عدد اليوم من كنعان : الميادين…لقد تاخروا، عادل سمارة، كفاح المرأة في الثورة الفلسطينية، فايز رشيد وآخرين
في هذا العدد:
■ لا تحرر للمرأة من دون انعتاق المجتمعات من نمط الانتاج الرأسمالي الطبقي، عبد السلام أديب
■ مصر: عزوف «الأكثرية» و«احتجاجها،» ، ورد كاسوحة
■ القطب المأزوم يصعّد في بحر الصين الجنوبي، علاء أبو فراج
■ الميادين…لقد تاخروا، عادل سمارة
■ كفاح المرأة في الثورة الفلسطينية، فايز رشيد
● ● ●
الميادين…لقد تاخروا
عادل سمارة
طيب فوق اللزوم من يعتقد بأن المال النفطي يمكن أو يولد شركة حتى بالمعنى الراسمالي المألوف والطبيعي. فالريع يتأتى لهذه الأنظمة بلا جهد محلي. واليد التي تتحكم به لا تعرف اساس إدارة رأس المال بالمعنى المألوف أيضاَ.
وحين تكون الشركة في بلد او من أموال بلد كالسعودية، فهي لا يمكن تصنيفها في علم راس المال بالشركة بل أداة تنفيذ مواقف سياسية للدول التي تتبع لها السعودية ومثيلاتها.
بكلام آخر، لا تسمية شركة هي منطبقة على “عرب-سات” ولا تسمية عرب لأنها ليست شركة في خدمة العرب.
وإذا كان الإعلام من حيث المبدأ أو الافتراض هو حريته في البث ومن ثم قيادته لحرية القول لغيره، فإن كل هذا لا ينطبق على عرب-سات التي هي تراكم من السيولة المالية لإعماء الأمة. فليس طبيعيا قط أن تنطلق حرية التعبير والقول من بلد لا يتكلم فيها سوى الملك، وغالبا الملك “عيِيًّاً”. كلنا سمعنا قبل ايام هذيان أحد أبناء الحكم السعودي “الوليد بن طلال” وهو يثار من الانتفاضة لصالح الصهيونية. أعتقد ـأن على الميادين أن تفخر بأن من يهدد بإسالة دم الشباب الفلسطيني هو الذي يقطع شرايين الميادين. وأخيراً، أما آن لوعي الشرفاء البسطاء أن يترجل!
● ● ●
كفاح المرأة في الثورة الفلسطينية
د. فايز رشيد
المرأة الفلسطينية فتاة كانت ,أم أو زوجة هي عصب رئيسي في الثورة الفلسطينية تاريخيا, وفي الإنتفاضاتين :الأولى والثانية والثالثة الحالية . دورها في المقاومة يتخذ أشكالا متعددة : مباشر في الإشتباك مع العدو أو في مناولة الحجارة للشباب ,كما يجري حاليا ويراه الناس على شاشات التلفزة … هؤلاء الصبايا الملثمات بالكوفية الفلسطينية أو العلم الفلسطيني , وبطريقة غير مباشرة يشاركن في إعداد الاجيال من الشباب الممتلىء إيمانا بقضية شعبه الوطنية, والمستعد للتضحية بالروح في سبيلها ومن أجلها, ولولا هذه التربية العقائدية للأبناء من قبل المراة الفلسطينية لما كانت كل هذه التضحيات الفلسطينية الهائلة على مدى قرن زمني!. كم من الفدائيات الفلسطينيات قمن ويقمن بعمليات عسكرية؟ كم منهن قدن مجموعات فدائية ؟. كم من الأسيرات في السجن؟ وكم؟ وكم . المقصود القول : أن المرأة الفلسطينية لم تغب مطلقا عن مشهد صراع شعبها مع العدو الرئيسي: العثماني والبريطاني من قبل والصهيوني حاليا. النقطة الدقيقة والمفصلية في نضالات المرأة الفلسطينية , أنه لم يكن مسموحا لها المشاركة في النضال العلني ,الذي اقتصر على الرجل, وذلك نظرا للظروف الاقتصادية – الاجتماعية التي عاناها الشعب الفلسطيني بشكل عام , وفقا لمراحل تطوره الإقتصادي ,والآخر الوطني, ولايمكن الفصل بين العاملين, وتأثيرات ذلك على المرأة الفلسطينية بشكل خاص. القضية الأخرى … بحكم عوامل عديدة (ليس محلها مقالة صحفية وإنما بحث مستفيض) , لا يمكن الفصل بين واقع المرأة الفلسطينية وواقع المراة العربية ,وبخاصة أن جزءا كبيرا من الفلسطينيين يعيشون في الشتات العربي, بالتالي فإن التأثر والتأثير بين طرفي المعادلة لا يمكن إنكاره. صحيح ان واقع المراة الفلسطينية تحت الاحتلال الصهيوني المباشر لا بد وأن يفرض سماته على ظروف المرأة ونضالاتها أيضا, ولكن عند استعراض قضية المرأة الفلسطينية علينا أخذه في العام وليس الخاص. علامة أخرى تركت تأثيرها المباشر على نضالات المراة الفلسطينية وهي: الثورة الفلسطيمية الحديثة وبالضروة الانتفاضتان السابقتان والانتفاضة الدائرة حاليا. أيضا العامل الآخر فيما يتعلق بوضع المرأة تحت الاحتلال هو شدة إجرام قوات الاحتلال الصهيوني وفاشيته المطوّرة, وحدة استفزازاته. أيضا بعد فشل الأحزاب الوطنية والقومية والديموقراطية على المستوى العربي ( بفعل عوامل عديدة) ولأن الطبيعة تكره الفراغ بالطبع , فإن قوى الشد العكسي, خططت لإعادة المرأة عقودا إلى الوراء بل قرونا سابقة !. قوى الشد العكسي أوقفت حركة تطور المراة وحقوقها ,وعطلت جزءا ليس قليلا من طاقات المرأة الفلسطينية, لكن وعي المراة الفلسطينية لكل العوامل المذكورة, استطاع الحد من اندفاعة قوى الشد العكسي تلك.
