يلعن أبو الوحدة الوطنية …
نضال حمد
منذ وعينا على الدينا ودخلنا في مجال العمل الوطني الفلسطيني وهناك سيف ذو حدين مسلط على رؤسنا، الأول سيف الوحدة الوطنية، والثاني سيف منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.. مع أن القائمين رسمياً على المنظمة هم الذين دمروا مؤسساتها وحولوها الى مرتعٍ للزعران وقادة المصادفة، ولوكلاء الاحتلال في فلسطين المحتلة وخارجها.
كأن الوحدة الوطنية الصورية والمنفعية والمناسباتية للفصائل وحماليها الكُثر، صارت أهم من القضية الوطنية وأكثر أهمية من ملاحقة الذين باعوها في اسطبلات الاستسلام الجماعي من ايام السادات حتى آخر مماليك المرحلة، من صغار الساحة الفلسطينية حتى فراعنة الجدار الفولاذي .. هؤلاء الذين يتسابقون على البكاء بين يدي الصهاينة في مؤتمر هرتسليا الصهيوني. وكذلك عند الفرعون ونظامه الذي يحاصر ويخنق أهل غزة منذ طردوا الاحتلال من قطاعهم. هؤلاء لن يجلبوا الخير والديمقراطية والرخاء والتحرر والاستقلال للشعب الفلسطيني. لأنهم بحاجة لاعادة بناء أنفسهم أولاً. فالولاء للوطن ليس كما الولاء للدول المانحة وللأخرى الراعية. لذا لا نستغرب موقف هذه الفئة الضالة من شعب فلسطين . لكننا نستغرب حين نجد أن هناك من الذين لازلنا نثق بهم يتحالف مع تلك الجماعة. رغم أنها سلبت الشعب الفلسطيني ارادته الوطنية وممثله الشرعي والوحيد، وتعمل بكل الوسائل من أجل الهيمنة على الاتحادات والنقابات والجاليات والتجمعات والمؤسسات. انه لمن الغريب فعلاً أن نجد فصائل فلسطينية معينة مازال قسما من الشعب الفلسطيني يعول عليها في تغيير الوضع، ويبنى عليها أيضاً بعضاً من الآمال في استرداد كرامة الشعب، وارادته الوطنية، وقراره المستقل، وديمومة نضاله ضد الاحتلال في سبيل الحرية والديمقراطية والاستقلال، والعودة وتقرير المصير.
كما أنه لمن المؤسف حقاً أن تقبل تلك الفصائل الفلسطينية وبالذات اليسارية منها بالتحالف مع الشياطين .. إذا صحت تلك الأقاويل والأخبار التي تفيد بأن الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانوا جزءا من عملية الانتخابات المزيفة في النقابة، بحيث تم تحويلها الى مؤسسة شبيهة باللجنة التنفيذية للمثل الشرعي والوحيد. فإن تلك الأخبار لا بد مؤلمة ومزعجة ولا تليق بمدرسة الحكيم الكبير.
تأسست الاتحادات والمؤسسات الفلسطينية على شاكلة التركيبة التي نعرفها في منظمة التحرير الفلسطينية بعد رحيل الاستاذ أحمد الشقيري مؤسسها وقائدها الأول. فصارت توزع المقاعد في نقابة أو اتحادات الأطباء والمهندسين والعمال والفلاحين والمرأة والطلبة و حتى قدامى الجرحى والمقعدين الخ .. وفق التوزيعة المعروفة والمتفق عليها لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية. يعني لفتح النصف زائد واحد والبقية للفصائل، التي ارتضت دائما بالفتات لعجزها عن إحداث تغيير جذري يؤدي في نهاية المطاف الى انتخاب الكفاءات، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. بقيت هذه العملية مقدسة من قبل فتح وأخواتها حتى يومنا هذا. لكنها انحصرت كثيراً لتبقى فقط في مناطق مازال فيها للمال السياسي والمحسوبيات والمنفعة وجوداً قوياً. في حين انها انتهت وحتى انتفت من حياة معظم الفلسطييين في اوروبا والشتات العالمي. وخير دليل على ذلك بروز مئات المؤسسات والمراكز والاتحادات والجمعيات الفلسطينية التي لا علاقة مباشرة لغالبيتها بالتوزيعة الفصائلية إلا فيما نذر من الحالات. حتى أن بعض هؤلاء الذين انجروا لسبب أو لآخر لهذه العادة السنوية التي تأتي على اتحادات الفصائل والوحدة الوطنية، مرة كل سنة، عادوا وأدركوا أنهم ارتكبوا خطاً، وأخذوا بالتراجع عن ذلك والعمل على تقويم الأمر وتصحيح الخطأ.
