عيون القدس تتوهّجُ في ثنائيّات مُتلازمة!
آمال عوّاد رضوان
احتفاء بعيون القدس للكاتبة نبيهة جبارين، أقام نادي حيفا الثقافي والمجلس المِلّي الأرثوذكسيّ الوطنيّ- حيفا، وجمعيّة الأفق للثقافة والفنون أمسية أدبيّة، وذلك بتاريخ 22-10-2015 في قاعة كنيسة ماريوحنا للروم الأرثوذكس في حيفا، ووسط حضور من أدباء وشعراء وأصدقاء وأقرباء وقرّاء، وباسم نادي حيفا الثقافي رحبّت كوليت حدّاد بالضيوف، ومن ثمّ تولّى عرافة الأمسية الممثل الفنان محمود صبح، لتتلوها مداخلات كلّ من الأدباء: عفيف شليوط، د. مروان أبو غزالة، ود. محمّد حمد، والمحامي حسن عبادي. وفي نهاية الأمسية ألقت الشاعرة نبيهة جبّارين أربعة نصوص شعريّة، ثمّ شكرت الحضور والمتحدّثين والمُنظمين لهذه الأمسية، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة!
مداخلة عفيف شليوط: البكاء على الأطلال والمُدن والممالك له دوْرٌ في الشعر العربيّ، ومثال على ذلك (معلقة طرفة بن العبد)، ومطلعها :لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد/ تَلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليد.
الحديث عن عادة البكاء والوقوف على الأطلال في الشعر العربي طويل، فقد عرف شعراء المشرق العربيّ بكاءَ المدن، لكنّهم لم يبلغوا فيه شأن المغاربة والأندلسيّين الذين برعوا فيه، لكثرة سقوط المدن والممالك في المغرب العربيّ وخاصّة الأندلس، ومن شعراء المشرق الذين بكوْا مدينة بغداد، أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون سنة (197 هـ- 812 م). أمّا الشاعر عمرو بن عبد الملك الوراق فيقول :من ذا أصابك يا بغداد بالعين/ ألم تكوني زمانا قرّة العين/ ألم يكن فيك قوم كان قربهم/ وكان مسكنهم زينا من الزين/ صاح الغراب فيهم بالبين فافترقوا/ ماذا لقيت لهم من لوعة البين.
ويقول الخزيميّ إسحاق بن حسان الفارسيّ :يا بؤس بغداد دار مملكة/ دارت على أهلها دوائرها وحينما اقتحم الزنج البصرة سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة (255 هـ)، وهدّدوا كيان الدولة العباسيّة، واعتدوا على الأموال والحرمات والأعراض، قال ابن الروميّ :أي نوم من بعد ما حلّ بالبصرة/ ما حلّ من هنّات عِظام/ أيّ نوم من بعد ما انتهك/ الزنج جهارًا مَحارم الإسلام/ كم أخ قد رأى أخاه صريعًا
رأى البعضُ أنّ الوقوف على الأطلال هو رمز لحبّ الوطن عند الإنسان العربيّ، لكن حبّ الوطن وصدق العاطفة أكثر وضوحًا في البكاء على المدن والممالك، لأنّهم يبكون أرضًا سُلبت ووطنا ضاع، بل هم يَبكون حضارة وتاريخًا، كما أنّ القارئ لقصائد البكاء بنوعيه في النماذج الرائعة، يجد المتعة الفنيّة والأدبيّة التي يبحث عنها، لكنّه يهتزّ ويطربُ وهو يقرأ القصيدة الطلليّة، وهو هادئ النفس لا يكدر صفوه شيء، أمّا وهو يقرأ قصائد البكاء على المدن والممالك، فإنّه يشعر بشيء غير يسير من الألم والحسرة وربّما الفتور.
في ديوان “عيون القدس” للشاعرة نبيهة جبارين، يبرز البكاء على المواقع والمدن الفلسطينيّة والتغني بجَمالها، فتخصّص لمدينة القدس 4 قصائد؛ (عيون القدس، أيّ العواصم أنتِ يا قدسُ، أنتِ أقصى غايتي، وزهرة المدائن)، ويبرز تأثير الموروث الدينيّ بشكل واضح في قصائد هذا الديوان، فمثلاً في قصيدة عيون القدس، تذكر الإسراء والمعراج، والملائكة، البُراق، القيامة، والموروث التاريخي: الفاروق؛ عمرو بن الخطاب، وصلاح الدين.
وفي قصيدة (أيّ العواصم أنت يا قدسُ)، يبرز مرّة أخرى تأثير الموروث الدينيّ من نفح الطيوب، وهنا إشارة الى رائحة الطيوب التي وضعت على جثمان السيّد المسيح بعد موته على الصليب شهيدًا ومُخَلصًا وفاديًا للبشريّة، ونداء المآذن الله أكبر، وأجراس تآخت في النداء وقرع الأجراس، تستقبل العيون التي عشقت، وهنا تتلاحم حاسّة السمع مع النظر، كما تتلاحم رموز الديانتيْن المسيحيّة والإسلاميّة، في تناغم يُثير فينا الاعتزاز والفخر.
وفي قصيدة “عروس الجليل” التي تخصّ بها مدينة البشارة- الناصرة، يَبرز أيضًا تأثير الموروث الدينيّ، بشارة الميلاد، ثغر المسيح، راهبة تقيّة، عليك يا مريمُ السلام.
وفي قصيدة “ابنةُ يَعرُب” تناجي مدينة يافا، وتخصّ مدينة حيفا بقصيدة “حيفا.. يا عروسَ الكرمل”، ولا تنسى طبريّا في قصيدة طبريّا، وعكّا في قصيدة “أميرة البحر”، وتكتب عدّة قصائد عن مدينة غزّة، ورغم أنّ الديوان مُخصّص لفلسطين بمواقعها ومدنها، إلّا أنّها ونظرًا لعشقها لمصر، حيّتْ مصرَ بقصيدة “الصمت والهدير” فقالت: سلامًا/ يا مصرَ العروبة والحضارة/ ومصرَ النيل والأهرام والمنارة
إدوارد سعيد ربط بين المكان والهُويّة، فيقول ثمّة أهمّيّة بالغة للمكان دون شكّ في تشكيل وعي الفرد، والتأثير على مزاجه وميوله، خاصّة إذا ارتبط هذا المكان