ألِكسندر روجانسكي سوف نفتقدك
نضال حمد
عرفته انساناً محباً للمعرفة ومتحدثاً لبقاً يحدثك في موضوعات مختلفة وقضايا منوعة. كما عرفته شخصاً محباً للحركة، متحركاً كثير التنقل، واظب على الحركة والتنقل والسير في أزقة وميادين مدينة كراكوف البولندية. كان يحب التجمعات ويعشق المشاركة في التظاهرات والندوات واللقاءات. كما كان شارك قبل ثلاث سنوات في معرض صور ولوحات عن مخيمات الفلسطينيين في لبنان، أقمناه في مدينة كراكوف البولندية. كان معرضاً مشتركاً للصور واللوحات، مشتركاً بيني وبين إبنته الفنانة دومينيكا روجانسكا مديرة مجموعة فلسطين بالبولندية وصديقة الشعب الفلسطيني. في ذلك اليوم تعرفت عليه عن قرب ومع مرور الوقت أصبحنا صديقين. ذات يوم دعوته لتناول وجبة شعبية فلسطينية “المقلوبة”. أحبها كثيراً وكذلك أحب “الحمص” و”المجدرة”. أكلاتنا الشعبية الفلسطينية. كان كلما حضر لزيارتي أو التقينا يحمل معه هدية لي. كنت كلما نشرت كتبا جديداً باللغة البولندية أهديه نسخة منه.
أحب الآخرين وعشق كراكوف مدينته الجميلة، لكنه لم ينسَ قَطْ مسقط رأسه، بلدته الجبلية الوديعة، ولا قلعتها القديمة المطلة من علٍ على بحيرتها الجميلة والعبارة التي تقل السكان والزوار من ضفتها الى ضفتها الأخرى حيث توجد كنيستها العريقة والتي تعد واحدة من أقدم كنائس بولندا.
ربما تفاجئ يوم شاهد مجموعة صور كنت إلتقطتها خلال جولة سياحية قمت بها في مقاطعة بولندا الصغرى… منها بعض الصور في بلدته (فيتشيشتكا) التي يصعب لفظها بالعربية. في ذلك الوقت أنا نفسي لم أكن أعرف أنها بلدته إلا بعد إلتقاط الصور.
المرحوم السيد الكسندر لم يكن يعرف الكثير عن بلدي فلسطين ولا عن كفاحنا لأجل الحرية والعودة الى بيوتنا ومدننا وقرانا. فهو يتذكر بلده والاحتلال والحرب حين كان طفلاً صغيراً. فالذين عاشوا الاحتلال النازي والحرب العالمية الثانية يعرفون معنى النضال لأجل الحرية. كل ما عرفه عني أنني فلسطيني ونرويجي ويوجد فيِ شيء من لبنان وشيء آخر من سوريا. وأشياء من بولندا وايطاليا. تعرف على من خلالي ومن خلال مجموعة فلسطين بالبولندية على القضية الفلسطينية بشكل أفضل وأقرب ومن وجهة نظر جديدة لم يعهدها من قبل. فالاعلام البولندي منحاز الى جانب “اسرائيل” ويقف ضد العرب والفلسطينيين.
كان يسأل عن الموضوعات التي لم يكن يستطيع فهمها وكنت أشرح له عنها. أهديته قبل عامين شالاً فلسطينياً بمناسبة عيد الميلاد. ثم في مناسبات مختلفة خلال السنتين الأخريتين أهديته كُتبي المترجمة للغة البولندية وكلها تحتوي على موضوعات عن فلسطين. ففلسطين حاضرة هناك ويحضر معها بين النصوص كل من السيد المسيح الفلسطيني الناصري، والسيدة مريم العذراء، أمه الفلسطينية. فالسيد الكسندر الكاثوليكي البولندي الطيب، قضى سنواته الأخيرة وربما لحظاته الأخيرة وهو يصلى للمسيح وربما مات وهو يصلي له.
في شهر أيلول الفائت أرادت فضائية الميادين استضافتي في برنامج خاص عن مجزرة صبرا وشاتيلا. كان هناك مشكلة مع الانترنت والتواصل إلكترونياً عبر برنامجي “السكايب” و”الزوم”، في المكان الذي كنت أنزل فيه خلال وجودي في بولندا. طلبت منه أن يسمح لي باستخدام منزله وشبكة الانترنت خاصته، في بيته لإتمام اللقاء. كان يريد الخروج من المنزل وهو متعب ومريض، لكي آخذ راحتي اثناء المقابلة، لكنني طلبت منه أن يبقى ويستمع إذا كانت ساعة كاملة من الحديث باللغة العربية التي لا يفمهما لن تتسبب في إزعاجه. بقي طوال مدة البرنامج صامتاً ومستمعاً. عند إنتهائي رافقني إلى الخارج حيث أوصلني إلى سيارتي التي كانت مركونة على جانب الشارع العام.
كنت وعدته بأن نسافر معاً الى بلدته حيث ولد وعاش طفلاً فقد كان يريد أن يعرفني على أفراد من عائلته لازالوا يقيمون هناك. لم نستطع تحقيق تلك الرحلة بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد. تمكن منه الفيروس القاتل الأسبوع الفائت، ثم صرعه في اليوم السادس من هذا الشهر عن عمر ناهز ال 78 عاماً. يحزنني كثيراً رحيله وغيابه فسوف نفتقده.
وداعا ألكسندر (نابليون) وهو الاسم الذي كان يستخدمه في الفيسبوك وفي مجموعة فلسطين بالبولندية. وداعاً “ألكسندر روجانسكي” …
في 07-12-2021
إعداد نضال حمد