30عاما على ارتقاء الأسير “خضر ترزي” جراء التعذيب
بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
المسيحيون الفلسطينيون هم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، تعرضوا للظلم التاريخي والتشريد والاعتقال والتعذيب كما الآخرون، وانخرطوا في النضال ضد الاحتلال وقدموا تضحيات جسام، وبرزت منهم القيادات التاريخية التي شكلت معالم بارزة في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وآلاف منهم ذاقوا مرارة الاعتقال وفظاعة التعذيب وقسوة السجان، واحتجزوا مع المعتقلين المسلمين في ظروف سيئة، وتعرضوا لما تعرض له باقي المعتقلون من معاملة لا إنسانية، وصنوف مختلفة من العذاب والحرمان. فكانوا شركاء في الألم والصمود والنضال خلف القضبان، وشكلوا عناوين بارزة لوحدة الألم والدم والمصير المشترك. إذ برزت منهم نماذج رائعة وقيادات متقدمة، ورموز متميزة للحركة الوطنية الأسيرة. كما وأن قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة لم تخلُ من أسماء المسيحيين.
“خضر إلياس ترزي”.. عربي الانتماء، فلسطيني الهوية، مسيحي الديانة، اختط الثورة طريقاً ومقاومة الاحتلال نهجاً وخياراً . فقبض على حجره المقدس وقذف الاحتلال به، معبراً عن رفضه لوجوده ولاستمرار احتلاله لوطنه الفلسطيني ومقدساته الاسلامية والمسيحية. فكان أول من ارتقى في سجون الاحتلال خلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت أواخر عام 1987.
“خضر” من مواليد الثامن من آب / أغسطس عام 1968 في حي الزيتون شرق مدينة غزة، وهو واحد من آلاف الفلسطينيين المسيحيين الذين اعتقلوا وتعرضوا للضرب المبرح وللتعذيب القاسي.
“خضر ترزي” كبر وترعرع بين أزقة حي الزيتون، ومن ثم انتقلت أسرته لتسكن في حي الصبرة وسط المدينة، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الإمام الشافعي، والإعدادي في مدرسة الزيتون الإعدادية، وواصل تعليمه الثانوي في مدرسة الكرمل بالقرب من مستشفى الشفاء بغزة، وكان معطاءً أحبه أصدقاؤه وجيرانه ومدرسوه وكان يشارك في أغلب النشاطات المدرسية.
وعانى كما باقي أبناء شعبه من ظلم الاحتلال وعنجهيته وممارساته الدموية، والذي لا يميز ما بين فلسطيني وفلسطيني، مسلم أم مسيحي، فالكل سواسية أمام شواخص استهدافه وممارساته القمعية، كما وأن حال المقدسات المسيحية تحت الاحتلال لا تختلف عن مثيلتها المقدسات الإسلامية.
ومع اندلاع انتفاضة الحجارة الشعبية وتزايد مشاهد القتل والدمار، لم يقبل ” خضر” أن يبقى واقفا على قارعة الطريق، فقبض على حجره وقذف به جنود الاحتلال كشكل من أشكال المقاومة المشروعة للتعبير عن رفضه لممارساته ولوجوده فوق أرضه .
وفي الثامن من شباط / فبراير عام 1988 وبعد شهرين فقط على اندلاع الانتفاضة اعتقلته قوات الاحتلال (الإسرائيلي) ولم يكن حينها يعاني من أية أمراض، لكنه تعرض ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله لتعذيب قاسي وضرب مبرح داخل الجيب العسكري وتم ربطه على مقدمة الجيب العسكرية، وحين وصوله لمعتقل أنصار2 غرب مدينة غزة، رفضت إدارة المعتقل تقديم العلاج له بذريعة أنه في الرمق الأخير من حياته. كما ورفضت استقباله لخطورة وضعه الصحي.
وبعد ضغط وصراخ من الأسرى اضطر الجيش لنقله إلى مستشفى سوروكا ببئر السبع، حيث فارق الحياة هناك بعد يوم واحد فقط وذلك في التاسع من شباط / فبراير عام 1988 وكان يبلغ من العمر آنذاك 20 عاماً ، وبعدها تم نقله إلى معهد أبو كبير الطبي وتعتقد عائلته أنه قد تم سرقة بعض أجزاء جسده هناك.
و قد أكد التقرير الطبي بأن سبب الوفاة كانت “قسوة التعذيب والضرب المبرح، كسور في جمجمة الرأس، كسر في العامود الفقري، وكسور وكدمات أخرى في أنحاء متفرقة من جسمه”، وهذه العلامات وآثار التعذيب بدت واضحة على جثته قبل دفنها.
ثلاثون عاماً مرت على رحيله، وذكراه لا تزال باقية فينا، وصورته ماثلة أمامنا، واسمه محفور في عقولنا وقلوبنا. ورحيله يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين هذا الفلسطيني أو ذاك، كبر أم صغر، ذكر أم أنثى، وبغض النظر عن انتمائه الحزبي وتوجهاته الفكرية والسياسية، أو ديانته، الإسلامية أم المسيحية. إذ أن المسيحيين كانوا ولا يزالوا شركاء في الألم والأمل. وأن العلاقات الإسلامية -المسيحية في فلسطين ، كانت وستبقى متميزة ومتينة ، وأن الفلسطينيين أيا كانت ديانتهم مسيحية أم إسلامية يعيشون إخوة وأصدقاء في العمل والعلم وجيران في المسكن وفي النضال ضد الاحتلال ومن أجل الحرية والاستقلال.