نحن والعالمين …
بقلم: نضال حمد
حال الشعب الفلسطيني ليس عال العال لكن الفلسطيني يقول بأمل وقناعة هذا واقع الحال، وما تغيير الواقع وتحويل المستحيل لحقيقة ممكنة التدجين والتسيّير إلا مجرد وقت من دماء وآلام ومعاناة وصبر وتحدي ونضال.
الشعب الفلسطيني الذي لازال صامدا على خط الدفاع العربي الأول منذ نكبته الأولى، لن يفرط بانتفاضته ولن يستسلم لشراسة وهمجية الاحتلال، ولا لمزاجية بعض قيادته . سيدافع ويصمد ويواصل المسيرة مثخنا بالجراح لكن مؤمنا أيضا بحتمية النصر وهزيمة الاحتلال.
هذا العشب يعرف أن رئيسه محاصر في رام الله ووحيد بين رفاق دربه، مع مرافقيه وحراسه ومساعديه ومن يبتغون مساعدته . ويعرف ان للمقاطعة رمزية فلسطينية بالرغم من أن ياسر عرفات بشخصه يشكل معضلة فلسطينية ومسألة صعبة الحلّ . فالرجل هو الذي بسياساته وتكتيكاته أوصلنا الى ما نحن عليه. لكنه الآن سجين في مكتب المقاطعة الذي تقطعت أوصاله وقطعت عنه لوازم الحياة والعمل بشكل طبيعي. يعيش محاصرا بمحتلين غرباء وأعوان جلهم من المنتفعين. ومطوقا بمزاجية شارون ومشيئة جيش الاحتلال . تخلت عنه الدول العربية قبل الغربية والشرقية، لم ترحمه سياسته الوسطية ولا اندفاعاته السلمية، حتى موافقته على كافة العروض السلمية من خريطة الطريق “المفخخة” حتى الانسحاب الأحادي الجانب من غزة “الملتهبة” لم تنفعه أيضا. فأوروبا الموحدة لازالت تتعامل مع الفلسطينيين والقضايا العربية وكأنها نفس أوروبا المقسمة. الخوف من الاندفاع الأمريكي الاستعلائي والعنصري والتحسب من مغامرة أمريكية حربية عالمية بعد إعلان الإدارة المحافظة الأمريكية حربها على الإرهاب والإرهابيين في العالمين الغربي والعربي، جعل المواقف الأوروبية أكثر اعتدالا وليونة وميولا للسياسة الأمريكية المنفلتة. ربما يكون ذلك محاولة أوروبية لكبح جناح التطرف الأمريكي العالي المستوى لكنها محاولة تأتي على حسابنا.
الشعب الفلسطيني يدفع جزء من ثمن هذه السياسة، سياسة الأمر الواقع، وتدفعه كذلك القضية الفلسطينية عبر محاولات الشطب التي تتعرض لها الحقوق الفلسطينية العادلة والمقدسة.
أمريكا وبغض النظر عن أي كان الحاكم أو الرئيس فيها ملتزمة بأمن وحياة “إسرائيل” على أرض فلسطين المحتلة. وتكرر هذا الكلام مؤخرا وبكل صراحة ووقاحة على لسان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في معرض حديثه عن كتاب حياته الذي يكتسح الأسواق . المرء ليس بحاجة لكلام كلينتون كي يعرف مدى التزام الولايات المتحدة الأمريكية بعداء الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، مع اأن هذا الشعب لم يكره أمريكا ولم يعاديها في السابق. بل أنجب لها عددا من المبدعين من أمثال البرفسور ادوارد سعيد والبرفسور هشام الشرابي وآخرين كُثُر. وبعكس ذلك فإن أمريكا هي التي عادته ولوعته ولازالت تعاديه وتلوعه. إذ نظرة سريعة على عهد جورج بوش الابن وحده وما نتج عنه من سياسة أمريكية بحق القضية الفلسطينية يجد الإنسان أن إدارة بوش أشد عداوة للفلسطينيين من بعض (الإسرائيليين). وتوجت الولايات المتحدة سياستها تلك بوثيقة أو وعد بوش بحرمان اللاجئين الفلسطينيين من العودة والتصدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة .
في ظل حصار كبير وخطير يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني تمت أيضا عملية قرصنة حرية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. فوافق عليها العرب والأجانب، ثم تكيف معها عتاريس السلطة الفلسطينية وحركة فتح والمنظمات الفلسطينية الدائرة في فلكها وأعضاء المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كذلك أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح، وفي الختام أعضاء المجلس التشريعي العتيد. غالبية هؤلاء اعتادوا حصار سيدهم، صانعهم سياسيا وتنظيميا، فهم طلقاء وهو سجين، وهم يتحركون وهو محاصر، وهم يجوبون الوطن ببطاقات خاصة وهو يجوب غرفته بحصار خاص .
