سندريلا(2015): تحلي بالشجاعة وكوني طيبة!
فانتازيا رومانسية خلابة مع خيال “تحريكي” مدهش!
مهند النابلسي –
بطة جميلة بيضاء تركض فرحة امام عربة الأحصنة، التاجر الناجح بمملكة ايلا، العائلة السعيدة، الفتاة الجميلة البريئة، أجواء بهيجة تحفل بالسعادة والضوضاء، موسيقى تصويرية خلابة، ثم تموت الام بمرض مفاجىء وتفقد الاسرة سعادتها، يضطر الأب الأرمل بعد فترة للاقتران بزوجة الأب “الشريرة”، التي تدخل حياة الاسرة بلباس أسود واداء ساحر “كامن”، ثم تدعي انها ستعيد الحياة للمنزل، قطها السمين الأزعر يلاحق الفئران “الودودة” بمكر جيني، وعندما يغادر الأب بآخر رحلاته التجارية، وكأن الابنة العطوفة تشعر بأنها تراة للمرة الأخيرة، توصيه: أحضر لي اول غصن يلامس كتفك…ويقول لها: أترك دائما جزءا من ورائي، فامك المرحومة ما زالت هنا وروحها تملأ المكان! ولا يعجب هذا الكلام الحزين الشفيف زوجة الأب الحقودة، فتفيض غيظا وغيرة، وخاصة عندما يقول لابنته المحبوبة: وداعا ايلا سأبقى احبك…ثم نرى ونسمع صوت الغربان وهي تنعق مبشرة بأيام قادمة حالكة، وتتوالى الأخبار السيئة، فنعلم عن موت الأب بعيدا أثناء رحلته، وكيف يلتزم باحضار “الغصن الأخضر” كذكرى لابنته، ثم تكشف زوجة الأب عن وجهها الكريه بلا تحفظ، فتأمر ايلا للنوم في العلية مع أصدقائها الفئران، وتتقبل ايلا الطيبة الشجاعة واقعها الجديد بلا تذمر، وهي التي تفيض حبا للحياة والعمل والطبيعة، فهناك بالعلية لا يوجد قط عدواني بغيض ولا اختان كسولتان “مقرفتان”!
أبدعت “كيت بلانشيت” بتأدية الدور كزوجة اب غيورة حقودة، وبعد ان مرض الأب ومات، صرفت الخدم الأوفياء توفيرا للتكاليف، وحولت الابنة الجميلة لخادمة مطواعة كما اساءأت هي وبنتيها معاملتها، وقامت بتسميتها “سندريلا” (بعد ان سخرن من منظرها المغبر بالرماد، وتعني :ايلا الرماد)، ثم قالت لها بتعالي بغيض: لا يمكن لك الجلوس معنا!
ثم ان للأسماء تعويذة سحرية قد تقود لحظ جيد ومصادفة رائعة…فبعد أن تغادر حانقة وهائمة على وجهها، تجد فجاة مجموعة صيادين يستهدفون “ظبيا” بريا ضخما جميلا، ثم تصادف “أميرا متواضعا”، ما زال لديه الكثير لينجزه بحياته حيث يخبرها (دون ان يكشف عن هويته) بأنه يعيش بقصر باذخ، ثم انها تعيد على مسمعه بسذاجة الحكمة التي تناقلتها عن والدتها المرحومة: “لنتحلى بالشجاعة ونكون طيبين”…وانبهر الأمير من جمالها وبراءتها، فأبلغ والده الملك، ودعا لحفلة موسيقية عامة صاخبة لكي يختار عروسا ملائمة، وعندما علمت زوجة الأب بالأمر قامت بمنعها من حضور الحفلة، لكي تحظى ابنتاها “ديزيريلا وانستازيا” بفرصة لقاء الأمير، وفوجئت بحقد زوجة الأب : لن تذهبي للحفلة!