لم تستكن المرأة الفلسطينية في أي محطة من محطاتها لتكن قي خضمّ الصورة، ولم تقبل بأقل من ان تكون شريكاً رئيسياً في النضال ومواجهة الاحتلال إلى درجة تحمّل تعذيبه وقمعه، فقدمت على مدار الثورة العديد من النماذج المشرقة التي كانت منارات نضالية وثورية ليس على صعيدي المرأة الفلسطينية وشقيقتها العربية فحسب, بل على صعيد المرأة على النطاق الإقليمي والآخر العالمي.ورغم أن مجتمعنا لا يتصف بالكثير من الإنصاف بحق المرأة عموماً، الا ان للمرأة المقاومة مكانة خاصة تكسر كل حواجز التمييز ضدها، وتدفع المجتمع لإبداء احترام خاص لتضحياتها ودورها النضالي.
اليوم نعيش أجواء انتفاضة فلسطينية جديدة، وكعادتها المرأة الفلسطينية لم تبق حبيسة منزلها بل خرجت للشارع وشاركت بفاعلية في المواجهات ضد قوات الاحتلال لتكون في وجه بطش آلة القتل الصهيونية تشارك في الاعتصامات، المظاهرات وفي تنفيذ العمليات البطولية.
شهدت وتشهد الانتفاضة الشعبية التي تدور نضالاتها في ربوع وطننا الحبيب، مشاركة كبيرة عبّرت عن حجم كفاح المرأة الفلسطينية, وجسدت الوعي والإدراك من المجتمع لدور المرأة في العقلية الفلسطينية، والتي قوبلت بردود فعل مرحبة من المتابعين لهذه المشاركة في غالبيتها الساحقة,ولكن هذا الترحيب لم يخلُ من جهل واضح بواقع المناضلات الفلسطينيات وما سبق وأن قدّمنه ويقدّمنه في مواجهة الاحتلال، فسارع الكثيرين لاعتبار ما يحدث تطور عجيب على مسيرة المرأة الفلسطينية و دورها، وفي ذلك اجتزاء واضح للصورة والنضالات التي قدمتها هذه المرأة عبر كفاحها الطويل.
ومن مناضلاتنا الفلسطينيات : الشهيدة حلوة زيدان ,الشهيدة شادية أبو غزالة ,فاطمة غزال ، ميمنة عز الدين القسام ،طرب عبد الهادي ،عقيلة البديري، نبيهة ناصر ، الأختين مهيبة وعربية خورشيد ، عادلة فطايري ، يسرا طوقان ، فاطمة أبو الهدى ، نجلاء الأسمر ، حياة البلبيسي ، جوليت زكّا ، فاطمة برناوي ، عبلة طه ، لطيفة الحواري ، خديجة أبو عرن ، ليلى خالد ، ريما بلعوشة زهيرة أندراوس,أمينة دحبور ,دلال المغربي,دعاء الجيوسي ,لينا النابلسي ,شروق دويات، وهديل الهشلمون اللتين تعرضتا لإطلاق النار بدم بارد بقصد القتل من قبل جنود الاحتلال فاستشهدت هديل واعتقلت شروق, وهذا إن دل فإنه يدل على أن المرأة الفلسطينية مستهدفة لهويتها ولدورها الوطني.
المرأة الفلسطينية شاركت في المواجهات وبكثافة، وتشارك في العمليات الفردية التي بدأت تبرز في الفترة الأخيرة كوجه من أوجه النضال ضد هذا المحتل الغاصب، صمود كراجة ابنة الـ27 عاماً فتاة فلسطينية أقدمت على تنفيذ عملية فدائية وطعنت جندياً صهيونياً على حاجز قلنديا العسكري شمال القدس، صمود أكّدت أنها لم تفكر كثيراً، وما كان يدور بخاطرها هي بضع تساؤلات تدور كلها حول “كيف لهذا الغاصب المحتل أن يمنعني من دخول أرضي؟ ولماذا عليّ أن أقبل هذا الواقع المُذلّ بأننا دوماً بحاجة لإذن من الاحتلال لأيّ فعل أقوم به”، وكانت تُجيب على هذه التساؤلات كلّها بعبارة واحدة وهي “سأوصل رسالتي بالقوة”.”عندما نفذت عملية الطعن شعرتُ أن سكيني أعظم بكثير من دولة إسرائيل، أقوى من أسلحتهم، صوتي أعلى من صوتهم، فلسطين هي أمي”، هذا ما قاتله كراجة في وصفها للحظة تنفيذ العملية.
