جبهة النصرة: لم نحتل اليرموك كي ننسحب منه – نضال حمد
جبهة النصرة للفصائل الفلسطينية المفاوضة : لم نحتل اليرموك كي ننسحب منه
اهتمت المواقع التي تعنى بشؤون مخيم اليرموك المحتل قرب دمشق بالأخبار التي انتشرت عن فشل مفاوضات بعض الفصائل الفلسطينية ومنها حركة فتح وسفير فلسطين في دمشق محمود الخالدي، التي انتهت الى الفشل الذريع بسبب تعنت موقف جبهة النصرة وإصرارها على احتلال مخيم اليرموك ورفض الانسحاب منه. تطبيقا للاتفاق الذي أبرمته كافة الأطراف المعنية بعد احتلال المخيم، والذي قضى بتجنيب مخيم اليرموك في الصراع الدائر بسورية، واعتباره منطقة آمنة خالية من المسلحين التابعين لجميع الأطراف، وتشكيل لجنة شعبية لقيادته ولتسيير أعماله وعودة سكانه الذين تشردوا ونزحوا عنه الى منازلهم. فقد تم ابلاغ الطرف الفلسطيني المفاوض هذه الأربعاء 2-1-2013 أن جبهة النصرة لا يعنيها الاتفاق المبرم بين الفصائل ولن تنسحب من المخيم الذي احتلته قبل أكثر من 10 أيام .
جدير بالذكر ان جبهة النصرة ما كانت لتستطيع احتلال حتى حارة واحدة في مخيم اليرموك لولا خيانة و تواطؤ بعض أبناء المخيم، الذين سلموهم أو باعوهم بعض المحاور والأحياء في المخيم كما حصل في منطقة الدوار وفي حي العروبة. ولولا قرار غالبية سكان المخيم بعدم التدخل في المعركة وتحييد المخيم المواجهة بين النظام والجيش الحر حفاظا على الأخوة الفلسطينية السورية.
نستطيع القول أنه هنا بالذات أخطا أهل المخيم وأخطأت القيادات السياسية والشعبية إذ غاب عن بال هؤلاء جميعا أن المسلحين المُحاصِرين سابقا والمُحتَلين حاليا للمخيم والذين كانوا يعتدون عليه، لهم هدف واحد هو إسقاط النظام والاقتراب من دمشق العاصمة، خاصة أنهم (المسلحين) بغالبيتهم من جبهة النصرة، التي جاء مقاتلوها من جهات الدنيا كلها، كي يبنوا إمارة إسلامية جهادية في هذه المنطقة. فهؤلاء تسلموا المخيم بدون مقاومة تذكر باستثناء ما جرى في مقر الخالصة التابع للجبهة الشعبية القيادة العامة، الأكثر تسليحا وعددا من بقية الفصائل الفلسطينية في سورية. يعرف أهل المخيم والمتابعون لشؤون اليرموك أنه لولا مساعدة ومساندة بعض أبناء المخيم الذين انضموا للخداع ضمن اللجان الشعبية حيث قاموا فيما بعد ببيع وتسليم مناطق منه لجبهة النصرة. لولاهم لما كانت الجبهة تستطيع الدخول الى المخيم.
في نفس الوقت كانت مواقف الفصائل الفلسطينية بغالبيتها الساحقة مترددة وحائرة وصامتة أو حتى جبانة، في حين أن بعضها كان متآمراً. ولم ترتق هذه الفصائل التي أشبعت أهل اليرموك وشعب فلسطين تصريحات وضجيج الى هول الحدث. إذ لغاية يومنا هذا لم نسمع أي من الفصائل وبالذات حماس وفتح تدينان احتلال مخيم اليرموك، ورفض جبهة النصرة الانسحاب منه، والسماح لسكانه بالعودة الى منازلهم، التي نهبت ودمر بعضها أو تم تحويله الى مقرات للجبهة، وتم تلغيم وتفخيخ البعض الآخر من المنازل والأبنية والمتاجر. الحركتان الأكبر لم تدينا كما كانتا تفعلان حين كان يقصف المخيم من قبل الجيش العربي السوري.
