إيران وأمريكا.. نحو إعادة تقييم استراتيجية بعد فيروس كورونا – منير شفيق
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن خطوة سحب الولايات المتحدة أنظمة صواريخ باتريوت وبعض الطائرات المقاتلة من السعودية جاء بناء على تقديرات المسؤولين الأمريكيين أن طهران لم تعد تشكل تهديدا للمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة.
ثمة قانون في علم الحرب، وفي السياسة، يعتبر تسلُّح عدوك، أو خصمك، أو منافسك، وتعزيز قواته العسكرية الميدانية عديداً وتدريباً وتجهيزاً بمثابة حرب غير معلنة، ويجب أن يُعتبر كذلك، وأن يُواجه بعملية تسلح أقوى وأفعل، وبقوات ميدانية عديداً وتدريباً وتجهيزاً أكثر وأفضل. هذا إذا لم يكن بالإمكان منعه من المضي قدماً بالاستعداد للحرب من خلال حرب استباقية، أو إجهاضية، أو بممارسة ضغوط تفعل بالمحصلة ما تفعله الحرب.
ما إذا لم يكن بالإمكان لأي سبب من الأسباب شنّ الحرب الاستباقية الإجهاضية فوراً، ولم يكن بالإمكان ممارسة ضغوط تؤدي إلى الغرض نفسه الذي تؤديه الحرب، فعندئذ لا طريق إلا سباق التسلح والإعداد وانتظار وقوع الحرب.
الحصار الخانق الذي تضربُه أمريكا على إيران والذهاب بالضغوط المتبادلة إلى حدود عدم اندلاع الحرب الواسعة، أو ما يمكن تسميته: “حتى حافة الهاوية”، لماذا؟ أو كيف يفسر؟
قادة أمريكا وقادة الكيان الصهيوني يعتبرون إيران هي المسؤولة عن تسليح المقاومتين في قطاع غزة ولبنان ضد الكيان الصهيوني. والأهم يعتبرون برنامجها الصاروخي البالستي، وما كشفت عنه من تطوير لقدرات تكنولوجية حين أسقطت الطائرة الأمريكية المسيرة من علو 50 ألف متر، أو حين قصفت القاعدة العسكرية “عين الأسد” الأمريكية في العراق، يشكل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، أو على الأقل يشكل حرماناً لجيش الكيان الصهيوني من امتلاك التفوق العسكري الكاسح على المنطقة العربية- التركية- الإيرانية، كما كانت المعادلة بعد عام 1950 حتى 2000. هذا ناهيك عن الإشكال بأن إيران تدخل عالم التكنولوجيا النووية.
كان المساس المتواضع في معادلة ميزان القوى بين الكيان الصهيوني وأية دولة عربية، أو مقاومة فلسطينية، وبما لا يُقارن مع الاهتزاز لتلك المعادلة في الوقت الراهن، مدعاة لشن حرب استباقية أو توسعية أو تأديبية لا تبقي ولا تذر. وهذا ما حدث في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وفي 1967، وفي 1982 ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان، وفي 1991 و2003 ضد العراق.
وهنا ينشأ السؤال لماذا تأخر شنّ الحرب من قِبَل الكيان الصهيوني أو أمريكا ضد إيران طوال العشر أو الخمس سنوات الماضية مع كل ما أحدثته وتحدثه إيران من تطوير لسلاحها وقدراتها العسكرية؟ بل لماذا تأخر شنّ الحرب من قِبَل الكيان الصهيوني لعشر أو خمس سنوات ضد حزب الله، وهو يتسلح ويطوّر قدراته العسكرية يوماً بعد يوم؟
بل ومنذ أكثر من سنة، أعلن نتنياهو أن حزب الله يحوّل صواريخه البالستية، إلى صواريخ ذكية (تصيب هدفها المحدد بهامش قليل جداً من الخطأ).
ومع ذلك تسمع قعقعة ولا ترى طحناً. علماً أن كل يوم تأخير يعني أن الخسائر والمخاطر على الكيان الصهيوني تصبحان أشد مما كانت عليه.
وأن الوضع نفسه بالنسبة إلى قطاع غزة، ولو نسبياً، بأقل إمكانات، بسبب بُعده وحصاره فلسطينياً ومصرياً وعربياً. ولكن بخسائر ومخاطر يجب أن يُحسب لها ألف حساب كذلك.
