ولو ربع بوتن! – عبد اللطيف مهنا
مكره أخاك لا بطل، لا يملك بوتن ألا يفعل في أوكرانيا إلا ما هو فاعل، ما يفعله ليس بأكثر من رفع بطاقته الحمراء في وجه تسلل الناتو إلى حدائقه الخلفية والتلصص العدواني الخطر منها عبر سياجات بيته.. كل ما فعله، وسيسجله له الروس والعالم والتاريخ ومعهم المتلصصين، أنه قد أثبت أنه لها.. ذلك حين، وبيده الفولاذية، أرَّخ لدفن ما بات مستحقاً دفنه، أو ما كان مضمراً لا معلناً وسنحت لحظة إشهاره.. الدفن المستوجب لآحادية القطبية الأميركية، وبالتالي الإعلان المتأخر لميلاد تعدديتها الكونية.
.. وقد يداهمنا ميل لأن نستطرد فنقول، ونخال أنه اقترب من دق مسمارٍ في نعش وحدة الناتو، ورسم غمامة شك مضمر قد تكبر مع الأيام حائمةً فوق الأطلسي تاركةً أثرها على ضفتيه.. ناهيك عن فضح ضعف وهشاشة الأوروبيين، أضف إليه نفاقهم الكوني المزمن بالتوازي مع ذيليتهم الدائمة للأميركي، الذي على الرغم من تناقض مصالحه هنا مع مصالحهم، أو تضحيته بها وبأوكرانيا، قد جرَّهم من آذانهم، وجميعاً، برضى الراضي وطاعة المكره، للرقص الوثني الدائر في ساح مذبح أضحيته الأخيرة، وحوَّلهم، راضين وكارهين، جوقة ولولة تصدح بأُحْدية العقوبات غير المسبوقة وغير المتفق عليها في حومة هذه المناحة الدائرة لشيطنة بوتن.
قالوا في هجاء بوتن ما لم يقله مالك في الخمر، نعتوه بكل الشوائن وخلعوا عليه ما هب ودب من الصفات اللاإنسانية التي ارتكبوها وكانت لائقة بهم وحدهم، في كوريا، والفيتنام، وأفغانستان، و و.. وصولا لوطننا العربي، بدءاً ونهايةً بفلسطين، ومروراً بالعراق وليبيا وسوريه واليمن، ولا حاجة بنا في هذه العجالة، لجردة حساب لحروبهم التي لم تتوقف، ولا للعودة لما سبق في تاريخنا معهم، ولا سائر ما فعلوه في أمم هذه الأرض، أو ما أسسوا إمبرياليتهم على دواهيه ومظالمه.. التاريخ تكفَّل بهذا.
حيال الحدث الأوكراني، انقسم العرب عربان، وللأمانة هذه القسمة تليدة وسابقة عليه.. انقسما إلى عرب الأميركان، أو اللذين مع أميركا أكثر مما هي مع أميركا، وهؤلاء من الظلم تسميتهم عرباً، وعرب الأمة، الذين يدركون أن كل ما يتميز به بوتن ويغبطونه عليه، هو روسيته الحقة، وما خلاه، فربما لو كان في محل الأميركان وغربهم، لما كان مختلفاً كثيراً عنهم، لكنهم أما وهوا يقارعهم فهم معه.. ويتمنون لو كان لديهم ولو ربع بوتن!