عاصفة الإرهاب انكسرت …فما التداعيات؟
العميد د. أمين محمد حطيط
كان من المتوقع أن تتجه قيادة العدوان على سورية الى ردة فعل هستيرية على هزيمتها الاستراتيجية في القلمون. فالقلمون ليست مجر د منطقة أخرجت منها يضعه الأف من الإرهابين بين قتيل ومصاب وفار من الميدان بل هي القاعدة والمتكأ للتحكم بمركز الثقل النوعي الاستراتيجي للدولة المتمثل بالعاصمة وشرايينها نحو لبنان والساحل عبر حمص. وتعتبر خسارة الإرهاب لها من الطبيعة التي لا تعوض إلا من نوعها خاصة وأنها ترافقت مع خسائر بليغة أنزلت بالجماعات الإرهابية وداعميها في الجنوب عبر افتضاح الحزام الأمني الإسرائيلي، وفي الشمال الشرقي عبر إلزام عصابات داعش على التراجع أمام الجيش العربي السوري والقوات الشعبية في المنطقة.
لكل ذلك كان من المنتظر أن يكون الرد على الخسائر تلك من الطبيعة التي تمكن المعتدي من التلفت من اثارها والسعي لإعادة ما يسميه التوازن في الميدان، التوزان الذي يراه ضروريا للاستمرار. ولهذا وجدنا كيف خرج المسؤولون الأمريكيون وبكل وقاحة بمواقف تخفف من هول هزيمة الإرهاب فمن متحدث عن قدرة داعش على التأقلم مع الخسارة وامتصاصها في مرحلة أولى ثم الرد المؤلم في مرحلة ثانية، إلى قائل بان داعش تملك من القدرات والخطط ما يمكنها من استعادة زمام المبادرة. مواقف جاءت للتقليل من أهمية الانتصارات السورية أولا ولرفع معنويات التكتلات التي تستند على الإرهابيين وأخيرا رسالة إلى داعش وباقي الإرهابيين بان الإدارة الأميركية لا زالت تثق بقدراتهم للعمل في الميدان بما يحقق أغراض العدوان.
وكان الرد الإرهابي كما توقعناه وأسميناه “الحرب الصاخبة المتعددة المحاور” وفقا لخطة عدوانية جديدة ابتدعها “مركز التنسيق المعمق” الذي يدير غرفتي عمليات العدوان المتمركزتين في تركيا والأردن (موك). واللتان تتوليان التخطيط والإدارة لمجمل العمليات العدوانية. وكان جوهر هذه الخطة يتجسد في العمل على أكثر من جبهة، من اجل تشتيت الدفاع السوري ودفعه إلى بعثرة القوى بشكل يسهل إسقاطها.
خطة استبقت بحرب نفسية تعتبر الأبشع والأخطر منذ أربع سنوات لجئ فيها إلى التزوير الفاضح والكذب على لسان رؤوسا ء دول أو مسؤولين كبار فيها (روسيا ومصر) للإيحاء بان العالم بما فيه أصدقاء سورية بات يسلم بهزيمة الدولة وسقوطها.
في هذا الجو انطلقت العمليات العدوانية في الجنوب انطلاقا من الأردن باتجاه درعا لإسقاطها ثم التمدد غربا باتجاه السويداء وشرقا باتجاه الجولان لتعويض الهزيمة في مطار الثعلة وبلدة حضر، وفي الشمال توجهت الجماعات الإرهابية انطلاقا من تركيا إلى مدينة عين العرب لتعويض خسارتها التي نزلت بها قبل أشهر، والجبهة الثالثة كانت مدينة الحسكة التي شكل صمودها وتطهير معظم ريفها من الإرهاب طعنة في المخطط العدواني الرامي إلى ربط سورية والعراق جغرافيا تحت سيطرة داعش.