أذكر أنه قبل عدة سنوات تم تأسيس تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين من قبل مجموعة من الأدباء والشعراء والكتاب، وقطع الاتحاد مشواراً لا بأس به في التحضير والترتيب والعمل، وكانت فيه نخبة من الكتاب والأدباء والشعراء، أذكر منهم على صعيد المثال لا الحصر، رشاد ابوشاور، خالد أبوخالد، ابراهيم نصرالله، نجمة حبيب وآخرين .. لم يرق هذا الأمر للذين يسيطرون على اتحاد كتاب فلسطين باسم الوحدة الوطنية، فبدأت تحركات في رام الله لاستقطاب وتخريب عقول البعض من الكتاب الشباب مما أدى في النهاية الى حل التجمع. وكأنه لا يكفي هؤلاء الذين تأوسلوا (من أوسلو) الاتحادات الفلسطينية وجعلوها اتحادات مُطبعة مع الصهاينة، فيما كانوا قبل ذلك شقوها ومزقوا وحدتها.. فصار كل اتحاد اتحادين واحد مع رام الله والثاني في دمشق ( والآن هناك غزة ) .. مع التفريق طبعاً بين موقف المنشقين في رام الله والأصل في دمشق. فحال الفلسطينيين الثنائي الرأس ليس جديداً بل هو قديم ويبرز مع كل خلاف قوي ينشب بين دعاة الوحدة الوطنية.
الذي جعلني أكتب عن هذا الأمر مهزلة انتخابات نقابة الصحافيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والتي اشرف عليها قادة الأجهزة الأمنية السلطوية، فقرروا توزيع المقاعد بطريقتهم المعهودة. لفتح كذا وللفصائل المتحالفة معها أو المتعارف عليها باسم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كذا .. وللمستقلين المحسوبين طبعاً على الطرف الأقوى كذا .. فيما لم تراعى العملية الديمقراطية حيث تم القفز فوق كافة القوانين والشرائع. وكأننا في دورة للمجلس الوطني الفلسطيني ايام الفاكهاني ثم حمام الشط …وأعلنت النتائج يوم السادس من الشهر الجاري وجاء فيها أن نتائج الفرز الأولية لانتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين في رام الله ، أظهرت فوز قائمة الوحدة الوطنية، قائمة منظمة التحرير الفلسطينية، بـ 311 صوتا من أصل 478 ورقة اقتراع صحيحة. وأشارت مصادر مطلعة بالمؤتمر، ان عدد المقترعين بلغ 509 مقترعا من أصل 788 هم أصحاب حق الاقتراع. فيما اظهرت عمليات الفرز وجود 23 ورقة لاغية، و 8 أوراق بيضاء. كان يجب أن يكون هناك أوراقا بيضاء أسوة بالرايات البيض التي تحرص قيادة المنظمة على رفعها منذ ولوجها عملية السلام.
تعليقاً على الموضوع قال زكريا التلمس عضو مجلس النقابة أن الاعلان عن أسماء ناجحين في انتخابات النقابة من غزة هو أمر يدعو للاستهجان ومثير للفضيحة ومدعاة للغثيان. وأكد ” ان عدد ممن اعلن عن فوزهم في الانتخابات من غزة هم ليسو أصلا أعضاء في النقابة. كما أن من بينهم فائزون لم يرشحوا أنفسهم أصلا لهذه الانتخابات التي تدعو في تنظيمها واخراجها الى السخرية.
وأشار الى ” إن بعض ممن أعلن عن فوزهم هم قادة كبار من الصف الأول في فصائلهم الصغيرة والتي يقاول الكثير من أعضاءها وقادتها على أعمال مختلفة تبدأ بالسياسة وتمر بالصحافة وتنتهي بالتجارة .
وعبر التلمس عن ” صدمته من هكذا تزييف غير موفق ومدعاة للسخرية لهذه الانتخابات في مؤسسة وطنية عريقة كان يتوجب ولا يزال أن تشكل خط الدفاع الأول عن حرية التفكير والتعبير والديقراطية وقيّم الشفافية والاخلاق.
واوضح ” ان من بينهم فاز أشخاص لم يعلم بهم أحد انهم صحفيون أو أن لهم أي علاقة بالعملية الاعلامية.
في الختام لا يسعنا القول إلا ” يلعن أبوها الوحدة الوطنية ” التي دمرت كافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والمجتمع المدني الفلسطيني. كما أنها أوصلت النضال الوطني الفلسطيني والقضية الوطنية والحقوق الثابتة، والثوابت الى مقصلة الصهاينة والأمريكان وعملائهم في المنطقة. فلاعادت تنفع شعب فلسطين وماعادت قادرة على ضمان وحدته الحقيقية.
الأربعاء 10 فبراير 2010