هذا هو الوجه المشرق لنضال شعبنا الفلسطيني، هذه هي الصورة المكتملة، فالمرأة ليست جديدة ولا تابعة، بل هي شريك أساسي، في الماضي والحاضر والمستقبل، والأكيد أن المرأة الفلسطينية ستكون في كل محطات النضال رقماً صعبا لا يمكن تجاوزه.كانت دماء الشهيدات آيات الأخرس، ووفاء إدريس، وريم الرياشي، وهنادي جرادات، وميرفت مسعود، وأم الاستشهاديات فاطمة النجار، زيتاً ووقوداً أشعل الانتفاضة .وفي عتمة السجون، تسطع الأسيرات الفلسطينيات وهجاً وصموداً، منهنّ القيادية في الجبهة الشعبية الأسيرة خالدة جرار، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، والأسيرة لينا الجربوني عميدة الأسيرات الفلسطينيات، والنماذج كثيرة لا يمكن أن تتسع لهن مقالة لذكرهن جميعا، فنبع العطاء الفلسطيني لاينضب ولا يمكنه أن يجف.ننحني إجلالا لنضالات المرأة الفلسطينية في الكفاح ضد هذا العدو المابعد فاشي… كل التحية للمرأة العربية أيضا.
● ● ●
لا تحرر للمرأة من دون انعتاق المجتمعات من نمط الانتاج الرأسمالي الطبقي
عبد السلام أديب
المغرب
1 – هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟
• بقدر ما أرفض مصطلح “الربيع العربي” الملغوم، فإني لم المس أي تغيرات متميزة تخص وضد النساء على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم من أجل تجاوز السلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق، بل يمكن القول ان هذه العقلية بدأت تتكرس أكثر وبشكل منهجي ومنتظم عبر انتشار وفرض الاسلام السياسي في البلدان المغاربية والعربية. فما حدث في البلدان المغاربية والعربية هي مجرد تمردات وردود فعل قوية لكنها عفوية لم تحظ بقيادة تقدمية موحدة وبالتالي ترقى الى مستوى الثورات الشعبية التي من شأنها احداث تحولات جذرية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية.
فهذه التمردات وردود الفعل التي حدثت في الحلقات الاضعف من البلدان الرأسمالية العالم ثالثية والتي ثارت بسبب تعمق الازمتين الاقتصادية والمالية وما افرزته من تكريس الاستغلال المزدوج الكومبرادوري والامبريالي وآثارها الكارثية على هذه الشعوب، اقتصرت شعاراتها على المطالبة بالحرية والديموقراطية وما يرتبط بهما من اسقاط الفساد والاستبداد، اعتقادا من هذه الشعوب المضطهدة ان المصطلحين السحريين كفيلين بالارتقاء بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على شاكلة ما حدث خلال الثورات البرجوازية في أوروبا (خاصة الانجليزية والفرنسية) وبالتالي الارتقاء بالوضع الثقافي المتحرر من الهيمنة والاغتراب الديني والايديولوجي.
لكن مافيات القوى البرجوازية الصغرى الحاكمة وبدعم من القوى الامبريالية، استطاعت تحوير هذه المصطلحات لصالحها وبالتالي ايهام الجماهير الشعبية بمضامين ظلامية مغلفة بالدين لا تمت للحرية والديموقراطية بصلة، بل تفرض منظومة ثقافية وايديولوجية متناغمة بشكل كامل مع المنظومة البرجوازية المهيمنة، وتخضع الشعوب المضطهدة لمنظومة فاشستية ظلامية اكثر تشددا واغراقا في التخلف وبالتالي تحويل هذه الشعوب الى مجرد قطيع من الغنم في خدمة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري والامبريالي. ففي ظل هذا الواقع نشهد اليوم انتكاسة جديدة للحداثة ولقابلية الانسان أن يصنع تاريخه وفي ظوء كل ذلك تردت حقوق النساء وحرياتنم.
قد يستغرب المتتبع لهذه الانتكاسة في منظومة القيم، نتيجة تشجيع الامبريالية للإسلام السياسي الذي يعيد الشعوب والمجتمعات قرونا الى الوراء، في حين ان البرجوازية المهيمنة ظلت منذ مرحلة صعودها خلال القرن الخامس والسادس عشر تعمل على تحطيم كافة المبادئ والقيم القديمة ولا تعبأ للمبادئ الدينية الا بما يخدم مصالحها واستراتيجيتها واهدافها التراكمية والتحكمية. لذلك لا يجب الاستغراب حينما نلاحظ أن نمط الانتاج الرأسمالي الذي يهيمن كوكبيا اليوم قد بدأ يعيش منذ بداية القرن العشرين مرحلة احتضار طويلة وبان ضرورات الحفاظ على النظام تدفع البرجوازية الى محاربة كافة الافكار والقوى التحررية، بل ومحاربة حتى ديموقراطية بالمفهوم البرجوازي بأساليب ملتوية حتى لا تتقوى الحركات الثورية في ظلها وتتمكن من الاطاحة بالنظام المهيمن.
