الرسالة التونسيّة ! ثريا عاصي
أواصل في هذا الفصل محاولة التفكير في ما يمكن أن يكون محتوى رسائل أرادت «داعش» إبلاغها إلى من يهمهم الأمر من خلال العمليات الإرهابية التي تزامنت في نهاية شهر حزيران الماضي، في تونس وفي شمال شرقي شبه جزيرة سيناء . إذ من البديهي أن هذه العمليات تندرج في إطار مشروع أو سياسة هادفة .
إن المعطيات المتوفرة والأخبار التي تتسرّب من حين إلى آخر، لا ندري هل أن ذلك يحدث عن طريق الصدفة أو بحسب التوقيت الملائم، تجلعنا نميل إلى الإعتقاد بأننا حيال مشروع وسياسات خططت لها قوى أجنبية، تحديداً الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية التابعة لها .
بدءاً من تونس، تحسن الإشارة إلى أن هذه البلاد كانت من وجهة نظري بوابة العروبة نحو الجزائر، أو بالأحرى صلة الوصل بين المشرق والمغرب . في هذا السياق، تجلت مكانة تونس ودورها الريادي في النضال ضد الإستعمار الفرنسي، في شمال إفريقيا، أثناء حرب التحرير الجزائرية .
من المعلوم أن، الأخوان المسلمين المنضوين تحت اسم حركة النهضة وتيار «المنظمات غير الحكومية» الذي أعد السيد منصف المرزوقي من أجل تزعمه، خلال سنوات إقامته في فرنسا، تحالفوا ضد الحركة الوطنية التونسية وتمكنوا من عزلها . وبالتالي حرفوا إنتفاضة الجماهير التونسية عن هدف العدالة الإجتماعية واستبدلوه بالمنازعة على السلطة، بقصد إقحام تونس في مشروع «الربيع العربي» الإخواني الإسلامي، تحت قيادة العثمانيين الجدد، متمثلين بحزب العدالة والتنمية التركي، وتمويل من مشيخة قطر !
إذاً سرعان ما تبين أن «ثورة الياسمين» ليست في الواقع ثورة تونسية وطنية، وإنما هي «إعصار» أخواني إسلامي ما لبث أن غطى المشرق العربي . تكاملت الصورة تدريجيا، وإفتضح دور قناة الجزيرة القطرية التي احتل شاشتها، القرضاوي وهو شيخ أخواني إسلامي، عزمي بشارة وهو عضو «فلسطيني» سابق في الكنيست الإسرائيلي «لجأ» إلى قطر ليرشد «الثورات» منها !! بالإضافة إلى خبراء توكلوا إظهار محورية دول الخليج في قيادة «الأمة الإسلامية» إلى شاطئ الأمان !.
بمعنى آخر إتضح أننا حيال حلف ثلاثي يضم الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التابعة لها، دول مجلس التعاون الخليجي، وتركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية، دولة « الإخوان المسلمين « .
لا بد في هذه المقاربة من أن نأخذ بالحسبان ان الإخوان المسلمين، أمسكوا بالسلطة في كل من تونس ومصر . لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيل سياساتهم «الثورية» في ليبيا وسورية واليمن والعراق . ما أود قوله هو ان الحركة الوطنية التونسية، فقدت عدداً من قادتها، إغتيالاً . ربما كانت الغاية من ذلك كمّ صوتها وتقييد نشاطها . هكذا تفعل «داعش» كلما دخلت مدينة سورية أو عراقية . هذا ديدن المستعمرين الإسرائيليين عندما يظهرون، جنونهم وعنصريتهم فيعتدون بوحشية على سيدة فلسطينية أو على صبي أمام عدسات المصورين .
من المحتمل من وجهة نظر «داعش»، أن الحركة الوطنية التونسية لم تتعظ من إغتيال شكر بالعيد ومحمد الإبراهيمي . فرأت أن تلقنها درساً آخر . عن طريق استعراض قدراتها على سفك دماء التونسيين وإفقارهم وتجويعهم، وعلى تخريب البلاد . ليس مستبعداً في السياق نفسه أن تكون غاية «داعش» هي أن يقع الناس في الإحباط واليأس، وأن يتوهموا بأنه لن يمكنهم بعد اليوم العيش بأمان . فأما أن « يبايعوا الخليفة أو الأمير « وأما أن يرحلوا وأما أن يستغيثوا بجهات قادرة على حمايتهم !.
السؤال الذي لا مفر من الإجابة عليه هو بحسب رأيي، هل أن المنازعة في تونس هي بين التونسيين من جهة وبين «داعش» من جهة ثانية ؟ هل المطلوب إغلاق البوابة التونسية ؟!
(غداً قراءة في الرسالة المصرية!)