم..  وعلينا أن نُعرِّفه بها.. ونكتبها على قالب الكيك الذي نقدمه له في ذكرى ميلاده.. بدل ان نغني له “هابي بلفور تو يو”..

ومع هذه الذكرى لا بد ان نذكر دائما تقرير لجنة بانرمان كامبل التي أنتجته، ثم معاهدة سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر.. التي كانت تطبيقا عمليا له.. أي انها هي التي نفذ فيها عمليا كل تمزبقنا وانهيارنا..

وللتذكير فقط.. للشباب الصغار..

سنة 1907 عقدت سبع دول استعمارية مؤتمر خبراء الاستعمار وهي بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال واسبانيا وإيطاليا، واتفقت هذه الدول مجتمعة على ضرورة تفتيت منطقة شرق وجنوب المتوسط، (تقرير بانرمان.كامبل عام1907 أعدته لجنة مكلفة بالبحث في أحسن طريقة للقضاء على الخطر الوحيد حينذاك، الذي تمثله الأمة العربية إذا اتحدت).

ووجدت هذه الدول مجتمعة، قبل وعد بلفور بعشر سنوات، أن أفضل حل هو زرع دولة غريبة في المنطقة.

وطلبوا من بريطانيا أن تتعهد بذلك عند الاستيلاء على فلسطين..

وأحد أسباب ما نعانيه اليوم، هو نتيجة من نتائج هذا المؤتمر..

وجاء إعلان بلفور حين التقت مصالحهم جميعا  بالموافقة على أن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود.

وعد بلفور هو وعد قطعه بلفور وزير خارجية بريطانيا لروتشيلد اليهودي، عندما سمح ولاة أمرنا لصاحبة الجلالة البريطانية يومها.. جدّة بلير..  بالتحكم بمصائرنا،  بلير أحد ابطال تمزيق العراق..

عبّر بلفور في وعده، عن عطف صاحبة الجلالة تلك، على “الشعب اليهودي”، ولأنها حنونة عطوفة، وعدت أنها سوف  تساعد هذا الشعب في عملية إنشاء وطن “قومي” له في فلسطين، دون المساس بحقوق “الجماعات المقيمة” في المنطقة..

كلمات دقيقة: اليهود شعب ولهم قومية حتى وهم مجرد أقليات دينية في كل بلاد العالم..

والعرب مجرد جماعات أخرى حتى وإن كانوا طبيعيين على أرضهم..

وفي الحقيقة يجب ان نشكر بلفور لأنه لم ينس عبارة “عدم المساس بحقوقنا”.. التي ما زال حكامنا يرددونها حتى اليوم مع تغيير بسيط في العبارة، لأن  حكام الدول العربية يقولون اليوم: “عدم المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”..

إنه القرف فعلا.. لأنه ما من حاكم واحد يجرؤ على تعريف هذه الحقوق المشروعة.. وإنني أُفضل عبارة بلفور التي تصدر عنه رغم كذبه.. عن العبارة الأخيرة التي تخرج عن حكامنا رغم صدقهم المزعوم والمفروض علينا بالقوة”..

طبعا نحن لا نتوقع غير ذلك من بريطانيا.. وهي منبع الفكر الصهيوني الداعي عقائديا لتجميع اليهود في فلسطين منذ بدايات لقرن السادس عشر.. كما ان هرتزل نشط هرتزل أيامها، من أجل إنشاء دولة اليهود.. ووعد “بجرِّ رجْل امريكا” إلى الحرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا.. ووعد بالقروض اليهودية لتلك الدول، ووعد بدفع اليهود الشرقيين للوقوف ضد تحالف روسيا مع المانيا.. نشاطات هرتزل عززت كل توجه عقائدي وسياسي وعسكري لدى البريطانيين لمساعدة اليهود وإصدار هذا الوعد..

للعلم فقط:  إن هرتزل عمل منفردا ومن موقع غير رسمي لصالح اليهود أكثر مما فعل لصالح الأمة العربية كل من حكموها في القرن العشرين.. والواحد والعشرين..

