رائف بدوي: جيل الغد لا يؤسّس بأفكار جرثومية
لا يزال رائف بدوي موقوفاً في السعودية، يواجه حكم السجن والجلد ألف جلدة. تنشر «الأخبار»، اليوم، ومؤسسات صحافية عالمية أخرى، مقالاً للمدوّن السعودي يعود إلى عام 2011، وذلك لمناسبة تكريم البرلمان الأوروبي لبدوي بمنحه «جائزة ساخاروف»
إن التعليم في السعودية مختطف منذ بداية الثمانينيات، أي بعد أحداث اقتحام الحرم المكي من قبل جهيمان العتيبي وأتباعه(1). وظلت الحال كذلك رغم كل المحاولات الحكومية الحديثة لتقنين سيطرة وسطوة رجال الدين المتشددين على التعليم بكافة قطاعاته. ولم تتخذ السلطات خطوة مهمة وجوهرية لفك ارتباطهم بالتعليم.
وليس كافياً أن يتم دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات، التي ظلت منذ إنشائها حكراً على الإسلامويين المتشددين وتحت سيطرتهم. حتى إنه لم يرأسها منذ تأسيسها رئيس يلبس العقال(2)، في دلالة على سيطرة الذكور المتشددين دينياً على قطاع تعليم المرأة تحديداً.
عندما أصدر العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قراره التاريخي «شكلياً» عام 2003، والقاضي بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة المعارف، وتعديل مسمّاها ليصبح وزارة التربية والتعليم، وتعيين امرأة في سُدّة تعليم البنات كنائبة لوزير التعليم لتعليم البنات، توقع الكثير من الليبراليين حينها أن الزواج الكاثوليكي بين المتشددين وتعليم المرأة تم الفصل به بطلاق بائن لا رجعة فيه. وبدأوا يرسمون الأحلام الوردية لمستقبل تعليمي أكثر تقدماً ومواكبة للعصر الحديث. لكن بعد مرور وقت كاف لتقييم التجربة الجديدة، أصيب جميع المتفائلين بخيبة أمل كبيرة، إذ لم يكن أمام السيدة الأولى في تعليم البنات، نورة الفايز، إلا أن تسير في نفس المسار المعدّ قديماً من قبل الحرس القديم لتعليم البنات. ولم تكن الفايز تتمتع بشخصية قيادية قوية تمكّنها من فرض أجندة الدولة في تطوير النظام التعليمي والقضاء على حمى التشدد والغلوّ فيها.
فقد كانت متردّدة في حسم كثير من الملفات، كإقرار الرياضة رسمياً للبنات في المدارس، ودمج الصفوف الابتدائية بين البنين والبنات. حتى إنه ببعض تصرفاتها وردود أفعالها تثير حفيظة اليسار واليمين على حدّ سواء.
ومثلاً، عندما ذهبت الفايز في زيارة رسمية عام 2010 إلى جمهورية الصين الشعبية، كانت ترتدي الحجاب فقط، وقد نشرت الصحف حينها صورة لها مع نظيرها الصيني لم ترتدِ فيها الفايز «العباءة»(3)، واكتفت بلبس الحجاب من دون تغطية وجهها، الأمر الذي أثار حفيظة اليمين بكافة فصائله.
وفي الوقت نفسه، خلال الزيارات الرسمية للفايز داخل السعودية، ظلت نائبة الوزير ترتدي العباءة مع تغطية وجهها بالكامل، وقد نشرت صحف رسمية صوراً لها مع بعض أمراء المناطق ومسؤولين حكوميين، ما أثار بالطبع حفيظة اليسار الذي يرى في مثل هذه التناقضات أن الوضع القديم لتعليم المرأة لا يزال معمولاً به.
إن البنية التعليمية التي يُعتمد عليها في بناء المواطن تعتمد على تغليب الجانب الديني والعقدي والميثولوجي على الجانب العلمي والفلسفي والاجتماعي، وهذا الأمر معيب للأسف الشديد في السعودية. ويبقى اعتماد المناهج الرسمية على الدين وميثولوجيته، إذ إن عدد مواد الدين من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية هو 7 مواد، في مقابل ست مواد تتراوح ما بين اللغة والآداب والمواد العلمية. ويوضح الجدول التالي عدد المواد الدينية مقابل العلمية في منهج المملكة التعليمي.