لقد سمعنا كثيرا وأكدت لنا بعض المصادر في المخيم بأن هناك مقاتلين من أتباع الحركتين يقاتلون مع الجيش الحر وجبهة النصرة في اليرموك. الحركتان كذبتا ذلك لكنهما لم تعلنا رفع الغطاء عن الأتباع الذين التحقوا وقاتلوا ويقاتلون مع النصرة والحر. فقبل أيام نعت مواقع حركة حماس في غزة أحد قادة القسام “محمد قنيطة” من مخيم الشاطئ في غزة، الذي قتل في صفوف الجيش الحر أثناء عملية ضد الجيش العربي السوري قرب مطار ادلب. علق على ذلك بعض كوادر وأعضاء حماس في مواقع التواصل الاجتماعي بأن قنيطة كان سابقا في حماس. كما هو الأمر في حالة سائق ومرافق الأستاذ خالد مشعل الذي اتهم بالعمل لصالح جبهة النصرة والجيش الحر في المخيم.
أحد أبناء مخيم اليرموك، المناضل التقدمي الفلسطيني جمال الشهابي، الذي عمل مع الحكيم الراحل جورج حبش لسنوات طويلة كتب في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك معلقا: ” … ماذا فعل لكم مخيم اليرموك حتى تغتالوه وتعيثوا به فساداً وخرابا ؟ شردتم أهله وزرعتم الدمعة في عيون أطفاله، حجتكم القذرة بأن القيادة العامة (احمد جبريل) موالياً للنظام !! أسألكم … هل أرسل جبريل عناصره لتقاتلكم في درعا أو باب عمرو ؟ يا … لو كان عندكم ذرة من الكرامة والشجاعة لما شردتم شعب يعاني من اللجوء وينتظر حلم عودته. أمطرتم مخيم اليرموك بقذائف الهاون حقدا من قلوبكم السوداء على شعبنا، قطعتم رؤوس الناس كفراً وظلماً. ألم تشبع نفوسكم الجائعة بعد من ريالات حمد؟ خذوا ما سرقتموه من بيوتنا وانصرفوا. وهل كان قادة أركان الجيش السوري في اليرموك، تكبرون وتهللون وكأنكم تحرروا الأقصى . لعنه الله عليكم … المصيبة ليست بكم فأنتم … المصيبة الكبرى بقيادات شعبنا وأولهم السيد مشعل الذي هان عليه أن يذبح ويشرد شعبه من عصابات مجرمه معلوم للجميع من يمولها ومن يفتي لها ومن يحرض بإعلامه المأجور لها .”.
بالمقابل طالبت صفحة أسرار مخيم اليرموك من الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة الجهاد الإسلامي وأيضا من الجبهتين الشعبية والقيادة العامة لتحرير فلسطين بالعمل الجاد للتخفيف من حالة حصار المخيم التي يفرضها الجيش وتجنيب المخيم الدمار…”. فالجيش السوري يضرب طوقا مشددا على مخيم اليرموك الذي يخضع لاحتلال جبهة النصرة والجيش الحر اللذان يرفضان الانسحاب منه. ولم يعد الأمر مقتصرا على مخيم اليرموك فمخيم سبينة أيضا يتعرض لسيارات ملغمة ومفخخة ولقصف مدفعي أدى ويؤدي لسقوط شهداء وجرحى ودمار.
وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تمر بها مخيمات الفلسطينيين في سورية نشرت اليوم اللجان الشعبية الفلسطينية رسالة توضيحية قالت فيها :
“هناك بعض الصفحات الفلسطينية والسورية تنشر أن أوضاع المخيم مقبولة وفي تحسن مستمر وسوف تصبح أفضل مما كانت عليه، لكي تزرع في عقولكم فكرة ان مخيم اليرموك بيد العصابات الإجرامية الوهابية أفضل مما كان عليه عندما كان بيد اللجان الشعبية، ونحن نؤكد ان أوضاع مخيم اليرموك مبكية ومأساوية وشوارع مخيم اليرموك فارغة وحركة السير شبه معدومة والمحال التجارية أفلست والقليل منها يفتح لأجل ما تبقى من سكان مخيم اليرموك وتفجيرات إرهابية وتفخيخ الطرق والمباني خوفاً من دخول الجيش السوري “.