يدفع ياسر عرفات ثمن تربيته لهؤلاء و”ربربتهم” ثمنا النهج الشللي والسياسة التربوية الفئوية التي أنجبت فاسدين ومنافقين ومرتبطين، حيث المحسوبية والاستزلام واللا أخلاق في العمل واللا مبادئ واللا كرامة. الم يكن بإمكان هؤلاء التضامن مع رئيسهم والعمل الجدي لفك الحصار عنه، ولو للمحافظة على ماء وجوههم؟
كانوا ولازالوا يستطيعون ذلك لكنهم لن يفعلوا لأنهم مع “الحيط” الواقف كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني. والسلطة الفلسطينية لازالت أفضل مكان لأي فاسد ومفسد في فلسطين، حيث هناك يجد اللصوص والتجار والأوباش أمكنتهم الطبيعية وفرصهم الذهبية. وكم من التجار ورجال الأعمال الوهميين ولصوص المال العام صعدوا وتسلقوا على جبل الجماجم والتضحيات الفلسطينية؟
هؤلاء منهم من رحل ومنهم من ينتظر ومنهم من يعمل في السلطة من مجلس الوزراء الى مجالس العملاء وما أكثر هؤلاء .
كيف يمكن للدول الأوروبية المحترمة أن تحترم هكذا سلطة وهكذا قادة ؟ لا يمكن ذلك ولا يمكن لبعض دول أأوروبا أن تكون فلسطينية المواقف مادامت السلطة الفلسطينية نفسها بلا مواقف. وبلا برنامج وبلا هدف واضح . ففي الموقف الرسمي الفلسطيني يكمن التقهقر السياسي والعجز التفاوضي والسأم الدبلوماسي، لا يوجد سياسة فلسطينية ولا تخطيط فلسطيني ولا أي شيء يمكن التعامل معه عالميا بجدية. فالسلطة التي تلعب بالقضية في جنيف عبر إرسالها شخصيات سياسية لعقد اتفاقيات مشبوهة ومرفوضة مع شخصيات (إسرائيلية)، اتفاقيات تتخلى عن الأرض والحقوق وتعطي الاحتلال صك براءة من دم الضحية وأكثر من ذلك تمنحه الأرض والحق، وتوافقه بأن دولتهم الاحتلالية لليهود وحدهم، مما يعني أنها تحرم أبناء جلدتها وهؤلاء سبعة ملايين منهم خمسة ملايين أو أكثر لاجئين خارج وطنهم، ومليونين لاجئين وغرباء في وطنهم وعلى أرضهم. هذه السلطة التي تتخلى عن الحقوق لا تستحق الوجود . أما أوروبا التي لها مصالحها في المنطقة والعالم، فهذه القارة العملاقة والجارة القريبة، التي تتحمل مسئولية تاريخية في قمع وقتل اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، كما تتحمل نفس المسئولية التاريخية في تعاملها مع المذبحة الفلسطينية التي تمت وتتم على يد الحركة الصهيونية بدعم منها، سوف لن تستطيع القفز بسهولة فوق تاريخها الأسود مع اليهود، لكنها سوف تقع بنفس المطب في صمتها وتغاضيها عما يحدث في فلسطين للعرب الفلسطينيين . نعرف ان الموروث التاريخي يجثم على صدر السياسة الأوروبية بقوة. وبسبب تلك الحمولة الثقيلة تكون عادة المواقف الأوروبية أقل حدة وتأثيرا وجدية و قوة.
بهذا الصدد كنت سألت أحد القادة السياسيين النرويجيين عن سر تعاملهم الغير منصف مع الفلسطينيين. واستفسرت منه عن عدم الاتزان في المواقف، وسألته: لماذا تُسمون الهجمات الفلسطينية ضد (الإسرائيليين) إرهابية، وبنفس الوقت تقولون عن الإرهاب (الإسرائيلي) اليومي على الفلسطينيين أعمالا حربية ؟؟ كان جوابه: السبب في ذلك الموروث التاريخي، الهولوكوست، المحرقة، التاريخ اليهودي في أوروبا والعداء للسامية … الخ .
بالرغم من السواد الذي لف ولازال يلف المواقف الأوروبية إلا أن هناك سحابا أبيض يتجه نحو فلسطين، وما زيارة الوزير الفرنسي للأراضي الفلسطينية المحتلة ولقاؤه بالمسئولين الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس عرفات سوى سحابة أوروبية بيضاء تمسح قليلا من السواد عن حقيقة أن أوروبا لازالت عاجزة وتابعة ومترددة في سياساتها الشرق أوسطية. وبين تردد أوروبا وانهزام العرب وانحياز أمريكا الكامل لصف (إسرائيل)، لا بد من ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز وحدته وتنظيفه من القمامة السياسية ورواسب الفساد والهزيمة والمحسوبيات والارتباطات المشبوهة، حتى يمكن للفلسطيني أن يحقق إنجازات معقولة ومقبولة في معركته الصعبة والمعقدة .
نضال حمد
تاريخ النشر : 29.06.04