بين ليبرالية بدوي والعنزي..
1000 جلدة وسفارة لـ”اسرائيل”
حازم عوض
شهد موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” موجة من الانتقادات للكاتب الصحفي في جريدة الوطن السعودية دحام طريف العنزي، لمطالبته الصريحة بتبادل السفراء مع “اسرائيل”، دون أي رد فعل رسمي سعودي. وقد يكون تبرير البعض لعدم صدور أي رد رسمي، بأن ما كتبه العنزي عبارة عن “حرية في التعبير”، وخاصة أن هذا الشخص يدعي بأنه محسوب على الليبراليين السعوديين.
لكن مالخطب؟ ألم تقم الدنيا ولم تقعد في السعودية على الناشط الحقوقي والمدون رائف محمد بدوي، بعد أن انتقد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسسة الدينية في السعودية، وهو من أسس موقع الشبكة الليبرالية السعودية الحرة. أي انه ليبرالي أيضاً!.
عدة كلمات قالها بدوي قاصداً الحث على اجراء اصلاحات ضمن شؤون داخلية في المملكة لتحقيق العدالة والديمقراطية والمساواة كإحدى اهم شعارات الليبرالية، أزعجت الملوك والأمراء. ولمحاكمته وجعله عبرة لمن يعتبر في البلاد، تم اتهامه بالردة والاساءة للاسلام، لتكون المملكة قادرة على عقاب هذا الشخص الليبرالي وفقاً “للشريعة الاسلامية” لمن يسأل، وليس لرأيه الحر، عبر الجلد 1000 جلدة والسجن عشر سنوات، مع دفع غرامة مالية واغلاق شبكته الاعلامية.
ومع ذلك، لم تمر الحيلة على الرأي العام العالمي، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية، بدوي، سجين رأي “احتُجز لا لشيء سوى لممارسته لحقه في حرية التعبير عن الرأي بشكل سلمي”، وطالبت عدة جهات دولية بالافراج عنه وعدم جلده، إلا أن السعودية استشاطت غضباً من الانتقادات، وكادت أن تضحي بعلاقاتها مع بعض الدول التي دافعت عن بدوي مثل السويد، مقابل تنفيذ حكمها بجلده وسجنه وجعله عبرة لكل السعوديين.
اليوم، لم تتكرر قصة بدوي، فالعنزي الذي طالب السعودية صراحة عبر تغريدة له – وناداها بصفتها “قائدة للأمتين العربية والإسلامية” – بأخذ زمام المبادرة وفتح سفارة “إسرائيلية” في الرياض؛ لتحجيم خطر “العدو الفارسي”، على حد تعبيره. وتطوع ليكون هو سفيراً في “تل أبيب”.
وراح العنزي الذي أيد العدوان على اليمن عسكرياً، للترجي قائلاً “أرجو أن يكون الجنرال السعودي والمخطط الاستراتيجي الوطني أنور عشقي أول سفير للسعودية في إسرائيل، وأسعد أن أكون ثاني سفير في تل أبيب”.
وتأتي تصريحات هذا الشخص الذي يدعي اللبرالية، على خلفية لقاءات عديدة كُشف عنها مؤخرا أجراها الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، مع دوري غولد، وهو مسؤول “إسرائيلي” سابق، وأحد المقربين حاليا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لا العنزي ولا عشقي، تعرضوا للمساءلة، ولا حتى طالب أحد من السعوديين بجلدهم أو سجنهم، فالمملكة لا ترى في تلك الأفعال والتصريحات أي ضرر على العائلة الحاكمة ولا أي دعوة إلى دستورية الدولة، والديمقراطية، والانتخابات الحرة والنزيهة، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد والسوق الحر والملكية الخاصة. فمبدأ حرية التعبير والرأي في السعودية يكون خطاً أحمراً قد يقضي على صاحبه إن تعرض لتلك العناوين.
بدوي والعنزي مارسا حرية التعبير في نهاية المطاف، لكن الفرق بين الاثنين، أن الأول تعرض للسجن والجلد لانه انتقد شؤون داخلية سعودية، وأمور تخص العائلة الحاكمة، وهنا، ضربت بعرض الحائط كل أقاويل حرية التعبير والرأي التي استخدمت كمبررات للعنزي ليبقى من كتاب صحيفة الوطن، ومن أبرز الوجوه التي تتصدر شاشات المملكة للتشدق بأمجاد العائلة الحاكمة وقراراتها وخياراتها التي “تضع حداً للنفوذ الفارسي”، وهو أهم ماتعيره المملكة أولوية حالياً.
لو أن السلطات السعودية تعي تماماً ما معنى “لبرالي” لجعلت عقوبة الجلد منصوص عليها بالقانون لكل من يتفوه بها وليس فقط من يمارسها، فشتان مابين لبرالية بدوي ولبرالية عنزي. هو الفرق ذاته مابين الليبرالية بمعناها المجرد، والليبرالية الجديدة التي روج لها بعض “المثقفين” العرب قبيل غزو الولايات المتحدة للعراق، مرحبين بـ”ديمقراطية اميركا”، ووجوب قبول كيان “اسرائيل” كـ”دولة”.
حازم عوض – كاتب وصحفي فلسطيني سوري