المنظومة الثقافية السائدة في المنطقة والتي تسهر الامبريالية على تكريسها تقوم على نفس مبادئ نمط الانتاج الرأسمالي من حيث الملكية الخاصة والتفاوت الطبقي وهيمنة العقلية الذكورية. علما ان حرية المرأة وحقوقها الطبيعية ستظل ناقصة ما دامت هذه المبادئ هي القائمة. وفي ظل تحكم الاسلام السياسي في البلدان المغاربية والعربية تتزايد القيود المفروضة على حقوق النساء وحرياتهن بل نشاهد تفاقم مظاهر اضطهادها واستغلالها.
2 – هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟
• الصراع الطبقي لن يتوقف بهيمنة الاسلام السياسي على اجهزة الحكم وعلى شعوب المنطقة، فسرعان ما برزت التوجهات الفاشستية لهذه الانظمة وبنياتها الطبقية والاستغلالية المتناغمة مع السيطرة الامبريالية في عدد من الدول كتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق. فقد ظهر زيف الحرية والديموقراطية المتشدق بهما من طرف تيارات الاسلام السياسي والهادفة فقط لتخدير الطبقة العاملة نساء ورجالا من اجل تعميق استغلالها. فهذه المرحلة من انتكاسة المقاومة الجماهيرية للهيمنة الكومبرادورية الجديدة والامبريالية لن تكون طويلة، فسرعان ما ستستفيق طليعة البروليتارية لتنظيم نفسها من اجل تحرر حقيقي لها عبر اسقاط المافيات الحاكمة وأدوات تحكمها الايديولوجية ومن بينها الاسلام السياسي. ويظل تحرر المرأة لصيقا بتحرر البروليتارية والمجتمع من المنظومة البرجوازية المهيمنة بجميع تجلياتها.
لقد ظهر بأن سقوط بعض رؤوس الانظمة المغاربية والعربية كبنعلي ومبارك وعلي عبد الله صالح ومرسي من على هرم النظام الطبقي وأعوانه أنه شبيه بتغيير قميص قديم أصبح باليا بقميص جديد، بمعنى تغيير كومبرادورية قديمة طال تحكمها كالدكتاتور حسني مبارك بكومبرادورية جديدة كمورسلي والسيسي مضافا اليها مديونية هائلة لتهدئة الأوضاع شكليا، والتي أصبحت تشكل ريعا اضافيا لتدبير مؤقت لازمة النظام الرأسمالي المزمنة. وباسم الديموقراطية والحرية تم فرض الاسلام السياسي والقفز على حقوق وحريات النساء.
3 – ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها أحزاب الإسلامي السياسي إلى الحكم؟
• لقد كانت النساء القاعديات (وأعني هنا المرأة العاملة والفلاحة) على مر التاريخ شريكة في النضال العمالي ضد الاستغلال والاضطهاد البرجوازي. فالمشروع الاشتراكي التحرري الثوري لا يعزل النساء عن الرجال بل يجعلهما في خندق واحد من اجل اسقاط النظام الرأسمالي بكل قوانينه الطبقية وملكيته الخاصة وعمله المأجور وقيمه التبادلية. فبدون اسقاط هذه القوانين واقتصار نضال الحركات النسائية على حقوق وحريات شكلية داخل المنظومة الرأسمالية لا تلبي سوى رغبات جزء من النساء البرجوازيات، بينما تهمل بالمطلق شروط الوجود المادي للغالبية العظمى من النساء القاعديات اللاتي تتركن لمصيرهن في شروط مادية مأساوية تكرس المزيد من الاستغلال.
4 – تدعي أحزاب الإسلامي السياسي بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي، وهي التي تحمل شعار “الإسلام هو الحل”؟
• الاسلام السياسي يحمل منظومة ثقافية وايديولوجية طبقية ورجعية متناغمة مع الايديولوجية البرجوازية المهيمنة. والفكر الديني على العموم نشأ وتطور في مجتمعات طبقية واستغل على مر العصور من طرف الطبقات المهيمنة للحفاظ على نفس القيود التراتبية وفرض نظرية القطيع على الشعوب. ولا يرقى الاسلام السياسي حتى الى منظومة الحقوق والحريات البرجوازية التي كرستها المواثيق الدولية البرجوازية لحقوق الانسان والتي وضعت في فترة التوازن الدولي بين معسكرين اشتراكي ورأسمالي 1945. لكن البرجوازية المهيمنة لا تأبه لهذا التناقض لدى الاسلام السياسي ما دام منبطحا في خدمة شروط التراكم الرأسمالي ومنظومته الاستغلالية.
