حين تغضب الخليل ..
غسان مصطفى الشامي
لقد شكلت مدينة خليل الرحمن منذ بدء انتفاضة القدس المباركة مداد غضب وشعلة ثورة لهذه الانتفاضة، ودعمتها بالدماء والأرواح، حيث سطرت مدينة الخليل أروع ملامح البطولة والفداء والثأر لدماء الشهداء؛ وعلى مدار أيام الانتفاضة قدمت الخليل قرابة (28) شهيدا، ولازالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامين عدد من الشهداء، فيما نفذ أبطال الخليل عشرات عمليات الطعن ضد جنود الاحتلال.
إن مدينة الخليل تعد من أكبرى مدن الضفة الغربية مساحة، وهي تشكل دوما ناقوس خطر لجنود الاحتلال، لذا فهي محاطة بالكثير من الثكنات الاستيطانية، ويوجد بها أكثر من 100 حاجز عسكري اسرائيلي، لكن برغم هذه التعقيدات الأمنية الكبيرة، تواصل الخليل عملياتها البطولية والنوعية ضد جنود الاحتلال.
إن الخليل منذ زمن بعيد تمثل شعلة المقاومة، ولهيب الانتفاضة، وهي بمثابة القلب النابض للضفة المحتلة، ودماء ثورتها المتدفق، ويحسب لها جنود الاحتلال ألف حساب.
ولقد شكلت الخليل في الأيام الماضية شبحا يطارد الجنود الصهاينة في نهارهم وليلهم ، جراء عمليات القنص والطعن المباغتة التي نفذها شبان الانتفاضة، فيما أصدر رئيس الوزراء الصهيوني ” نتنياهو” تعليمات بفرض حصار شاملا على مدينة الخليل، بسبب ازدياد عمليات قتل واستهداف الجنود الصهاينة المتمركزين في عدد من النقاط في مدينة الخليل.
لقد نفذ (قناص الخليل ) يوم الجمعة الماضية عملية قنص بطولية نوعية استهدفت تجمعا لجنود الاحتلال رغم التعقيدات الأمنية الإسرائيلية في منطقة الحرم الابراهيمي، ثم بعد أقل من ساعتين جرى تنفيذ عملية أخرى في موقع آخر شمال الخليل – مفترق بيت عينون، الأمر الذي أفقد وعي الجنود جراء وقع عمليات القنص في أوقات متقاربة، فيما وصف الشاباك الإسرائيلي في تقرير نُشر عبر وسائل الاعلام أن قناص الخليل يتمتع بحرفية وتدريب عالي، وتعتقد أجهزة الأمن الصهيونية أن هذا القناص قام بتنفيذ العمليتين، حيث أصدرت تعليمات للجنود الصهاينة بالخليل بضرورة لبس الخوذ على رؤوسهم بشكل دائم.
وبعد عمليات القنص الأخيرة التي شهدتها الخليل، عمت حالة شديدة من الرعب والخوف الهستيري بين جنود الاحتلال، مما أدى إلى قيام أحد الجنود في مستوطنة ” كريات أربع” بالخليل بإطلاق النار صوب عدد من الجنود والمستوطنين داخل المستوطنة، وأعلنت قوات الاحتلال فيما بعد أنه حادث عرضي وبالخطأ .
لقد ثأرت مدينة خليل الرحمن لشهداء القدس، عندما نفذ الشهيد رائد جرادات ابن 22 ربيعا عملية طعن لجندي إسرائيلي في مستوطنة كريات أربع، وذلك انتقاما لدماء الشهيدة دانيا ارشيد ابنة الخليل التي قتلها الجنود الصهاينة بدم بارد، حيث أثار مشهد الفتاة ارشيد غضب الشهيد جرادات، عندما كانت ملقاة على الأرض وبجانبها ضابط الجيش يشرب كوب القهوة بعدما قتلها بعشرة رصاصات، وكانت آخر عبارات كتبها الشهيد جرادات على صفحة ” تخليها أختك ” .
وكلنا يذكر عندما خرج الآلاف من أهالي الخليل قبل أيام لاستلام جثامين شهداء الخليل الطاهرة، في مشهد نضالي سطر ملاحم الوحدة والتلاحم بين كافة أطياف شعبنا الفلسطيني، الأمر الذي جعل جنود الاحتلال يرفضون تسليم الجثامين.
وانقل لكم في هذا المقال مشهد تأثرنا به كثيرا عندما حوّل أهالي الخليل الأماجد مراسم عزاء ودفن الشهيد جرادات والشهيدة ارشيد إلى مراسم زواج، حيث أقدمت عائلة الشهيد رائد جرادات بطلب يد الشهيدة دانيا ارشيد من والدها للزواج على سنة الله ورسوله ووفقا للعادات والتقاليد المتبعة، وهو مشهد زفاف غير مسبوق؛ كما أعلن هذا الزواج عبر مكبرات الصوت لتصبح الشهيدة دانيا من عائلة جرادات، فيما احتضن والد الشهيد جرادات والد الشهيدة ارشيد في مشهد نضالي رائع وسط التكبيرات والأناشيد الوطنية التي تسمع من حولهم في هذا المشهد المهيب .
إن العمليات البطولية الأخيرة التي شهدتها مدينة خليل الرحمن بعثت الأمل في نفوس شباب القدس في مواصلة واستمرار لهيب الانتفاضة.. هذه الانتفاضة التي تدخل شهرها الثاني، معلنة رفضها لكافة الاتفاقات والمساومات الأممية من أجل اجهاضها وانقاذ الاحتلال من ورطته في التعامل مع شباب الانتفاضة.
لقد أربكت مدينة الخليل حسابات وخطط العدو الصهيوني ولعدة أسباب أهمها أن عمليات القنص الأخيرة كانت موجهة وتحمل أهداف دقيقة، كما أصابت هذه العمليات العمق الصهيوني ونقاط تجمع الجنود في الخليل، السبب الآخر هو التواجد الأمني الكثيف للجنود الصهاينة في الخليل، وسبب ثالث هو مواصلة التنسيق مع أجهزة السلطة للبحث عن خلايا المقاومة والعمل على تصفيتها، إلا أن عمليات القنص الأخيرة تجاوزت كل هذه الحدود وحققت أهدافها بدقة، فيما يتواصل البحث عن منفذ عمليات القنص دون جدوى، حيث يخشى الجيش الإسرائيلي من قيام منفذ العمليات بين الفينة والأخرى من تنفيذ عمليات قنص أخرى في مستوطنات الخليل .
ها هي الخليل تقدم عشرات الشهداء ومئات الجرحى في هذه الانتفاضة المباركة، وتمثل منارة الفداء والتضحية والشموخ، وتحمل رسالة النصر والتحدي في وجه آلة القتل والبطش الإسرائيلية، وها هي الخليل تقود الانتفاضة، وتقود معركة الصراع في وجه المحتل الغاشم، لتعلن بدء المرحلة الجديدة لهذه الانتفاضة الباسلة مرحلة القنص والعمليات العسكرية، وترسل رسالة لكافة المساومين والمفاوضين أن الانتفاضة مستمرة ولن توقفها المبادرات والاتفاقيات الأمريكية ولن تجهضها الوعود الدولية الكاذبة .
إلى الملتقى ،،
قلم // غسان مصطفى الشامي