الحوار الخاص مع المخرجة اناستازيا نوفيكوفا – ترجمة ليال أيوب
الصفصاف : أناستازيا، حدثينا عن نفسك من فضلك
أناستازيا: أنا أعيش في سان بطرسبرغ وتخرجت من جامعة ولاية سان بطرسبرغ للسينما والتلفزيون. ” The conversation” “الحديث” هو إسم الفيلم الذي أعمل عليه منذ كنت طالبة، لقد كان مشروع تخرجي. وبعد التخرج قام البروفسور ألكسندر جوتمن الذي يؤمن بي بإنتاج فيلمي الوثائقي. الآن لدينا 22 دقيقة تقريباً، نسخة عن الفيلم
الصفصاف: هل هذا فيلمك الأول؟
أناستازيا: نعم، إنه ظهوري الأول
الصفصاف: ما هي الرسالة من الفيلم؟
أناستازيا: أنا لست واثقة إن كان لديه رسالة واضحة ، عمدْت أن تكون الرسالة مفتوحة للتأويل. أريد أن تعيشوا الفيلم وأن تفكروا أنتم، ما الذي يدور حوله الفيلم. لهذا السبب، وبالرغم من أن الفيلم لديه هيكلية واضحة، فإن نهايته هي علامة استفهام كبيرة. تركت لكم النهاية ، لكي تقرروا ما الذي سيحدث بعد ذلك. فأنا لا أريد الإصرار على أن الفيلم يتحدث عن الوحدة أو المعاناة لأنك ستكون مجبراً على الشعور بالحزن. وأنا لا أريد أن أؤثر على الناس ليشعروا بطريقة معينة بل على العكس. لا أعلم ما إن يصلح هذا ليكون رسالة الفيلم، فالمهم بالنسبة لي هو قصة البطل. أردت أن أكون وسيطاً بينه وبين المشاهد. المشاهد والمغني، لأن الفيلم يتحدث مع كل شخص على حدة. لا يوجد غرور أو نبرة عالية. مجرد رجل والحنين. إنها قصة شخصية بالنسبة لي ولفالنتين. كما هي بينك وبينه الآن. إنه “Conversation” “الحديث” بينك وبينه. وهذا ما ألهمني ، فكرة إدخال شيء يبدو لا علاقة له بالموضوع، صغير ومنسي مثل القرية المهجورة التي تحيط فالنتين ستيبانوفيتش وتعطيه القوة الأبدية.
اهتممت بالأماكن المهجورة لشهور عدة وبالتحديد الأماكن التي على شفير الحياة والموت لأنني افترضت أنني إن وجدت المكان المناسب فيمكن أن أجد البطل المناسب. كنت خائفة من الخيبة وعدم ايجاد شخص أهتم لأمره. كان من المهم إيجاد شخص أهتم به لأنني لم أكن أذهب للعمل إلا إذا كان لدي الشعورالمناسب. علمت عن المكان عبر الإنترنت ولم يكن لدي الكثير من المعلومات حوله لأنه بعيد ومنسي. لا يوجد طرق ولا حتى طريق مناسبة للوصول إلى هذا المكان ولكن هنالك العديد من الأشخاص الذين يرغبون في الذهاب إلى تلك الأماكن تحديداً مثل المصورين المهووسين بالأبنية المهجورة. ذات يوم كنت محظوظة وقابلت أشخاص كانوا في طريقهم إلى مستوطنة هناك. أخبروني عن المكان ودعوني للذهاب معهم ، كانت الرحلة محفوفة بالمخاطرلأنها لم تكن تشبه شخصيتي على الإطلاق. فأنا إنطوائية نوعاً ما ولست بالمغامرة. فكان من المخيف الذهاب إلى مكان مهجور وبعيد مع أشخاص لم أقابلهم من قبل. ولكني شعرت أنني عليّ أن أقوم بهذا العمل لبعض الأسباب بالرغم من أني لا أؤمن بهذا النوع من الصدف الروحية، ولكني قررت الذهاب…..