5 – هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟
• المسؤولية لا يمكن القائها على النساء كأفراد بقدر ما هي مسؤولية كينونة الطبقات الاجتماعية المضطهدة. فتشردم واغتراب الطبقة العاملة العربية والمغاربية وانقساماتها وخضوعها لاضطهاد ما يعرف بالاستبداد الشرقي لقرون هو بفعل المنظومة الثقافية التخذيرية السائدة التي يتم تكريسها بالقوة والقمع المادي والادبي. لكن نفس الاضطهاد والانقسام والقمع والاستغلال والاغتراب يخلق داخلها وعيا طبقيا سرعان ما يحتدم ويتجسد في أشكال من الصراع الطبقي وينتشر كالنار في الهشيم دافعا نحو تشكل انوية الدفاع الذاتي ومقاومة الانظمة الاستبدادية القائمة. وتلعب النساء دورا استراتيجيا داخل انوية المقاومة الجماهيرية التي تنشأ من أجل الثورة وقلب الوضع القائم ومواجهة المنظومة الثقافية والايديولوجية والدينية المتفككة بفعل انفضاحها من اجل تحرر الطبقة المضطهدة ومن بينها كينونة المرأة. لكن الامبريالية والكومبرادوريات الحاكمة التي ترفض نشوء مثل هذه الانوية الثورية فإنها تحاربها بالحديد والنار والاختطافات والاعتقالات وفبركة الاحكام الملفقة وخنق المثقفين باساليب ملتوية. فبناء وتقوية التنظيمات البروليتارية الثورية وانخراط النساء في نضالاتها سيظل هو الطريق الصحيح لإنهاء حالة اضطهاد النساء والطبقة العاملة ككل.
6 – ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه من سيادة المجتمع الذكوري ومن عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟
• ان محاربة العقلية الذكورية هي رديف لمحاربة العقلية البرجوازية والعمل من اجل اسقاط المنظومة البرجوازية بمختلف قيمها بدأ بالملكية الخاصة التي يدخل ضمنها تملك المرأة. فالعلاقات الجنسية في المجتمع البرجوازي يفرض على المرأة أن تجعل من موقعها السلبي حسابا اقتصاديا في كل مرة تصادف فيه الحب. أما الرجل فيقوم بهذا الحساب بشكل نشيط من خلال تخصيصه لمبلغ معين من اجل ارضاء نزواته. ومن هنا ففي ظل المجتمع البرجوازي، لا يتم ترجمة جميع الحاجيات الانسانية نقدا – وهذا هو حال الحاجة الى الحب لدى الرجل – بل، بالنسبة للمرأة تقتل الحاجة إلى النقود الحاجة الى الحب. وحيث لا يمكن تجاوز هذا النوع من الاغتراب أو الاستقطاب بدون الغاء الاقتصاد السلعي وانعدام الأمان المادي الذي يرافقه. فانعدام الأمان نجده على الخصوص لدى النساء. ويتطلب هذا الالغاء حذف نفي جميع البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعكس وتعيد انتاج العلاقات السوقية. إن المضمون الاقتصادي للثورة يتيح القاعدة المادية لنشوء علاقات جديدة نوعيا بين الكائنات الانسانية.
● ● ●
مصر: عزوف «الأكثرية» و«احتجاجها»
ورد كاسوحة
نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية ليست المؤشّر الوحيد على تجميد المشاركة السياسية في هذا البلد، فقد سبقتها مؤشّرات كثيرة كانت تتراكم باستمرار وتعمّق عبر تراكمها مأزق الحكم الذي لم يعد يعبّر عن خيارات الأكثرية الشعبية إلا في حدود ضيقة. هذه المرّة لم تمنحه الأكثرية ثقتها وفضّلت الانكفاء وعدم المشاركة في البند الثالث من خريطة الطريق، بعدما كانت مشاركتها الكثيفة في البندين الأولين (الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية) هي الورقة التي منحته شرعية الوجود والادعاء بتمثيل غالبية المصريين.
دلالات الانكفاء
الانكفاء هنا بدا تعبيراً عن أزمة ثقة بين عموم المصريين والحكم الذي لم يعدم وسيلة لحضّهم على المشاركة. هذه الأزمة جرى التعبير عنها في أكثر من مناسبة، وكان يفترض بالنظام أن يلتقط هذه المؤشرات ويسعى في ضوئها إلى استعادة ثقة الأكثرية بدل المضي في تعميق الأزمة السياسية عبر «إلغاء المعارضة» ومنعها من التعبير عن نفسها ضمن أطر مقبولة. البيئة التي استفتت على الدستور وانتخبت السيسي رئيساً كانت تتابع هذا المشهد ورغم أنها ليست معجبة بأداء المعارضة إلا أنها كانت تفضل بقاءها ضمن المشهد السياسي، على الأقلّ لإضفاء طابع تعددي على المشاركة الانتخابية. صحيح أنه وجود رمزي في ظلّ «التوجه العام» إلى توحيد الأصوات المؤيدة للدولة في «حربها ضدّ الإرهاب» (قائمة «في حب مصر» التي اكتسحت الانتخابات في مرحلتها الأولى) لكنه يمنح رغم رمزيته شرعية إضافية للحكم ولا يسمح للإخوان بمعاودة التعويل على عنصر الاستقطاب داخل المجتمع. الآن وفي ظلّ استبعاد المعارضة من المشهد تماماً ودخول فئة واحدة محتكرة للتمثيل الشعبي إلى البرلمان فإنّ الاستقطاب سيعود بقوّة وسيمنح الإخوان فرصة لملء الفراغ الموجود في المشهد السياسي. وهو بالضبط ما تخشى منه الفئات المؤيدة للحكم الحالي، حيث تعتبر أنّ الحشد لمصلحة الجماعة سيكون أسهل هذه المرة لوجود «مبرّر سياسي» يتيح لها معاودة العمل مع المجموعات التي غيّبها الحكم أو قمعها. وقد حصلت اختراقات من هذا النوع في الآونة الأخيرة خصوصاً على مستوى القواعد التي وحّدها قمع السلطة واستبعادها للعمل الطلابي الفاعل داخل الجامعات، فضلاً عن الكمّ الهائل من الاعتقالات الذي طال معظم المجموعات السياسية ولم يميز بينها لا سياسياً ولا اجتماعياً. كلّ ذلك أضفى شرعية على نشاط القواعد الإخوانية وسهّل عليها «معاودة العمل» ضمن الأطر التي كانت تنشط فيها قبل انتهاء حكم الجماعة. وفي حال بقيت السلطة مصرّة على إنهاء العمل بالأطر التقليدية للمعارضة القريبة منها فإن القواعد الاخوانية التي «استعادت نشاطها» ستكون هي البديل، ولن تستطيع هذه المرة دعاية النظام النيل منها لأن المجال السياسي لم يعد يتسع لغير الحكم والمجموعات التكفيرية التي تحاربه.
