يوم محمد الدرة يوم الطفل العربي
الى الطفل الشهيد محمد الدرة في يومه المشهود، يوم الطفل العربي في الثلاثين من سبتمبر – أيلول الحزين
نضال حمد
في مثل هذا اليوم من سنة النهضة الوطنية والهبة الشعبية الفلسطينية التي تحولت إلى انتفاضة مستمرة حتى اجتثاث الاحتلال والاستيطان من أرض فلسطين العربية، أستشهد الطفل الفلسطيني محمد جمال الدرة في حضن أبيه وبين يديه.
كانت شاشات التلفزة العالمية تبث عملية إعدامه على ملايين البشر الذين شاهدوا بأم أعينهم أبشع عملية إعدام غير إنسانية قام بها جنود الكيان الصهيوني الإرهابي في قطاع غزة.
جاءت عملية إعدام محمد الدرة على خلفية البناء العنصري والفاشي الحاقد لجنود الإرهاب الصهيوني… معروف أنه يتم تأسيس هؤلاء الإرهابيين تأسيسا فاشيا وساديا مبنيا على الحقد والكراهية والعداء للعرب الفلسطينيين، واعتبارهم حيوانات يجب أبادتها والتخلص منها. لأن بقاءها بحسب مفومهم يشكل خطرا حقيقيا على دوام وبقاء الكيان الصهيوني العنصري الغريب عن منطقتنا العربية.
ولأن هذا الكيان يعرف أنه أوجد على أرض فلسطين التاريخية بعملية قيصرية معقدة، فأنه لا يتوانى عن ممارسة كافة الأساليب التعسفية والإجرامية وغير الإنسانية في تعامله مع الضحية الفلسطينية ضناً منه أنه بهذه الطريقة سيحفظ وجوده في المنطقة وتفوقه على أهلها. كل تلك التعاليم الصهيونية ظهرت في عملية إعدام الطفل محمد الدرة..
إذ أن الضراوة الصهيونية ووحشية البناء الأصولي للجنود الصهاينة جعلهم لا يتوانون عن إعدام الطفل بدم بارد ومتعمد، وبطريقة سادية لا تليق سوى بهم وبالنازيين، أشباههم الذين فعلوا الشيء نفسه مع الأطفال اليهود وغيرهم من الأطفال الأوروبيين في أوروبا أبان الحرب العالمية الثانية. تلك الحرب التي خرجت منها أوروبا مثقلة بالجراح والخراب والدمار، بينما الحركة الصهيونية خرجت بنعمة احتلال فلسطين وظلت حتى يومنا هذا تستغل مذابح اليهود في أوروبا، فتقبض ثمن قتلهم على الرغم من مساهمة بعضها بشكل علني أو سري في إجبار اليهود الذين كانوا يرفضون الهجرة إلى فلسطين على الرحيل، وترك مواطنهم وبلادهم الأصلية حيثما ولدوا وكبروا ودرسوا وعملوا وعاشوا، كأي مواطن أوروبي آخر من العرقيات والأثنيات والديانات والفئات التي بدورها تعرضت لعملية ذبح منظم قامت بها النازية. فقد ركزت النازية حربها أيضاً على الشيوعيين والجيبسي ” النور الرحل” والشاذين جنسيا وأصحاب العاهات المستديمة، بالإضافة لليهود الذين كان لهم حصة كبيرة من ظلم النازية. لكن اليهود عرفوا كيف يستغلون مأساتهم من أجل أن يحولوها لمصلحة كيانهم الدخيل، الذي أقيم على أرض فلسطين بمساعدة أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي سابقا وبتخاذل عالمي واضح أضاع فلسطين وشرد شعبها وشتت أصحاب الأرض الحقيقيين، الذين فأصبحوا لاجئين ومشردين داخل وخارج وطنهم المحتل فلسطين.
في الثلاثين من سبتمبر الحزين أعدم محمد الدرة برصاص الإرهابيين الصهاينة الحاقدين، ومعه أعدمت إمكانيات العيش بسلام وحسن جوار مع الكيان الصهيوني، كما اعتقد بعض الواهمين من الفلسطينيين. فالكيان الصهيوني لم يترك داع أو سبب لكرهه الا وقدمه للشعب الفلسطيني. من مذابح النكبة والنكسة وما بين الزمنيين وبعدهما من السنوات والأيام قامت (إسرائيل) المخالفة لكل قوانين العالم وسنن الله والحياة، بعشرات المجازر والمذابح الشنيعة. دونما واعز ضمير وبلا محاسبة أو عقاب من مجتمع دولي يصغر كلما كانت القضية تخص العرق اليهودي ودولة بني صهيون. يصغر العالم نتيجة ضعفه أمام الغطرسة والعربدة الأمريكية التي تعبر عن موقف الصهيونية العالمية والفاشية العنصرية الحاكمة في كيان (إسرائيل) الصهيوني. فكل من يتجرأ على توجيه اللوم للصهاينة وادانة أعماله الشنيعة والعنصرية الحاقدة، سرعان ما تُذكره الصهيونية العالمية بالويلات التي تعرض لها اليهود في الحرب العالمية الثانية وفي أوروبا بالتحديد. وكأن ضحايا النازية لم يتوزعوا على كافة دول العالم وبالأخص الاتحاد السوفيتي وبولندا وحتى ألمانيا نفسها التي خسرت ملايين البشر. إضافة للحرب التي دمرت العديد من المدن الأوروبية بقنابل الطرفين الحلفاء والمحور. بالإضافة طبعا للمدينتين اليابانيتين اللتان قصفتهما طائرات أمريكا بالقنابل الذرية كأول اختبار نووي لإبادة جماعية لمدن كاملة في بلد ما من بلدان المعمورة.
