التدخل الأردني في سورية – د. غازي حسين
تحولت الحدود الأردنية إلى مصدر قلق وتهديد للمنطقة الجنوبية في سورية وصولاً إلى الغوطتين الشرقية والغربية من جراء تدريب الإرهابيين في الأردن، وإرسالهم عبر الحدود، وتزويدهم بالسلاح والعتاد والأموال والمعلومات والتوجيهات من خلال غرفة عمليات داخل الأردن.
وأدى توريط السعودية وقطر والولايات المتحدة و«إسرائيل» للأردن في هذه الأعمال إلى تنامي خطورة المجموعات الإرهابية في المنطقة الجنوبية بدءاً من مركز «نصيب» الحدودي ومروراً بدرعا حتى القنيطرة وبدعم ومساعدة المحتل الإسرائيلي، وتشمل المجموعات التكفيرية تنظيمات وهابية وسلفية متشددة مثل ما يسمى «النصرة والجيش الحر وداعش»، وأصبح الأردن مركزاً لاستقطاب إرهابيين من شتى أنحاء العالم وتدريبهم في معسكرات داخل الأردن.
وتشرف عليهم غرفة عمليات «موك»، وفيها ضباط من السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن وبالتعاون مع أجهزة استخبارات إسرائيلية، وهناك الكثير من الأدلة الواضحة على الدعم العسكري الذي يقوم به العدو الإسرائيلي للمجموعات التكفيرية الإرهابية، ما يؤكد بجلاء التعاون الوثيق بين الإرهاب الصهيوني والإرهاب التكفيري وأنهما وجهان لعملة واحدة,
وتقوم السعودية وقطر بإرسال الإرهابيين عبر الأردن إلى الداخل السوري من السعودية واليمن وليبيا وتونس والأردن وغيرها لإضعاف الدولة السورية، وتغيير توجهاتها لخدمة المشروع الأميركي- الصهيوني والمصالح الأمريكية في المنطقة، وصياغة «سايكس بيكو» جديدة لتفتيت الدول العربية وإعادة تركيبها لإقامة ما يسمى «إسرائيل الكبرى» الاقتصادية من خلال مشروع «الشرق الأوسط الجديد» وتصفية قضية فلسطين وهرولة النظام الرسمي العربي بقيادة السعودية للاعتراف بالعدو الإسرائيلي وتطبيع العلاقات والتحالف معه ضد حركات المقاومة وسورية وإيران وجميع حركات التحرر الوطني في العالم.
وكان الأردن قد فتح أراضيه منذ العام 2012 لتمركز القوات الأمريكية الخاصة والمخابرات الفرنسية والبريطانية وإجراء مناورات «الأسد المتأهب» التي شاركت فيها قوات سعودية وقطرية و14 دولة أخرى.
وأصبح الأردن مقراً ومعبراً وممراً للاعتداء على جارته الشقيقة سورية، والمساهمة في زيادة سفك الدم السوري، وتدمير منجزات الشعب والدولة السورية، وناشدت حكومة النسور مجلس الأمن بالتدخل لإقامة ما يسمى منطقة عازلة «حظر جوي» داخل الأراضي السورية على امتداد الحدود الأردنية، وطلب النسور من إدارة أوباما إرسال المزيد من القوات الأمريكية للتمركز على الحدود مع سورية، وإرسال بطاريات صواريخ «باتريوت»، وطائرات «ف15» في سابقة خطرة وكارثية في تاريخ العلاقات السورية- الأردنية والعربية- العربية.
وتعمل أمريكا والسعودية وقطر على توريط النظام الأردني أكثر فأكثر في المخططات الصهونية للقيام بدور السمسار بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» بدلاً من الدور الذي كان يقوم به الرئيس المخلوع حسني مبارك لتصفية قضية فلسطين من خلال «التوطين والكنفدرالية والوطن البديل»، ومن خلال الدور المشبوه الذي قام ويقوم به ناصر الجودة وزير خارجية الأردن في لجنة المتابعة لـ «جامعة الدول العربية» وأمير قطر الذي قام بتعديل ما سمي بـ «مبادرة السلام العربية»، بحيث تتضمن الموافقة على «تبادل الأراضي» لضم أكثر من 85% من المستعمرات في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى «إسرائيل».