…فأخفت سندريلا غضبها ووصفت الابنتان ببشاعة الباطن وجمال الظاهر…وتاهت بائسة محتارة، فظهرت لها فجأة ساحرة بشكل عجوز متسولة، وطلبت منها القليل من الحليب قائلة: الحليب لا شيء ولكن الطيبة هي التي تعطي المعنى لكل شيء! ثم قالت لها: “أنا عرابتك الجنية وسأحقق امنيتك!”… ومارست سحرها “المستحب”، فحولت يقطينة ضخمة لعربة ذهبية فخمة، وحولت “أصدقائها” الفئران لجياد بيضاء جميلة، والعظايات الصغيرة لخدم بلباس ملكي أبيض، أما الأوزة البيضاء الجامحة فقد تحولت لتصبح سائق العربة، ثم صنعت لها رداء فتانا أزرقا، وترافق ذلك المشهد الخرافي مع موسيقى صادحة وانطلاق فراشات جميلة، وصنعت لها اخيرا زوجا من الأحذية الزجاجية الملونة…وحذرتها قائلة: سيدوم مفعول هذا السحرمع أخر صدى لجرس منتصف الليل، فاحذري وعليك العودة قبل ذلك…ثم انطلقت العربة الذهبية مع الأجياد المسحورة بقيادة الأوزة البهية للحفل الملكي وقبل فوات الاوان، ليعود الأمير فينبهر بوجودها المفاجىء، ولتفوز بقلبه، ولكنها تختفي هاربة مع جرس منتصف الليل ثم تفقد “لعجلتها” الحذاء الملون اللافت…ويجري الأمير الولهان مسحا شاملا لكشف صاحبة الحذاء المفقود، ولا تفلح محاولات “زوجة الأب” الحاقدة والغيورة لاخفاء سندريلا في دهاليز المنزل، فينكشف الأمر أخيرا، فتعود للأمير المتلهف، ليتزوجا وتصبح الملكة، ولكنها تسامح زوجة الأب الشريرة وابنتيها وتقول بالمشهد الأخير المعبر “اسامحك…لا انتقام”، وكأنها تسترجع وصية والدتها المرحومة: كوني طيبة وتحلي بالشجاعة وسيكون كل شيء على ما يرام!
أعتقد أن سحر “قصة سندريلا” ينبع من فكرة “الاذعان السلمي” للأمر الواقع، وهي سمة قدرية- صوفية، وان الرسالة تكمن في أنه مهما حدث في حياتك، ومهما بدت لك الأشياء مزعجة ظاهريا، فان الله سيفتح لك دربا جديدا اذا ما ما بقيت “طيبا وشجاعا ومكافحا ومتفائلا”…يعني ذلك أن تنظر للشوكة وترى الوردة، وان تنظر الى حلكة الليل وترى ضؤ الفجر، وهذا ما فعلته سندريلا!
الفيلم الذي شبهه النقاد ب”قرصان الكاريبيان” لكونه تحفة بصرية سينمائية شاملة، حافظ على النكهة الأصلية للرواية الشعبية المعروفة، وأظهرت فيه الممثلة الجميلة الشابة “ليلي جيمس” مواهب تمثيلية فريدة، واقنعتنا بوجود “كيمياء خاصة” وبالحب من اول نظرة مع الممثل “ريتشارد مادن” (الأمير الولهان)، كما أبدعت كيت بلانشيت كعادتها بدور زوجة الأب الطاغية-الخبيثة، وتفوق “ديريك جاكوبي” بدورالملك المريض.
تظهر مهارة وعبقرية المخرج “كينيث براناه” بقدرته على دمج هذه الفانتازيا الرومانسية الممتعة مع خيال “تحريكي” حيوي، بحيث لا نعرف الحدود بين الواقع والخيال، كذلك بقدرته على ادخالنا لقصته السينمائية باسلوب تصوير استحواذي ومؤثرات بصرية مدهشة، ناهيك عن روعة الموسيقى التصويرية وبراعة تصميم الملابس والانتاج.
مهند النابلسي