حق العودة، بين التفريط والتمسك
احسان الجمل
تثار كل فترة من الزمن الاحاديث عن التوطين، بعد ان يكون مهد لها بايجاد حواضن امنية واجتماعية واقتصادية وبيئية، تشكل روافد لقبول الفلسطيني بما يطرح عليه، ولا يأتي ذلك من باب الصدفة، بل هو في سياق التخطيط والبرمجة، للانتهاء من العقدة الاساسية في الحل التسووي للقضية الفلسطينية.
فباستثناء القرار الدولي رقم 194 الذي ينص بوضوح على حق العودة والتعويض( ليس او) الى الديار، وليس الى الدولة الفلسطينية العتيدة. فكل ما طرح لاحقا، هو مخارج لحلحلة الامور ودفعها الى الامام ، وذلك عى حساب حق العودة.
فالشهيد الخالد الرئيس ياسر عرفات، وبعد محادثات ماراتونية في كامب دافيد، ايقن ان الاعداء الاسرائيليين والامريكيين، لن يعطوا اكثر ما اعطوا في المرحلة الانتقالية، لذلك اعتبر ان مرحلة اوسلوا انتهت عمليا، واطلق تصريحاته الشهيرة حول اللاجئين والقدس وقدسيتهما واهميتهما، واكد ذلك وهو في اللحظات الاخيرة من حياته، حين اوصى باللاجئين. فكان الخلاص منه، لانه شكل عقبة كأداء امام مخططاتهم.
واذا نظرنا الى المبادرة الفرنسية الاخيرة، التي لم تكتف القيادة بالموافقة عليها، بل الترويج لها، باعتبارها خشبة الخلاص، وما كتب بخصوص اللاجئين، نجد فقرة جديدة معدلة تحمل المزيد من التنازلات بحق اللاجئين، وهي حق عادل متفق عليه، واضيفت لها كلمة( متوازن) ولم توضح معناها، هل هي التعويض على اليهود الذين رحلوا من الدول العربية، وشكلوا كتلة استيطانية واحتلالية لوطننا فلسطين؟؟؟.
اليوم في لبنان، يعيش الفلسطينيون اللاجئون لحظات قلق، مترافقة مع زيارة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق الى باريس، تخوفا من ان يطرح عليه الفرنسيون، حلولا تعسفية بحقهم. تؤدي الى توطينهم، او زيادة الضغط عليهم لحملهم على الهجرة الطوعية.
وفي قراءة لوثيقة الرئيس ابو مازن – بيلين حول التوصل الى تسوية، وفيما يخص اللاجئين، في البند السابع منها، نجد في البندين الاول والثاني، مقاربة تنسف حق العودة، وتطرح بدائل لا تتفق وحق العودة ولا الحق العادل، وهي؟
1- في الوقت الذي يرى الطرف الفلسطيني أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم مكفول في القانون الدولي والعدالة الطبيعية، فإنه يدرك بأن مستلزمات العهد الجديد من السلام والتعايش، بالإضافة إلى الحقائق التي خلقت على الأرض منذ 1948م، جعلت تنفيذ هذا الحق غير عملي؛ لذا يعلن الطرف الفلسطيني استعداده لقبول وتنفيذ إجراءات ستضمن – إلى الحد الذي يكون فيه ذلك ممكنًا – مصلحة خير هؤلاء اللاجئين.
2- في الوقت الذي يعترف فيه الطرف الإسرائيلي بالمعاناة المعنوية والمادية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كنتيجة لحرب 1947 – 1949، فإنه يقر أيضًا بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الدولة الفلسطينية وحقهم في التعويض وإعادة التأهيل مقابل خسائرهم المعنوية والمادية.
نعم، وكأن العودة ليست حقا، بل مجرد مصلحة،ربما من الناحية النظرية، او التقديرية، قد يكون ذلك رأيا صائبا، بحكم ان هذه القيادة لم تتعايش مع اللاجئين وتلتمس همومهم، ولم تشعر بحجم التضحيات الجسام التي قدمت لاجل حق العودة، وتوق اللاجئون الذين ما زالوا يحملون مفاتيح بيوتهم، وما ورثوه من الاجداد والاباء، من ذكريات وحنين الى وطن سليب.
لا هدف ولا مطلب، للاجئ الفلسطيني سوى حق العودة الى الديار، ورغم كل المصائب والمعاناة، وضرائب الدم والاهانة التي دفعها اللاجئون، إلا انهم كل يوم يزيدون اصرارا على حق العودة، ذلك الهدف الذي يصطدم يوميا، بنشر سياسة الاحباط الممنهجة، التي هي ليست وليدة عبث سياسي، او تقدير خاطئ، انما سياسية ممنهجة، وفق رؤية تفضي الى افراغ مضمون حق العودة من جوهره ، والى الغاء المطالبة به، من خلال البحث عن حلول انية وسريعة، ناتجة عن اوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية خانقة، للهروب الى الامام من سياسة هروب القيادة من تحمل مسؤولياتهم عن اللاجئين.
ولا اتكلم هنا عن لاجئي لبنان، فحسب، بل ايضا عن مخيمات سوريا، التي تعيش اوضاعا صعبة، تدفعها الى خيارات صعبة، خاصة بعد ان فقدت ايمانها وثقتها بكافة المرجعيات الفلسطينية، التي تخلت عنها، بل ان البعض عمد الى توريطها.
وبرزت في الاونة الاخيرة، بالونات الاختبار، التي مورست سابقا ونجحت، بسبب غياب مشروع التصدي لها، وهي سياسة الانروا التي تطلق العناء لصراخها عن تقليص الخدمات، بسبب عجز مزعوم، في مقدمة لانهاء دورها السياسية، اسهاما منها في ضرب حق العودة، فإذا تم التصدي لها تتراجع، او يصبح صراخها واقعا معاش.
ليتحد اللاجئون في كل العالم، من اجل الدفاع عن حق العودة، ورفض اي تنازل، سواء كان عادلا او متفقا عليه، او متوازنا، فكلها مشاريع، للاسف تشارك القيادة في صياغتها، لان مفهوم الثورة انتهى لديهم، واصبحت مغانم السلطة والنفوذ لذة ما بعدها لذة.
احسان الجمل
مدير المكتب الصحفي الفلسطيني
Tel:009613495989