وكانت السعودية قد شطبت حق عودة اللاجئين إلى ديارهم من «المبادرة العربية» وتالياً تزيد السعودية وقطر من توريط الأردن في الحرب الجارية على سورية وفي إنجاح الحل الإسرائيلي لتصفية قضية فلسطين، وكان الصحفي الأمريكي غولدبيرغ قد قال عن لسان الملك الأردني: إن علاقات الأردن مع «إسرائيل» علاقات استراتيجية، وإن الملك لا يقبل أن يرى حكومة أردنية تتنكر لمعاهدة «وادي عربة» التي يطالب الشعب الأردني بإلغائها.
زيارة أوباما وتصعيد التوريط
ازداد توريط الأردن أكثر فأكثر في الحرب الكونية على سورية بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي في نيسان 2013م من خلال معسكرات تدريب وإرسال المجموعات الإرهابية والسلاح إلى المنطقة الجنوبية، وذلك انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وعلاقات الأخوة وحسن الجوار بين البلدين.
وتعمل الحكومة الأردنية على تصعيد تورطها في الحرب على سورية بالاستقواء بأمريكا ومجلس الأمن و«إسرائيل»، لمواجهة عدم رضى الشعب الأردني عن سياستها تجاه سورية، لحمل المواطنين على السكوت عما يحاك من مؤامرات على مستقبل الأردن من خلال الوطن البديل والكنفدرالية وتبادل الأراضي والسكان وترحيل الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 وتطبيق الحل الإسرائيلي لقضية فلسطين على حساب حقوق الشعبين الفلسطيني والأردني.
وجاء توقيع الأردن مشروع إقامة قناة «البحرين» مع «إسرائيل» في شباط 2015 ليضع حجر الأساس لإقامة اتحاد اقتصادي إسرائيلي- أردني- فلسطيني على غرار اتحاد «بنيلوكس» بين هولندا وبلجيكا ولوكسنيورغ، ويجسد توقيع قناة «البحرين» هرولة الأردن في التطبيع مع العدو الصهيوني، ووضع حجر الأساس لإقامة التعاون الاقتصادي على أساس «شرق أوسطي» وليس على أساس عربي، وتطبيقاً للحلم الذي راود هرتسل بإقامة قناة «البحرين»بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت.
لقد موّلت الولايات المتحدة حربها ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان عن طريق أموال السعودية والشباب العربي والمسلم إلى أفغانستان، ودفعت الدول الغربية الثمن غالياً عندما ارتد إرهاب «القاعدة» إليها.
وتدعم الدول الغربية وأتباعها من حكام الخليج الإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني في سورية والعراق وليبيا، يرتد إرهاب «القاعدة وداعش النصرة» وبقية المجموعات التكفيرية، إلى داخل الدول الغربية و السعودية في الحرب العدوانية التي شنتها على اليمن ألحقت أفدح الأضرار بالشعبين اليمني والسعودي وبقية شعوب المنطقة والأمن والاستقرار والتنمية فيها.
أرسلت الولايات المتحدة والدول الغربية وأتباعهم من أمراء وملوك الخليج تنظيمات «القاعدة» وما يسمى «المجاهدين» من جميع أنحاء العالم إلى سورية من خلال البوابات الأردنية والتركية واللبنانية، وظهر بجلاء أن «جهاد» من يسمون أنفسهم «الجهاديين» هو ليس لتحرير القدس وفلسطين من أخطر استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي وإنما لقتل العرب في سورية وإضعاف الدولة السورية الوطنية وتمرير تصفية قضية فلسطين وخدمة المصالح الأمريكية حفاظاً على عروشهم.
ويحتل الأردنيون السلفيون مواقع قيادية في «جبهة النصرة» ويعتقد أن النظام الأردني أراد الحصول على الأموال من السعودية وقطر والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه أراد التخلص من أكبر عدد منهم فأغلق حدوده في وجههم.
فإما أن يموتوا في سورية لإضعافها ومحاولة «إسقاط» الدولة فيها، أو تقتلهم على حدودها في حال محاولتهم العودة إلى منازلهم، خشية من الإرهاب الراجع إليها الذي رعته ودعمته.