الصفصاف: مستوطنة في أميركا؟
أناستازيا: نعم، مستوطنة أو قرية في أميركا. في الحقيقة، يوجد في أميركا العديد من المستوطنات. هنالك حوالي خمس مستوطنات ويُدعون مستوطنة 1،2،3…. كانت الأبعد بينهم. أنشأت في الثلاثينات من القرن العشرين واعتقد أنها دُمرت وقت انهيار الإتحاد السوفياتي. على أي حال، تركوني هناك مع الراديو وذهبوا للقيام بأعمالهم. للوهلة الأولى، بدا المكان عادياً. كانت أواخر شهر أغسطس وكان كل شيء أخضر وخشبي.لا وجود أبنية مهجورة تشد البصر أو أي شيء توقعت رؤيته. وفي وقت لاحق خلال التصوير، عندما تساقطت الأوراق بانت المستوطنة كلها واستطعت أن أرى الخراب. لكن خلال زيارتي الأولى كانت كلها سهول خضراء بالكامل وكان هنالك طريق تؤدي إلى كل مكان حتى أنها لم تكن طريق بل ما تبقى من سكة حديدية، ما زلت أرى مسارها. اعتقدت أنني ارتكبت خطأ ما لأنه بدا وكأنه لا شيء مثير للإهتمام هناك. وفجأة رأيت بيت مخبأً بين الأشجار. خرج فالنتين واستقبلني. سألته إن كان الشخص الوحيد الذي يقطن هناك وأجابني” هنالك شخص آخر، صديقي، ولكن زوجته توفيت لذا سيذهب إلى المدينة . فسأقضي الشتاء وحدي هنا، أدخلي، لنحتسي فنجان قهوة”. هكذا كان لقائي به.
الصفصاف: وهل تعرفين بابوشكا (الإمرأة الكبيرة في السن).
نعم طبعاً
الصفصاف: لكننا لا نراها
لا نراها ولكن بنينا صورتها في أذهاننا من خلال الصور وصوتها. وهذا بالضبط ما كنت أريده. إذا لم يستطع هو رؤيتها فكيف سيتمكن المشاهد من ذلك؟
بصراحة كان عليّ أن أقابلها قبل التصوير. كانت في المستشفى في سان بطرسبرغ حينها وكانت مرتابة مني بعض الشيء. ماذا كنت أفعل، ولماذا كنت مهتمة بها؟ رتبت لقاء معها وأخبرتها عن ما كنت أحاول القيام به. أوضحت لها أننا كنا سنسجل مكالمتها الهاتفية مع زوجها. وخلال التصوير بقيت أنا مع فالنتين وبقي مهندس صوت في المستشفى معها.لدينا نظام نعمل عليه داخل طاقمنا . لم يكن من السهل القيام به وخاصة أن تلقي الإتصالات كان صعباً هناك. كانوا يحاولون الإتصال ببعضهم دائماً ولكن الإرسال كان ضعيفا كما نشاهد في الأفلام.
الصفصاف: تم عرض فلمك في المهرجان في مدريد. كيف وجدته؟
أناستازيا: نعم كان رائعاً. كان المهرجان أصغر قليلا وأكثر حميمية من هذا ، ما جعلني استمتع لأنني أميل بطبيعتي إلى الجو الحميمي. المدينة رائعة أيضاً، بطبيعة الحال. كان لدينا عرضان هناك وعرضان آخران بعد الحفل الختامي لأننا فزنا بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقد حظى الفيلم بقبول حسن. فعادة عندما يُعرض الفيلم في روسيا، يضحك الناس على العديد من المقاطع خلال مشاهد المحادثة الهاتفية وخاصة عندما يسأل” ما هو بالتحديد القسم الذي يبدو قبيًحا بك؟ كان لديه اسلوب غريب في الكلام. وكنت دائماً أخشى أن نفقد شيئاً من هذا في الترجمة، ولكن الناس في مدريد ضحكوا أيضاً. كان من الممتع والمثير للدهشة بالنسبة لي أن يفهم الناس الدعابة. لا أريد أن تتأثروا بالفيلم وتحزنوا،لذا فالفكاهة هي جزء مهم في هذه التجربة. هنا في بولندا ضحك الناس كذلك، ولكن في لحظات مختلفة قليلا وهذا ما توقعته لأن اللغة البولندية أقرب إلى اللغة الروسية.
الصفصاف: ما رأيك في مهرجان كراكوف للأفلام؟
إنه مهرجان كبير، على الأقل أكبر مهرجان شاركت به. كان العرض الأول للفيلم في هوت دوكس تورونتو، مهرجان عرض الأفلام الوثائقية في أميركا الشمالية. ولكن لسوء الحظ، لم تتسنى لي فرصة الذهاب.فأنا لم أكن محظوظة لأنه تم اختيار فيلمي فحسب بل لحضور مهرجان كراكوف للأفلام أيضاً. لسوء الحظ لم أشاهد العديد من الأفلام لأنه كان علي المشاركة في العديد من الأشياء مثل عرض الفيلم الخاص بي ولكنني ذاهبة الآن إلى عرض الأفلام الفائزة وسأشاهد أخيراً ما أستطيع منهم. فالمهرجان منظم بشكل جيد جداً والمستوى العام للأفلام عالي. في الحقيقة، تبين لي من خلال ما رأيت أنني وسط بعض المخرجين الرائعين في المسابقة.