اغتراب المجتمع سياسياً
في ظروف كهذه يجد المجتمع المصري نفسه بين فكّي كماشة، فمن جهة هنالك الحكم الذي أيّده بشدة واستفتى على وجوب استمراره مرّتين ولكن من دون نتائج تُذكر حتى الآن، ومن جهة أخرى مجموعات الإسلام السياسي التي ثار ضدّها أكثر من مرّة، وفي كلّ مرة من هذه المرات كانت «تعود أقوى من السابق» بفعل غباء السلطة وتصميمها على إغلاق المجال العام أو جعله حكراً على القوى التي تواليها بشدّة. هنا لا يعود المجتمع ممثلاً في أيّ من الأطر السياسية للدولة وتصبح القنوات بينه وبين هذه الأخيرة مسدودة، على الرغم من انه يتفق معها في موقفها من جماعات الإسلام السياسي. غربته بهذا المعنى تغدو مضاعفة، فابتعاده عن الدولة لا يترافق مع تقارب من أيّ نوع مع المجموعات التي تناصبها العداء، وخصوصاً الإسلامية منها. أما المعارضة التي يعبر عنها اليسار فلا تبدو في ظلّ تحلّلها الحالي وعجزها عن قراءة المتغيرات قريبة منه، وهو ما يرشّحه للدخول في حالة كمون شبيهة بتلك التي كانت موجودة أيام نظام مبارك. وهذا يعني أنّ الممارسة السياسية في المرحلة المقبلة ستكون خالية من أيّ مضمون، وستقتصر على النخبة التي وصلت إلى البرلمان بأصوات «الأقلية» الشعبية. التشريعات هنا لن تكون في مصلحة المجتمع طالما انه اختار العزوف وعدم إعطاء الشرعية للأعضاء المُنتخبين في البرلمان، وإذا خرجت من هذا المجلس تشريعات معيّنة، فستكون لمصلحة الأقلية ولن تستفيد منها الأكثرية الشعبية التي قاطعت الانتخابات. وهذا في السياسة يعتبر نزعاً للشرعية وتأكيداً على الطابع غير الديمقراطي الذي ستكون عليه هذه السلطة. الأكثرية هنا لا تتحمّل مسؤولية «عدم الاختيار»، إذ إنّ مشاركتها كانت مشروطة بتوفير المناخ السياسي الملائم للعملية الانتخابية، وعندما لم يتوافر هذا المناخ فضلت التنحّي جانباً وترك السلطة تتحمّل وحدها مسؤولية الفراغ الحاصل في العملية السياسية. وهذا فعل احتجاجي قبل أن يكون سياسياً، ما يدل على استمرار الحالة التي بدأها المصريون في عام 2011 مع ثورة يناير، وإن لم يأخذ الاحتجاج هذه المرّة طابعاً جماهيرياً كما في السابق.
