الاحتلال يناور لمقايضة إعمار الأقصى وصيانته بإغلاق مصلى باب الرحمة
ثانياً: إن سحب صلاحيات الترميم من الأوقاف الأردنية سياسة ثابتة للاحتلال، يمضي إليها بشكلٍ متدرج، انتقلت في الحقبة الماضية من منع الترميم إلى منع أعمال الصيانة الروتينية لشبكات الكهرباء والإنارة والحجارة المتضررة. والمحتل يقصد وضع المسجد بأبنيته التاريخية التي يزيد عمر معظمها عن ألف سنة تحت سيف الإهمال والتآكل بتغييب يد الصيانة والعناية المستمرة، وهو ما يهدد بتدمير أهم إرثٍ تركه الأردن في المسجد الأقصى المبارك عبر الإعمارات المتتالية التي سمحت للمسجد الأقصى بالوصول إلى إحدى أفضل حالاته المعمارية تاريخياً رغم قيد الاحتلال على مدى عقودٍ من الزمن، والمحتل اليوم يتطلع إلى الإضرار بالأقصى بكل الوسائل الممكنة بما فيها محو هذا الإرث.
ثالثاً: لقد اغتصب المحتل عملياً جزءاً مهماً من صلاحيات الترميم من الأوقاف التابعة للأردن، حين تولت بلدية الاحتلال ترميم السور الجنوبي الغربي للأقصى في شهر 1-2019 وهي ترميمات مستمرة حتى اليوم، وحين تولت شرطة الاحتلال مباشرة ترميم الخلوة الجنبلاطية التي تغتصبها في صحن الصخرة في شهر 5-2019، واستولت على غرفة تسوية تقع تحتها، وهو ما يهدد بشكلٍ وجودي دور الأوقاف والأردن في إعمار المسجد الأقصى المبارك، ويؤكد أن مقايضة إغلاق مصلى باب الرحمة ليس إلا مناورة تكتيكية من طرف الاحتلال، وأن اغتصاب صلاحية الإعمار من الأوقاف الأردنية سياسة ثابتة ماضية في طريقها ينبغي التصدي لها، والتكيف معها ليس خياراً.
رابعاً: ما زال العدوان على الأقصى يقع في قلب أجندة الدولة الصهينية بمختلف أطيافها، وقد باتت محكومة بأطياف اليمين الديني-القومي. وأمام الانتخابات “الإسرائيلية” المقبلة فمن المتوقع أن يكون العدوان على المسجد الأقصى المبارك موضوعاً مركزياً للمزايدات الانتخابية بين تلك الأطياف، وهو ما يؤكد ضرورة التعامل مع المسجد الأقصى المبارك والعدوان بوصفه عنوانًا مركزيًّا من عناوين المواجهة مع المحتل.
خامساً: أمام تراجع الموقف الرسمي العربي يبقى التعويل على الموقف الشعبي فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وهو الموقف الذي تمكن من فرض إرادته في هبة باب الأسباط 2017 وهبة باب الرحمة 2019 وصنع تجربة الفجر العظيم في 2020، ونداؤنا للتيارات والحركات الشعبية أن تجعل ما يجري في الأقصى في قلب اهتمامها، فحمايته واجب عربي وإسلامي، وهي في الوقت عينه جبهة قادرة على فرض التراجعات على المحتل وفتح الباب نحو تراجعاتٍ أكبر، بصمود المقدسيين والفلسطينيين الذي أثبت مرة بعد مرة أنه قادر على اجتراح المستحيل، فواجبنا أن نكون إلى جانبه وألّا نتركه وحده للاحتلال يستفرد به.
بيروت 26-1-2021