الصفصاف: هل تعرفين شيئا عن السينما والأفلام العربية؟
أناستازيا: ليس كثيراً، لأنني لا أعرف أين أشاهد السينما العربية. ولكنني مهتمة بالموضوع. اعتقد أن الإنجرار إلى ثقافة مختلفة جذرياً عن خلفيتك يعود للطبيعة البشرية. وهذا الحنين هو موضوع أود استكشافه. فلو أتيحت لي الفرصة لمعرفة السينما العربية أكثر، لوددت ذلك.
الصفصاف: ربما ندعوكي إلى القدس إلى فلسطين يوما ما.
الله أعلم
الصفصاف: من ساعدك في هذا الفيلم.؟
أناستازيا: كان لدينا طاقم صغير مؤلف من أربعة أشخاص. منتج الفيلم كان أستاذي أيضاً، تعلمت منه الكثير خلال فيلمي الأول. إن خلفية مدرسة الفيلم هي نوع من ما يسمى( موجة ليننغراد الكلاسيكية الجديدة للسينما). بطريقة ما، كنت أسعى جاهدة لأحقق الشعور بمثل هذه الأفلام. فصناعة الأفلام مهمة جدا بالنسبة لي. مدير التصوير،بافل سكفورتسوف، كان أيضاً طالباً في السنة الخامسة في جامعتي. كان مهتم جداً بالقصة وكان يحب بطل الرواية مثلما أحببته أنا تماما. اهتممنا جميعنا به وبقصته كثيراً وهذا ما دفعنا إلى الإستمرار طوال المدة وخلال الأوقات الصعبة. على سبيل المثال، خلال الأسبوع الأول من التصوير، أجرينا مقابلات وتبعنا فالنتين ولكن لم يكن يحدث أي شيء مهم. بدا العمل بلا معنى. وبدأ مصصم الصوت ومدير التصوير يؤنباني.” لماذا جئتي بنا إلى هنا؟ هذا ليس فيلماً!. كان ذلك أشبه بالدراما بالنسبة لي، لكن بدأنا بعد ذلك في التعرف على بعضنا أكثر والأهم أننا بدأنا نتعلم كيفية العمل كفريق. علمني هذا الفيلم أهمية التعاون، عندما بدأنا بالعمل بالنهج الصحيح بدأ الإبداع. أحد الأمور التي خطرت ببالنا أن نترك فالنتين وحيداً مع الكاميرات في البيت. فمنزله هو عبارة عن منامة سابقة للعمال وهي واسعة جداً فكنا نذهب إلى الجزء الآخر من المنزل ومعنا سماعات الأذن. لذلك، لم تدمر العلاقة الحميمية . كان يعلم أنه كان يتم تصويره فالكاميرا لم تكن مخبأة ولكنه كان وحيداً كما تعود. وهذا عندما بدأ يبوح بما في داخله.
الصفصاف: هل شاهد فالنتين الفيلم؟
كلا لم يشاهده، شاهد بعض اللقطات ولكن لم يكن يرغب في مشاهدة نفسه. قال” أنا مثلكم يا شباب. فقد سمحت لكم بالدخول في حياتي وأنا أثق بكم. ولست بحاجة لأن أراه ، قد تكون بابوشكا ترغب في مشاهدته….”
الصفصاف: كيف هو الراديو هناك؟ لا بد أنه قديم؟ ولماذا لا نرى الراديو؟
أناستازيا: نعم إنه قديم جداً، بالكاد يعمل ولكنه لم يكن من الضروري إظهاره. فأحد المشاهد الأولى للفيلم هو لقطة طويلة حيث كان يجلس بجوار النافذة يستمع إلى الراديو. لكن لا يوجد صورة مقربة للراديو
الصفصاف:اعتقد أن الفيلم يحتوي أربعة أشياء مهمة: بابوشكا وفالنتينو وهاتفه والراديو الخاص به.
صحيح، ولكن كما لاحظت تعتمد الكثير من الأشياء في الفيلم على الصوت. فالصوت مهم جدا، حيث يمكننا عندما نسمع الراديو أن نتخيل الراديو، فأنت تخيلت الراديو من دون أن تشاهده حتى أنك تخيلته قديم جداً. فهذا هو الذي أردت إيصاله. أخذنا لقطات عدة للراديو، لاستخدامها بالفيلم ولكن لم تكن تصلح . فكانت اللقطة أفضل بدون عرض الراديو. إنه أمر غريب، أليس كذلك.
الصفصاف: أتمنى لك التوفيق في فيلمك القادم!
أشكرك على أسئلتك الجيدة، فإنها جعلتني أسترسل في الحديث.