في الساعات الأولى تمكنت قطعان الإرهابيين المندفعة بكثافة استثنائية أن تحقق خرقا ملفتا خاصة على اتجاه الحسكة فدخلت بعض أحيائها وباتجاه عين العرب حيث خرقت الدفاعات الأولى فيها، لكنها لم تكن على مستوى النجاح ذاته في درعا وريفها ورغم ذلك انطلقت أبواق الأعلام الداعم للإرهابيين مهللا “للنجاحات الاستراتيجية الكبرى” على حد وصفهم، ومروجا لفكرة كانت أكدت عليها حربهم النفسية تقول بان امر سورية حسم لصالح الإرهاب.
لكن النتيجة الفعلية لعاصفة الصخب الإرهابي المتعدد المحاور كانت خلافا للمؤمل والمتوقع من قبل من أطلقها، ثم كانت تداعياتها أو ما يرتقب منها أخطر مما يتصورون بعد أن فتحت أبواب كانت مغلقة على المكائد والخطط ودفعت البعض إلى كشف أوراق طويلا ما أخفاها وعلى الوجهين يمكن التحدث عن النتائج والتداعيات هذه
نبدأ بالميدان ونسجل فشل الهجوم على الجبهات كلها وقصور عن تحقيق الأهداف التي وضعت للعاصفة الإرهابية، ففي درعا تكسرت موجات الإرهاب عند الدفاعات البعيدة وفي الحسكة تم استيعاب الهجوم واحتواؤه ثم جرت عملية تطهير متدرجة استعيدت فيها معظم المواقع التي اخترقت وفي عين العرب أعيد الحال إلى ما يقترب من الحال الذي كان عليه قبل العدوان.
وكانت من نتيجة هذ ا الإخفاق أن تحسس المشاركون بالعدوان رقابهم، وتوقعوا الإعصار المرتد عليهم. وهنا كان خروج اردغان مهددا الأكراد بانه لن يسمح لهم بإقامة دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية، يقول هذا وهو يقرأ نتائج الانتخابات التركية معطوفة على الحالة الكردية الخاصة في العراق ويستخلص منها الخطر على وحدة الأراضي التركية مستقبلا.
أما إسرائيل فبعد أن ضاع حلم الحزام الأمني لديها ووقفت مجددا عند الرفض العربي السوري لسكان الجولان لأي مشروع يقطعهم عن دولتهم السورية وقد كانت رسالة قرية الحضر ” بعد مطار السعلة العسكرية بالغة في هذا المجال شعرت بالهزات المرتدة داخل جيشها مما اضطرها إلى تسريح بعض التشكيلات القتالية القائمة على الدروز.
أما الأردن الذي حلم بالانتفاخ على حساب سورية والعراق لإقامة ” المملكة العربية المتحدة” فقد وجد أن آماله تتبخر بين السويداء ودرعا، مع تراجع زخم الهجوم الذي اعتمد عليه لخرق جدار الدفاع السوري وبات يتحسب للاتي.
و تبقى سورية و محورها يحصدون النجاح معطوفا على ارتقاء في السلوك الشعبي للدفاع عن الدولة ، و برأينا كانت هامة جدا استجابة أهالي الحسكة لنداء الانخراط في الدفاع عن منازلهم بأشراف الدولة بعد عمليات الاستجابة للتجنيد التي سجلت في السويداء ، كان لهذا الأمر من المفاعيل ما سيشغل العدو عن هزيمته الميدانية ذاتها لأنه اشر الى مسار جديد أو لنقل وسع تطبيق مسار الدفاع الشعبي عن الدولة بشكل ينخرط فيه الشعب كله من كل الطوائف و المذاهب و المشارب الفكرية و العقائدية و بات الشعب يعمل تحت شعار “الكل يدافع عن الكل و الذات” ، و الدولة حاضرة لاحتضان الجميع في ذلك و قيادة عمليات الدفاع التي تشكل الإعصار الشعبي على عواصف الصخب الإرهابي.
:::::
“الثورة”، دمشق