الاحتجاج السلبي
عندما كان يعزف المجتمع في السابق عن المشاركة في العملية السياسية كانت القوى والمجموعات الاحتجاجية المتمّرسة في التنظيم هي التي تستفيد من هذا العزوف، وتنقله من حالة الكمون إلى حالة الفعالية والاشتباك مع السلطة. أما الآن وفي ظلّ إضعاف تلك القوى من جانب الحكم، فإنّ المجتمع مضطرّ للمواجهة وحده، والمقصود بالمواجهة هنا ليس الاشتباك مع السلطة بل محاولة الضغط عليها من موقع الحليف لإجبارها على التراجع عن خيارات دعم الأقلّية النافذة من أمنيين ورجال أعمال وعائلات تقليدية و…الخ. فهؤلاء بالإضافة إلى بعض الأحزاب التي تمتلك المال السياسي («المصريون الأحرار» مثلاً) هم الذين نالوا حصّة الأسد في الجولة الأولى من الانتخابات، وتمثيلهم داخل البرلمان سيكون لمصلحة «الأقلية التي انتخبتهم»، وليس لمصلحة الشعب عموماً. ولذلك فإنّ السلطة عندما تحميهم تكون عملياً قد وفّرت غطاءً شرعياً لصيانة الامتيازات التي قامت ثورة يناير من أجل انتزاعها وإعادتها إلى الشعب. هذا الغطاء هو ما تحاول الأكثرية التي عزفت عن التصويت رفعه عبر إشعار السلطة بأنها ميّزت بين المرشحين ولم توفّر لهم فرصاً متساوية للوصول إلى المجلس، وهي بذلك تمارس الاحتجاج السياسي من دون امتلاك أدواته بالضرورة، ومن دون توفّر السياق الذي يسمح بوصول هذا الاحتجاج إلى خواتيمه. في 2011 كان السياق هو الثورة التي أمّنت القاعدة الاجتماعية لتلقّف المطالب وإنفاذها عبر الأدوات التي تستخدم عادة للاشتباك مع السلطة، أما الآن فلا الثورة موجودة ولا أدواتها، فضلاً عن اختلاف التركيب الطبقي للبيئة التي تمارس الاحتجاج، فمن يحتجّ حالياً ليس المهمّشون الذين قادوا ثورة يناير وإنما البيئة الاجتماعية التي انتخبت السيسي رئيساً واستفتت بالإيجاب على الدستور الذي «وضعه للبلاد». هذه البيئة ليست في وارد إسقاط السلطة، فهي تعلم بحكم تموضعها الاجتماعي أهمية وجود الدولة في المرحلة الحالية، وتدرك مدى التعقيدات التي تنطوي عليها فكرة إسقاطها في ظلّ عدم وجود بديل سوى الإسلاميين. ولذلك فهي تحتجّ من ضمن السياق القائم حالياً ولا تحاول استبداله بآخر، وعندما تسحب باحتجاجها الشرعية عن العملية الانتخابية لا تعطيها لقوىً أخرى، وخصوصاً الإسلامية منها. تموضعها الاجتماعي (كطبقة وسطى حريصة على الاستقرار) يمنعها من ذلك وكذا إدراكها بحكم هذا التموضع لحجم التحديات التي تواجهها مصر في المرحلة الحالية. بهذا المعنى هي «لا تريد بديلاً من حكم السيسي»، وكلّ ما تتمناه أن يفهم الرجل الذي أولته ثقتها مدى الضرر الذي لحق بشعبيته جراء التصاقه بنخبة رجال الأعمال والرأسماليين الذين أوصلهم إلى البرلمان عبر المحاباة وتسييد نزعة التملّق والتطبيل له.
خاتمة
في ظلّ هذا الواقع فإنّ حالة الاستنقاع ستطول ولن يجد المصريون قريباً مخرجاً منها طالما أن القاعدة الاجتماعية للحكم لا تريد تغييراً على شاكلة ما حصل في يناير. وإذا تحرّكت بعض القوى التي أُخرجت من المشهد الحالي للاحتجاج على الوضع القائم، فلن تجد قاعدة شعبية بسهولة، وستُضطر لمعاودة بناء تجربتها من الصفر، فالتجريف الآن لا يطال القوى السياسية فحسب وإنما المجتمع أيضاً. هذا الأخير لن يفرز في القريب العاجل قوىً شبيهة بتلك التي قادت ثورة يناير، وسيكتفي بالاحتجاج السلبي كما فعل في الانتخابات الحالية، ما يعني أنه في حالة كمون وانتظار لما سيأتي به المشهد السياسي بعد انتهاء الانتخابات. لغاية الآن هو لا يريد تغييراً جذرياً في الحكم، ولكن استمرار هذه الإرادة السلبية مرتبط بانحيازات الطبقة السياسية التي تتكوّن حالياً عبر انتخابات مجلس الشعب. إذا تفاقم إطباق الرأسماليين وأصحاب الرساميل ومعهم كلّ الوجوه القديمة على المجلس فقد تختلف الحسابات، وتعيد الطبقة الوسطى التي انتخبت السيسي واستفتت على «دستوره» التفكير بخياراتها. أول خطوة على هذا الطريق هو العزوف عن الاقتراع، ويبدو أن الرسالة قد وصلت. سننتظر الآن الخطوة الثانية، والتي ستكون مرتبطة بأداء المجلس وإصداره للتشريعات التي تمسّ حياة الناس.
* كاتب سوري
:::::
“الأخبار”، بيروت
● ● ●
القطب المأزوم يصعّد في بحر الصين الجنوبي
علاء أبو فراج
يتجه «القطب المأزوم» للتصعيد في شرق آسيا، حيث ازدادت الأجواء توتراً في بحر الصين الجنوبي خلال الأسبوع الماضي، بعدما اخترقت السفينة الحربية الأمريكية «USS Lassen» المياه الإقليمية الصينية في 27/10/2015، رغم التحذيرات الصينية التي طالبت الولايات المتحدة، على لسان وزير خارجيتها، وانغ يي، أن «تفكر ملياً قبل اتخاذ هذه الخطوة».
التهديد الأمريكي للمياه الإقليمية الصينية في محيط جزر سبارتلي، يأتي في ظل انسداد الأفق المتصاعد في وجه المحاولات الأمريكية لإدامة أمد الصراع في منطقة شرق المتوسط، ما يدفعها بحسب الكثير من المحللين، وبحسب بعض مستشاري الأمن القومي الأمريكي، لنقل مركز ثقل الحرائق نحو الشرق الأقصى.