معروف للمتابعين ان أوضاع مخيم اليرموك يرثى لها وأن المخيم الذي استبيح ويخضع لسيطرة المسلحين صار غابة من البنادق، وفي كل يوم هناك تفجيرات وقنص وقصف متبادل وأن السكان الذين عادوا الى المخيم أصبحوا عرضة لخطر الموت اليومي. يقول بعض سكان المخيم أن المسلحين حولوه الى إمارة إسلامية صغيرة على غرار “طورا بورا” في أفغانستان، حيث نادرا ما يرى الإنسان علما فلسطينيا أو سوريا أو حتى علما للجيش الحر حليف جبهة النصرة، فغالبية الرايات هي الرايات السوداء التابعة لتنظيم جبهة النصرة. ويضيف آخر أنه في تلك الإمارة الصغيرة بمخيم اليرموك وبالتحديد في شارع العروبة “هنالك بعض المجموعات هددت بقطع لسان كل من ينتقد الجيش الحر وبقطع يد كل من يسرق الكهرباء، وهم محلل لهم السرقة تحت اسم «غنائم» لأنهم في ساحات الجهاد.”.
وتقول مصادر اللجان الشعبية في المخيم المحتل أن هناك كثير من المقاتلين الأجانب التابعين لجبهة النصرة وبالذات في شارع ال 15 حيث ينصبون حواجز ويدققون في السيارات ومعهم مترجمين. ويضيف المصدر أنهم يقومون أحياناً بتفتيش السيارات بطريقة طائفية، إن كنت اردنياً فمرحباً بك وإن كنت دومانياً او حمصياً او درعاوياً فأنت في قلوبنا، إن كنت عراقياً آلاف الأسئلة شيعياً أم سنياً، إن كنت ساحلياً من المستحيل دخولك وحتى من المستحيل تركك تفلت من أيديهم، تفتيش النساء في بعض الأحيان.
إن كان هنالك حركة مقبولة في إحدى المناطق او شوارع مخيم اليرموك تتحول المنطقة إلى ساحة حرب واشتباكات «وهمية» لإفراغ المنطقة والتفخيخ والسرقة كما يحلو لهم. أينما تتحرك ترى المسلحين ذو الذقون الحمراء والشقراء والشعر الطويل.
مخيم اليرموك إن لم تقم الفصائل ومعها سكان المخيم باتخاذ قرار مؤلم وصعب ومكلف بإخراج جبهة النصرة منه بالقوة والمقاومة والمواجهة فإنه بالتأكيد سوف يتحول الى نهر بارد جديد، نهر أسود في تاريخ جبهة النصرة وكل من يتبعها ويدعمها ويساندها. فجبهة النصرة تعي ما تقول وهي قالت دخلنا المخيم كي نبقى فيه لا كي ننسحب منه. ويوم احتل المخيم أكد هذا الكلام الشيوعي السابق نصير جبهة النصرة جورج صبرا حين قال ” مخيم اليرموك أرض سورية حررناها كي نواصل الطريق الى دمشق”. وكنا في مقالات سابقة ذكرنا الجميع بهذا الكلام وقلنا لهم في حينه ان الذين اعتدوا على اليرموك لأشهر طويلة، وقطعوا رؤوس الناس، وروعوا الأهالي والسكان، لم يدخلوا اليرموك كي ينسحبوا منه بهذه البساطة وبناء على طلب ورغبة الفصائل الفلسطينية التي تقاعست في الدفاع عن المخيم وسكانه.
* مدير موقع الصفصاف
safsaf.org – 02-01-2013