11 أيلول يوم الضحية والجلاد..
نضال حمد
لقد أراد الأمريكان ومعهم حلفائهم أن يجعلوا من هجمات 11 أيلول الماضي محرقة جديدة على غرار محرقة الحرب العالمية الثانية، تلك التي بفضلها أصبحت الحركة الصهيونية، حركة الاستعمار الرأسمالي والاستعلاء الأمريكي والصليبي المختارة.
معروف أن المحرقة التي يتحدثون عنها و يرهبون بها العالم الحر والآخر غير الحر أصبحت كالسيف المسلط على رؤوس الناس، أفرادا وجماعات وحكومات وهيئات ودول ومؤسسات، وحتى على الشخصيات الدينية والروحية والثقافية.
هي التي تجعل الممنوع مرغوبا والمجهول مفضوحا والمستور مكشوفا والعاقل مجنونا والصادق كاذبا والمؤمن كافرا والأمين نصابا والسياسي الأمريكي أو الأوروبي خادما لمآربها.
وتلك الجماعات التي جعلت من تلك المحرقة قميصها الملطخ بالدم هي نفسها التي تريد أن تجعل من هجمات 11 أيلول قميصا جديدا ملطخا بدم الأمريكي البريء وحليفه الصهيوني الأكثر براءة..!!؟
والقاتل المجرم، الإرهابي، وغير الإنساني، والذي يُمارس البطش والقتل,هو العربي والمسلم الذي يصلي باتجاه القبلة في شبه الجزيرة العربية وليس بإتجاه واشنطن ونيويورك وتل أبيب.
بفضل الخدمات الصهيونية المقدمة للاستعمار البريطاني وللاستعلاء العالمي حصل اليهود على وطن قومي لهم في فلسطين على حساب الفلسطينيين سكان وأصحاب الأرض الشرعيين. الذين قُذف بهم إلى التيه والتشرد واللجوء كيّ يرتاح مكانهم شعب الله المختار الذي لازال يعيش حتى يومنا هذا في حيرة وأحتيال. فلا هو قادر على حماية وجوده المرفوض، ولا هو زائل بحكم طبيعة الصراع المعقدة جدا، لكنه الحاضر الغائب والمفروض المرفوض.
لقد مضى على قيامه حوالي 55 سنة ومع هذا لازال معزولا في فلسطيننا التي يسميها (إسرائيل)، ومحاصرا بالتاريخ الدموي والهمجي الذي صنعته مذابحه ومجازره الشنيعة بحق الفلسطينيين. تلك المجازر التي تعتبر أكثر بشاعة ودموية من الهجمات التي تعرضت لها أمريكا في عقر دارها في 11 أيلول من العام الماضي. ويكفي أن نعدد بعضا منها حتى نعرف مدى مشاركة أمريكا في ذبح الشعب العربي الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية الأخرى التي تعرضت لاعتداءات إسرائيل أو للهجمات الأمريكية المباشرة. مثلما حصل في ليبيا” قصف منزل العقيد القذافي” وفي العراق ” مجزرة ملجئ العاملية وغيرها من المذابح المستمرة منذ حصار العراق بعد حرب تحرير الكويت واحتلال المنطقة” والصومال وفلسطين ولبنان.
وهل ننسى الآلاف الذين ذبحوا في المجازر الصهيونية البشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا وقبلهما مخيم النبطية الذي دمرته طائرات الفانتوم الصهيونية الأمريكية الصنع بشكل كامل. ومجزرة مخيم تل الزعتر شرق بيروت سنة 1977 .
وقصف الفاكهاني والصنائع في بيروت الغربية وقانا في جنوب لبنان ومخيمي جنين وبلاطة وحي الياسمينة في نابلس ودير ياسين… الخ كذلك مجازر كفر قاسم والطنطورة والصفصاف، ومجزرة حي الدرج في غزة. وعشرات أخرى من المذابح التي استعملت فيها (اسرائيل) السلاح الأمريكي المعفى من الضرائب أو الممنوح كهدايا وهبات للدولة الصهيونية المصطنعة في فلسطين المحتلة.
تاريخ 11 أيلول سوف يصبح التقويم الأمريكي الجديد الذي على أساسه يبدأ العد وتبدأ الماكينات الأمريكية و الصهيونية حساباتها مع الذين يتم فزرهم في خانة مع أو ضد أمريكا. في محاولتها إستعباد البشر مع أنهم ولدوا أحرارا. ولتلك المهمة جعلت أمريكا من شروطها شعارا وبرنامجا للعمل لما بعد مرحلة هجمات 11 أيلول.