ازدحام التصريحات
مارست بكين أعلى درجات ضبط النفس، رغم إعلان الولايات المتحدة عزمها إرسال سفينتها الحربية للإبحار بالقرب من المياه الإقليمية الصينية، فردت على هذه التصريحات، على لسان الناطق الرسمي باسم السفارة الصينية في واشنطن، تشو هايتسوان، قائلاً: «حرية الملاحة والطيران لا ينبغي أن تستخدم كذريعة لعرض العضلات وتقويض سيادة وأمن الدول الأخرى، وعليها (أي الولايات المتحدة) أن تمتنع عن الأقوال والأعمال الاستفزازية، وأن تتصرف بمسؤولية في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة».
بعد ذلك، شدد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، على دعوة الولايات المتحدة الأمريكية «إلى عدم التصرف على نحو طائش، وعدم إثارة المشكلات من لا شيء»، لكن كل التحذيرات التي صدرت عن مختلف المستويات الدبلوماسية الصينية لم ترد البنتاغون عن القيام بهذا الفعل المتهور.
وفيما بدا أنه محاولة للتصعيد من طرف واشنطن، قال وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، إن بلاده «لا تحتاج إلى التشاور مع أي دولة عندما تمارس حق حرية الملاحة في المياه الدولية»، ليتبعه تصريح وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، أقر فيه باختراق بلاده للمياه الإقليمية الصينية، بما يتناقض مع «حرية الملاحة في المياه الدولية»، متبجحاً بأن العمليات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي ستستمر، رغم تحفظات بكين، حيث قال: «البحرية الأمريكية دخلت ضمن الأميال البحرية الـ12 التابعة لجزر اصطناعية صينية».
القطب الصاعد يرد
ما إن اخترقت السفينة الأمريكية المياه الإقليمية دون موافقة السلطات الصينية، حتى قامت قوات البحرية الصينية بتحذير السفينة الحربية «USS Lassen» وملاحقتها، وإجبارها على التراجع، لتؤكد الخارجية الصينية في بيان لها تلى ذلك أن «الصين تحث الجانب الأمريكي بقوة على تصحيح خطئه فوراً، وألا يتخذ أي إجراءات خطيرة أو استفزازية تهدد سيادة الصين ومصالحها الأمنية».
في موازاة ذلك، تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً مفاده أن طائرتين روسيتين من طراز «Tupolev Tu-142» اقتربتا من حاملة الطائرات الأميركية «رونالد ريغان»، وأن الأخيرة- التي كانت موجودة في منطقة بحر اليابان- أمرت أربع مقاتلات من طراز «F18» باعتراض الطائرات الروسية. وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي ، صحة هذه الأنباء، لتنتهي الجولة الأولى من التصعيد باستدعاء الصين السفير الأمريكي في بكين، ماكس باوكوس، وقدمت له احتجاجاً شديد اللهجة.
وفي هذا السياق، دفع التطور الخطير للأحداث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى دعوة الدولتين «لضبط النفس، وحل الخلافات بالطرق السلمية، عبر القانون الدولي»، فيما لا تزال التصريحات الأمريكية تؤكد استمرار عمليتها في المنطقة، رغم مواصلة الدبلوماسية الأمريكية تأكيدها على «أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، وضرورة تطويرها».
النفخ في الجمر
المطلوب أمريكياً هو خلق بؤر توتر جديدة، ودعم كل ما يزعزع الاستقرار الإقليمي في شرق آسيا، حيث تطويق روسيا والصين- خصوم الولايات المتحدة الأمريكية- وافتعال النزاعات والنفخ في الجمر في قضية «الجزر المتنازع عليها» في بحر الصين الجنوبي، يهدف إلى خلق فضاء توتر جديد بعد تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وانكفائه عن هذه المنطقة تبعاً لتغيرات الأوزان الدولية، بما يعنيه ذلك أن القطب الصاعد، روسيا والصين خصوصاً، ينجح اليوم بكبح الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها منظومة الحماية وخط الدفاع الأول عن رأس المال المالي الإجرامي، الذي بات بأدواته الفاشية يشكل خطراً على البشرية جمعاء بجرها لحروب لا يخرج منها منتصرون..!
مع عجزها اليوم عن فتح بؤر توتر جديدة دائمة، تكون الإمبريالية قد وصلت إلى طريق مسدود، خصوصاً بعد صعوبة اندلاع حروب عالمية على غرار النمط التقليدي السابق، وانسداد سبل توسع الرأسمالية بعد استنفاذها للعالم بالمعنى الجغرافي، فيكون كبح الإمبريالية المتهاوية، والتحكم قدر الإمكان بنتائج سقوطها، خطوة على طريق تحقيق «السقوط بالمكان»، بما يضمن «انهياراً محسوباً» للهيمنة الإمبريالية، وبالتالي الحفاظ على البشرية من سيناريوهات كارثية محتملة.
:::::
جريدة قاسيون الورقية – العدد رقم730
______
تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:
http://kanaanonline.org/