* مواد الدين: القرآن، الحديث، التفسير، الفقه، التوحيد، التجويد، وصور من حياة الصحابة والتابعين (للمرحلة المتوسطة).
* المواد الأخرى: الرياضيات، اللغة العربية، الجغرافيا، التاريخ، العلوم، اللغة الانجليزية (المرحلة المتوسطة)، فيزياء وكيمياء (المرحلة الثانوية)، وحاسب آلي (المرحلة الثانوية).
وبالرجوع إلى الجدول أعلاه، نجد الخلل واضحاً، ونلاحظ رجحان كفة المواد الدينية على حساب العلمية، هذا لو افترضنا في الأصل أن المناهج العلمية ذات مستوى عال، إذ إنها أثبتت (بشهادة مسؤولي وزارة التعليم ورأس الهرم فيها) ضعف محتواها ومستواها العلمي مقارنة بدول العالم الثالث.
فما بالنا لو تجرّأنا على مقارنها بمناهج العالم الثاني؟!
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، ازداد اهتمام الحكومة السعودية بالتعليم العام والمناهج الدراسية تحديداً، ووقعت المناهج الدراسية السعودية تحت مجهر المؤسسات الأميركية الرسمية والخاصة. ساعد ذلك في كشف ما تحتويه مناهج المملكة من عنف وإرهاب وكراهية، حتى في مناهج الصفوف الدنيا.
ولقد قام مركز الحريات الدينية التابع لمؤسسة «فريدوم هاوس»، بالتعاون مع «معهد دراسات الخليج»، بإصدار تقرير هو الأكثر سخونة على الاطلاق، والذي تناول المناهج السعودية وخطاب المعاداة والكراهية لكل ما هو غير وهّابي، إذ احتوى التقرير على تفاصيل واقتباسات كثيرة من مناهج وكتب الدراسات الإسلامية منذ المرحلة الابتدائية، حيث تعلم الكتب الطلاب أن العالم ينقسم إلى مؤمنين وكفار. وكشف تقرير «فريدوم هاوس» و«معهد الخليج» أن الحصص الدينية تشغل من ربع إلى ثلث الساعات الدراسية في جميع المراحل التعليمية اليومية.
كيف لنا أن نؤسّس جيل الغد بمثل هذه الأفكار الجرثومية؟ بتعليمهم الخوف والكره والحقد وقتل الآخر المختلف؟ كيف لنا أن نرتكب مثل هذه الجرائم في حق أطفالنا!؟
كل ما أودّ قوله، إن سرّ تقدم الأمم هو التعليم المحترم الذي يراعي إعلاء الجانب العلمي والأخلاقي على الجانب الديني. فهل سنعي ذلك قبل فوات الأوان؟ وإلا، فسنترك قطار التشدد يدهسنا!
هوامش:
(1)- جهيمان العتيبي، رجل دين سعودي متشدد، اقتحم الحرم المكي واحتله مع مجموعة من أتباعه سنة 1979.
(2)- العقال هو ما يلبسه السعوديون فوق ما يسمى الغترة أو الحطة لتثبيتها.
(3)- رداء تشتهر بلبسه النساء في العالم الاسلامي، وهو يغطي المرأة بالكامل، وغالباً ما يكون لونه أسود.
رائف بدوي
جدة ــ 2011
******
البرلمان الأوروبي يكرّم بدوي بـ«جائزة ساخاروف»
منح البرلمان الأوروبي، أمس، «جائزة ساخاروف» الأوروبية لحرية الفكر للمدوّن السعودي المعتقل رائف بدوي، المحكوم عليه بالسجن والجلد في بلاده بتهمة «الإساءة للإسلام». وبحسب مصادر برلمانية أوروبية، فقد اختير بدوي (31 عاماً)، مؤسس «الشبكة الليبرالية السعودية الحرة»، من قبل قادة الكتل السياسية في البرلمان، «ليمنح هذه الجائزة المرموقة لعام 2015».
وسيتم تكريم بدوي بالجائزة خلال مراسم حفل ستقام في البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية في السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وبعد الإعلان عن فوز بدوي بالجائزة، دعا رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى إطلاق سراح المدوّن السعودي «على الفور حتى يأتي لتسلم جائزته» في كانون الاول، فيما أعربت زوجة المدوّن المعتقل، إنصاف حيدر، عن سعادتها لمنحه الجائزة، معتبرةً أنها «رسالة أمل وشجاعة».
(أ ف ب)
الاخبار اللبنانية 30-10-2015