أمريكا صنفت الشعوب والدول والأمم والحكومات والقبائل والعشائر والأحزاب والحركات وكذلك الجمعيات والبنوك والشركات والأشخاص والعائلات في خانة واحدة مع أمريكا أو ضد أمريكا ولا يوجد حل وسط:
مع الإرهاب الإسلامي والعربي – كما تسميه أمريكا – أو مع -الاستعلاء الأمريكي – كما هي الحقيقة …
وحسب التصنيف الأمريكي للعالم ما بعد أحداث الثلاثاء السوداء في 11 أيلول 2000 لا مكان للحلول الوسط أو للمواقف الوسطية، فإما معهم وضدنا أو ضدهم ومعنا..
أي مع الإرهاب الأمريكي ومع سياسة بوش التدميرية والبدائية والغبية التي فضلت أن تكون مع جنون رعاة البقر على أن تكون مع استخدام عقول البشر ..
مع منطق الاستعلاء والغطرسة والهمجية والقوة الفالتة لا مع الحقيقة والبحث عنها بأنجع السبل وأفضلها عبر البحث عن جذور العنف والإرهاب لمعرفة أسبابه ومسبباته وما الذي يجعل أمريكا مستهدفة عنوة عن الآخرين في العالم.
أمريكا تريد من العالم أجمع أن ينسى كل ما فعلته به ويديها الملطخة بدماء الأبرياء في أمريكا قبل وبعد إبادة الهنود الحمر واستعباد السود وترويعهم. كذلك نسيان كافة التواريخ الدموية والهمجية التي لازالت تلطخ وجهها الحقيقي الذي يصعب حجبه عن البشر في العالم. لازالت ذكريات الويلات والانقلابات الدموية حاضرة في عقول الناس من كل الأجناس، باستثناء بعض الجهلة من الأمريكيين الذين يعيشون على الدعاية الرسمية والاعلام الأمريكي الذي من السهل شراؤه ودس الأخبار وحملات التحريض والعداء للآخرين عبره. كما هو الحال في حملة التحريض المتبعة ضد العرب والمسلمين منذ أحداث العام الماضي وضد السعودية ومصر منذ فترة. أيادي الأمريكان ملطخة بدماء الأبرياء في العالم كما أيادي الذين نفذوا هجمات 11 أيلول ملطخة بدم الأمريكان
تلك اللاءات الأمريكية ليست أكثر من كلام فارغ سوف يكون الوسادة التي ستتكئ عليها أمريكا في حربها التي ستخوضها ضد الحريات والقرارات المستقلة وحرية الشعوب في اختيار حكوماتها وحكامها وفي إختيار سياساتها وتحالفاتها ورؤيتها للأمور وطرق حل مشاكل العالم.
أمريكا تريدنا أن نتذكر 11 أيلول وضحاياه دون أن نتذكر ضحايا العالم الذين يقدرون بمئات الآلاف، هؤلاء الذين قتلوا بسلاح أمريكي أو بأيدي أمريكية مباشرة وغير كباشرة، كما حدث في فييتنام ولاوس وكوريا وكمبوديا وغرينادا وكوبا المحاصرة منذ عشرات السنين لأنها قالت لا لأمريكا هذا الطاغوت الإمبريالي..
وتريدنا كذلك أن ننسى وأن لا نتذكر انقلابها الدموي على نظام الحكم المنتخب برئاسة سيلفادور الليندي في التشيلي وذلك يوم 11 أيلول الذي كان دمويا إلى أقصى الحدود في تشيلي. حيث كانت المخابرات الأمريكية تساعد الفاشيين من العسكريين الانقلابيين الذين أطاحوا بالنظام الديمقراطي. تساعدهم على ذبح الناس وإعدام البشر من المدنيين والحزبيين وحتى الأدباء والفنانين المحليين، وكذلك الصحافيين الأجانب الذين اكتشفوا تواطؤ أمريكا ومشاركتها المباشرة في الانقلاب المذكور.
بقي على أمريكا أن تطلب من الناس من كل الأجناس بأن يضعوا الورود والأزهار على قبور جنودها وعناصر مخابراتها، وأن يذرفوا الدموع على ضحاياها. وفي المقابل أمريكا نفسها تمارس الظلم والاضطهاد والإرهاب السياسي ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، من خلال دعمها غير المحدود أو المشروط للكيان الصهيوني وقيادته الفاشية، التي تتوافق رؤيتها للأمور مع رؤية الإدارة الأمريكية الأكثر سوءا في تاريخ أمريكا الحديثة.
11 أيلول الأمريكي هو يوم أمريكا في المرآة، أمريكا الجلاد والضحية في آن … أمريكا التي لازالت بصماتها السوداء موجودة في كل بقعة من العالم… وأمريكا التي لازالت آثار الهجمات عليها عالقة في الذهن وحاضرة في البال.
ولكي يعرف الأمريكان مدى تضرر العالم من غباء سياستهم وفشل قيادتهم في قيادة سفينة السلام والعدل والمساواة الدولية في عالم القطب الواحد، يكفيهم أن يفكروا بعقولهم بعيداً عن العاطفة والدعاية التي تتحكم بحياتهم ومصيرهم.
11 أيلول يوم الضحية والجلاد..
نضال حمد
2002 / 9 / 8