عندما سأل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عن منظر استشهاد محمد الدرة وإن كان شاهده وما هو تعليقه على الحدث. أجاب بأنه مشهد يكسر القلب، لكنه حَمّل المسئولية للطرفين أي للقاتل وللضحية. وهذه فلسفة سياسية أمريكية التزمت بها أمريكا في تعاملها مع من تعتبرهم أعدائها من خلال صراعهم مع حليفها وصديقها الأبدي أي نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة. ولو أن بيل كلينتون الإنسان المؤمن والذي يصلي للمسيح وللرب كل يوم و يذهب كل يوم أحد إلى الكنيسة، تذكر تعاليم السيد المسيح التي نشرها يسوع المخلص في فلسطين ومن ثم العالم لتخليص البشرية من الظلم والقهر والاستعباد والاجرام، استفاد منها وتعلمها على حقيقتها وليس بالصيغة الصهيونية التي تستعمل لصهينة وتهويد الفكر المسيحي والمسيحيين خاصة في أمريكا. لكان تجرأ وقال الحقيقة كاملة، وفعل شيئا ما من أجل محمد الدرة وعائلته وكافة أطفال فلسطين ضحايا البشاعة الصهيونية اللعينة والسلاح الأمريكي المقدم من بلاد كلينتون لنظام القمع الصهيوني بلا شروط، وبدون مقابل في أحيان كثيرة. ولكانت الفرصة سانحة لكلينتون لأحداث تغيير جذري في عالم السياسة الأمريكية بالنسبة للصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. خاصة أنه كان على وشك نهاية ولايته ولم يعد بإمكانه ترشيح نفسه لرئاسة جديدة. فهذا يحرره من ضغط اللوبي الصهيوني ويعطيه دفعة هامة للعمل بإخلاص من أجل أيجاد حلا عادلا لمأساة الشعب الفلسطيني، التي كانت ولازالت أمريكا أحد أهم أسبابها. لكن كلينتون فضل أن ينهي حياته السياسية كما بدأها صهيونيا مثله مثل غيره من صناع القرار في أمريكا الاستعلاء والعداء.
دم محمد الدرة وصرخاته الأخيرة ستبقى تلاحقه هو وأعضاء ادارته حتى آخر لحظات حياتهم. فموته كان محتما بفعل الفظاعة والوحشية الصهيونية التي أصبحت أهم صفة من صفات اليهود في (إسرائيل) الصهيونية.
في موته المأساوي جدد الطفل محمد الدرة المطالبة بحل دولي عادل لمأساة الشعب الفلسطيني القديمة الجديدة، يعيد للفلسطينيين وطنهم المحتل. هذه المأساة تؤكد من جديد ضرورة انهاء الاحتلال وايجاد حلا عادلا وأخلاقيا يحفظ للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ويعيد لهم كما اسلفنا سابقاً ما سلبهم إياه الاحتلال الصهيوني الغاشم.
في استشهاده جدد محمد الدرة المطالب التي تقول بإحضار مجرمي الحرب اليهود الصهاينة إلى المحاكم الدولية من أجل محاكمتهم ومحاسبتهم أمام محاكم مجرمي الحرب الدوليين.
في الثلاثين من أيلول – سبتمبر الحالي تكون انتفاضة الشعب الفلسطيني دخلت في عامها الثالث، سائرة بحزم وثبات نحو هدف الحرية والاستقلال وبرنامج الغد المشرق والهادئ والآمن الذي يحتاجه أطفال فلسطين للعيش بسلام وأمان كباقي أطفال العالم.
صرخاتك يا محمد ستبقى تدوي عاليا في آذاننا وعلى مسامعنا ورصاصهم الحاقد. رصاصهم الذي أطلقوه نحوك لممارسة هواياتهم في قتلك وقتل الناس لن يتوقف وسوف يبقى يقنص أطفالنا وأهلنا إلى أن تتمكن إرادة شعبنا المنتفض والمقاوم من صده ورده نحوهم ونحو مجتمعهم الصهيوني العنصري.
30-9-2002