وأريد ان اثير ملاحظة هامة.. لموقعي المعاهدات الذين يخافون هذه الأيام من أسلحة امريكا وقوتها، ليبرروا عجزهم في أن يفعلوا شيئا حيالها.. إن ايام بلفور كانت ما زالت نسبيا ايام الفرسان.. ولم يكن فيها قنابل نووية وحلف ناتو أو غازات او قنابل فوسفورية وعنقودية، وصواريخ تطلق من آخر الدنيا.. ومع ذلك تآمر أصدقاء بلفور من أهلنا على شعبنا، ومر وعد بلفور دون ان يقاومه كل من كان يطمع بكرسي.. رغم سهولة ترتيب المقاومة في ذلك الزمن..

وبالتوازي مع الإتصالات التي كانت تجري لإصدار هذا الوعد، كان يتم تبادل مراسلات الشريف حسين / مكماهون، والتي كانت تتعهد فيها بريطانيا للشريف حسين بتنصيبه ملكا على بلاد الشام إذا تحالف معها للثورة على الحكم العثماني.. وهنا لا بد ان نؤكد على أن بريطانيا قالت في إحدى رسائل مكماهون، للشريف حسين، إنها.. ودون أن تبدي الأسباب..  ستستثني من الأراضي التي ستضعها تحت حكم الشريف، المنطقة الغربية من سوريا.. والتي أصبحت فيما بعد فلسطين بشكلها الذي سُلِّم لليهود..

ولم يكن الشريف الهاشمي يطلب تثبيت الوعود البريطانية على شكل معاهدات..

في نفس الوقت تماما.. كانت بريطانيا الماكرة (كما كانت تسميها حليفتها فرنسا) تجري مفاوضات مع الأمير عبد العزيز آل سعود.. وتعده بعكس ما تعد به الشريف حسين وخاصة فيما يتعلق بحكم الجزيرة العربية.. وذلك هذا الأمير كان يصر على أن يصاغ كل ما يقال له على شكل معاهدات مكتوبة وموقعة..

وفي نفس الوقت أيضا، كانت تجري مع فرنسا وروسيا مفاوضات ومع جمال باشا الوالي العثماني على المنطقة لإغرائه بالإستقلال عن أمه الإمبراطورية العثمانية الضعيفة والوقوف مع الحلفاء ضد ألمانيا..

في نفس الوقت.. كانت بريطانيا وفرنسا تجريان مفاوضات بدون علم الآخرين.. لاقتسام المنطقة فيما سمي لاحقا باتفاقية سايكس – بيكو.. وهي المعاهدة التي لم يتم تنفيذها عند الاتفاق، لكن  بعد الحرب نفذت ضمن اتفاقات جديدة مبنية عليها في مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر..  لأن الثورة البلشفية في روسيا فضحت هذه المعاهدة وأعلنتها على الملأ بكل ما فيها من قذارة وانحطاط اتصف بهما المستعمر الغربي ويتصف بهما حتى يومنا هذا..

في الوقت نفسه وعد تشرشل وجهاء المنطقة (عام 1920) بعدم إنشاء دولة يهودية.. وقال انه انه “مجرد ملجأ قومي” لهؤلاء المساكين..

وتقسمت اوصال الوطن.. وتمزقت سوريا.. وظهر لبنان الذي أحبته فرنسا.. وفقدنا (مرحليا) فلسطين.. وأوجدت إمارة شرق الأردن لتكون ضعيفة بلا مُقوِّمات حقيقية..

هنا لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا، خلال المفاوضات، كانت مصرة على أن تكون القطعة المسماة سورية من الصفقة، قادرة على أن تعتمد على نفسها تحت الإستعمار الفرنسي (طبعا حتى لا تشكل عبئا اقتصاديا عليها) ولم تكن بريطانيا مهتمة بهذه المسألة للمناطق الخاضعة لها..

ووزعت محافظاتنا وولاياتنا بطريق عجيبة.. وإذا بالمحافظة الواحدة تتوزع على دول ثلاث.. وأصبحنا أمة متعددة الجنسيات والهويات حتى أن بعضنا، عزمي بشارة سمانا الأمة الأردنية والأمة الفلسطينية!!، أسوة بالشركات المتعددة الجنسيات.. (ولكن هذه تحقق ارباحا على الأقل.. أما نحن وبهمة قياداتنا التاريخية.. التي لا تبدي أي أسباب.. فلا نحقق إلا الهزائم)..