والتقت مصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية والسعودية وقطر بالتخلص من «الجهاديين» في حال عودتهم أحياء من سورية، ووجدت المملكة نفسها تنضم أكثر فأكثر إلى المؤامرة على سورية مع نشر قوات أمريكية فيها وفتح معسكرات التدريب على أراضيها، وإدخال الإرهابيين والسلاح إلى المنطقة الجنوبية ما أظهر عدم وفاء المملكة للأخوة العربية وعلاقات حسن الجوار وأبسط مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
إن عبور السلفيين الأردنيين والمجموعات التكفيرية الإرهابية الأخرى والسلاح والعتاد من الحدود الأردنية لـ «إسقاط» الدولة السورية هو بمنزلة صب الزيت على النار، ويعرض بلدان المنطقة إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار والتفتيت بإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، وإعادة التركيب لإقامة «مشروع الشرق الأوسط الجديد» بحيث الذي فيه «إسرائيل» بمنزلة القائد والمركز لتصفية قضية فلسطين والقضاء على دور العرب في العصر الحديث لمصلحة «إسرائيل» وتركيا والإمبريالية الأمريكية.
معســـكرات التـدريــب
كشفت الصحف الأمريكية والعربية ومنها الأخبار اللبنانية في 19 نيسان 2013 أن الأردن افتتح معسكرات لتدريب 5000 إرهابي، ووصل منهم إلى منطقة درعا 1560 إرهابياً مدججين بالسلاح المضاد للدبابات والطائرات عبر 13 منفذاً حدودياً بين الأردن وسورية، وأصبح الأردن يحتضن معسكرات تدريب وبإدارة ضباط أردنيين إلى جانب الأمريكيين والبريطانيين وخبراء من أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وأكدت مجموعات إرهابية أن عسكريين واستخباريين أمريكيين وبريطانيين يشرفون على معسكرات تدريب في الأردن، لتدريب مجندين على كيفية استخدام جميع أنواع الأسلحة بما فيها صواريخ «ستينجر» المضادة للطائرات وصواريخ «كوبرا» المضادة للدبابات.
ويتجسد توريط المملكة الأردنية أيضاً بإقامة محطة أمريكية للتجسس متخصصة في الاتصالات والرصد، وتهريب أسلحة ومعدات حربية اشترتها السعودية من صربيا.
لقد أمعن النظام الأردني في التورط في المؤامرة على سورية لقاء الحصول على مليارات الدولارات، وأصبح دوره يمس الأمن القومي العربي والأمن الوطني الأردني ويشكل خطورة بالغة على الحل النهائي لقضية فلسطين.
وكشف مصدر أمني أردني في بداية أيار 2015 عن انتشار عسكريين وخبراء أمنيين أمريكيين على الحدود السورية، زاعماً أن هذا الانتشار يأتي في إطار العمليات المشتركة بين الجانبين لتأمين حماية الحدود الأردنية إلى جانب مشاركتهم في المهام التدريبية الجارية لقوات عسكرية في المنطقة.
وكان الأردن قد أقر في آذار 2015 بانضمامه إلى المخطط الأمريكي لدعم وتسليح الإرهابيين في إطار من تسميهم واشنطن «المعتدلين»، حيث أعلن وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني أن بلاده جزء من هذا المخطط وأن الأردن وبالتشارك مع « التحالف الدولي» سيقوم بتدريب أبناء العشائر لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي!.
وأمام النظام الأردني معسكرات لتدريب المجموعات التكفيرية الإرهابية بتمويل من السعودية وبإشراف المخابرات المركزية الأمريكية ومساعدتهم على التنقل والعبور إلى سورية وتمرير الأسلحة والأموال إلى المجموعات الإرهابية في سورية ومنها «جبهة النصرة» لمساعدتها على الاستمرار في سفك الدم السوري وتدمير مؤسسات ومنجزات الدولة والشعب السوري.
وأكد ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية في الأردن رفضه لموقف الحكومة الأردنية بتدريب الإرهابيين تحت تسمية «المعارضة السورية المعتدلة» على الأراضي الأردنية، معدّاً أن هذا القرار يدفع لمزيد من توريط الأردن بالحرب على سورية ويتعارض مع المصلحة الوطنية التي تتطلب الحفاظ على علاقات الأخوة وحسن الجوار معها، وتوفير أجواء الحوار بين مكونات الشعب السوري وعدم الزج بالأردن في أحلاف تستهدف الدولة الوطنية السورية.