لا يمكن أن يكون هنالك من سبب لتأخر شنّ الحرب أمريكياً وصهيونياً على إيران وحزب الله أو قطاع غزة، خصوصاً إيران وحزب الله، إلاّ العجز عن شنّ حرب سهلة منتصرة، وبأقل حد من الخسائر، كما كان يحدث في الماضي. أي في الماضي يوم كانت الحرب تنتظر وراء الباب لتشنّ عند أول مساس، مهما كان متواضعاً، لمعادلة ميزان القوى في المنطقة.
وإلى جانب هذا البعد ليكتمل التفسير المقنع يجب أن يُضاف، حساب الخسائر والمخاطر في عمق الكيان الصهيوني، فيما كانت جبهته الداخلية في الحروب السابقة آمنة، أو شبه آمنة، أما الآن فلا تعد آمنة أبداً في ظل القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة.
إن كانت المعادلة كذلك قبل جائحة كورونا فكيف ستكون بعدها؟ ثمة إجماع على أن ما بعد جائحة كورونا لن يكون كما قبلها. ولكن بالتأكيد ليس بسبب فعلها المباشر بالرغم من أنها ستؤثر في الجميع سلباً، وإن بتفاوت. فما بعد فيروس كورونا، سيعيد إنتاج ما كان قبلها من صراعات وتناقضات. ولكن بعضها بصورة أقوى إلى مستوى التفاقم، وبعضها بصورة أضعف وأخف.
وبعد، فلنسلم جدلاً بالسببين المذكورين أعلاه لعدم وقوع الحرب قبل انتشار فيروس كورونا، فماذا بعد الانتشار الفيروسي؟ الحصار الأمريكي الخانق على إيران اشتد مع هجمة انتشار كورونا، وهو بمثابة حرب ولكنه ليس حلاً ولا يمكن الاكتفاء به، ما دامت إيران صامدة. بل مستمرة في تطوير صواريخها. وليس هناك ما هو أبلغ من إطلاق قمر صناعي، وهي في وسط الحصار وفي عين عاصفة كورونا.
الأمر الذي يعني أن المواجهة بين أمريكا وإيران سوف تتعاظم بعد كورونا ما دام الكيان الصهيوني يفضل أن تكون أمريكية- إيرانية، من أن تكون بينه وبين حزب الله. ولكن ستكون موازين القوى العالمية قد فعلت فعلتها في مصلحة إيران، بسبب ارتفاع حدة الصراع بين أمريكا والصين على إثر انتشار فيروس كورونا إلى مستوى قد يصل حافة الهاوية. وهنا ستتحول الصين إلى حليف لإيران ومناصر لها أكثر من ذي قبل أضعافاً، إذا ما وُضِعت بالزاوية.
كما قد يأتي ما بعد كورونا في الاتجاه نفسه، إذا ما تصاعد الصراع الأمريكي- الروسي. وهو احتمال أقوى من التفاهم الأمريكي- الروسي بالشروط الروسية. ولكن على أية حال روسيا بحاجة إلى علاقة قوية مع إيران، ولو بالمستوى الحالي. فكيف إذا احتدم صراعها مع أمريكا.
أما الكيان الصهيوني ما بعد كورونا فسوف يصبح أضعف مما كان قبلها، أو في أثنائها، ولا سيما إذا ما ذهب إلى ضم الأغوار. الأمر الذي سيفاقم معركته مع الفلسطينيين، ويزيد من عزلته العالمية، ويربك عدداً من المطبعين معه. فالانتفاضة ربما تكون على الأبواب بعد كورونا.
وخلاصة، إن ميزان القوى في المنطقة العربية، الإيرانية- التركية لن يكون في مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني بعد جائحة كورونا، ليس بسببها مباشرة. لأن الرياح التي تهب في أثنائها أو ستهب بعدها ستكون باتجاه الرياح السابقة لها. وما دام دونالد ترمب هو القادم بعد كورونا، كما ترجح الاستطلاعات الأمريكية، فهو على الأغلب في غير مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني، بالرغم من أنف “صفقة القرن” التي لم تعد تذكر