بريطانيا كانت معنية بمعاملة فلسطين بشكل خاص تمهيدا لإنشاء وطن قومي لليهود، وبمنطقة شرق الأردن، التي تفصل فلسطين عن العراق، والتي تصلح لإنشاء خط حديد بين العراق والبحر الأبيض المتوسط.. وبإبعاد روسيا عن الساحة..

وتراكض وجهاء العرب وحكام بعض أقاليمهم.. المُعيَّنين تعيينا في ذلك الوقت.. للدفاع عن الحدود التي أنتجتها سايكس بيكو وسان ريمو ومعاهدة سيفر ووعد بلفور.. رغم انهم راحوا يصيحون أن بلفور أعطى ما لا يملك لمن يستحق..

وأصبح تاريخ المنطقة يبدأ هناك..

أما التاريخ الطويل الموحد وحكم الأنباط والفينيقيين والكنعانيين والفسيفساء السورية والعراقية قبل الإسلام وفي صدر الإسلام وحكم الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين.. فقد ألقوا به إلى الجحيم.. وبدأ تاريخنا الجديد منذ ذلك الوعد..

واليوم يخرجون علينا بوعود جديدة لتقسيم جديد للمنطقة.. وبنفس الطريقة البريطانية.. لكن أكثر تفتيتا..

ألا يجب أن نتعلم من مؤامرات بداية القرن الفائت..

انظروا إلى وعود بوش أيام غزو العراق.. هذه الأيام.. وسوف أسميها وعود بوشفور.. ديموقراطية العراق.. ودولة خارطة الطريق..

وما يحصل في فلسطين..

بوش أصدر الوعود مثل مكماهون.. ومثل بلفور في نفس الوقت.. ومثله أوباما.. فهو مهتم بالأكراد والفلسطينيين  ولبنان وبمصر والسودان وأهل الخليج والسعودية.. وربما ببعض البترول الذي يعومون فيه.. وما زالوا يصدقونه.. مثلما صدقوا مكماهون.. عبى أن يواصل اليهود بناء مستوطناتهم.. وأن تتمزق المنطقة وتخضع له ولليهود..

ماذا يجري اليوم.. هل يختلف عما كان يجري أيام بلفور.. إنه أسوأ يلأنه تم بمساعدة الحكام..

النتيجة هي تقسيم العراق.. وما بقي من سوريا.. وتكميم فلسطين.. وتثبيت الاستيطان فيها.. وتثبيت قزمية الدول الخليجية.. وتمزيق السودان، وخنق الأردن وسوريا.. وربما تقطيعهما فهما كبيران قليلا.. وإذلال الجزائر وابتزاز السعودية.. وحلب ليبيا.وتقطيعها.. وتفتيت اليمن.. ومحاولة تحطيم كل ما تبقى لنا من أمل لنا في أن نعود أمة قوية لها كلمتها ومساهمتها في حركة التاريخ..

وبعد ان فرض علينا ان ندافع عن الأشياء التي صنعوها لنا في الماضي.. والحدود التي رسموها لنا.. وخرائط الطريق التي يرسمونها.. والشخصية غير الكاملة.. ها نحن يفرض علينا ان ندافع سلفا عما يعده لنا بوش..ّّ هذه الأيام.. وها هم أصدقاؤه بيننا يقولون.. “إحنا مالنا”.. وعلينا أن نحمي انفسنا واقاليمنا.. حتى إذا قسموها.. نضع لها حراسا يحافظون على اقسامها الجديدة.. إنها المشاركة في المؤامرة المستمرة على امتنا.. يتوارثونها هم.. ونصمت نحن.. إنها التآمر على الذات الكبيرة وهي أهل المنطقة.. وفقراؤها.. لصالح الذات الصغيرة.. وهي كراسي الحكم..

هيا أيها الشباب.. تعلموا من التاريخ غير البعيد.. بضع سنوات.. أقل من مجرد قرن واحد..  وهي في تاريخ الشعوب لا تساوي شيئا..