بايدن والانتفاضة – عبداللطيف مهنا
جاء نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى فلسطين المحتلة. قدومه في هذه المرة حِلاً وترحالاً، وحتى اهدافاً، لايختلف كثيراًعن غالب الجولات الأميركية على هذا المستوى الرسمي في المنطقة. القبلة والغاية والمرتكز لهذه الجولة لاتشذ كثيراً عن غالب ومعتاد المقصد والمقاصد للحجيج الأميركي إليها، أي القدس المحتلة. وكالعادة أيضاً لابأس قبلها من الحلول في عاصمة عربية، واحيانا أكثر، وكذا التعريج خلالها من القدس على رام اللة، واختتام الترحال لا الرحلة في عمان، إذ لابد من العودة، إن لزم الأمر، وكثيراً ما يلزم، إلى القدس المحتلة قبل العودة الميمونة إلى واشنطن. في ذلك، ودائماً، حرص اميركي على تأكيد المؤكد، أو اتساقاً مع اللازمة الأميركية التليدة، ومفادها الكيان الصهيوني أولاً وأخيراً، أو النظر إليه كمصلحة اميركية لدى غالبية الأميركان، وقد تليها في احيان نادرة بالنسبة لبعض النخب السياسية.
كلما يهل جائل اميركي على المنطقة تسبقه في بلاد العرب عادةً رياح التحليلات والتأويلات، وتتلاطم في استقباله أمواج متناقض التوقُّعات والتخرُّصات، كما تثار على هوامش قدومه زوابع من الأوهام الأوسلوية المزمنة والأبية على الانقشاع، ولعل هذا الذي يسبقه بالذات هو واحد مما يأتي عادةً على رأس قائمة استهدافات جولانه. بيد أنه في هذه المرة هناك بعض من قليل المختلف، إذ سبق الأميركان فوفَّروا على المحللين والمتوقِّعين والمتخرِّصين والواهمين عناء الغلو، أو الذهاب بعيداً فيما درجوا عليه. بدأ هذا مصدر أميركي قال: إن بايدن “لن يطرح أية مبادرة كبيرة”، معللاً ذلك بانتفاء الإرادة السياسية لدى “اطراف النزاع” لإجراء مفاوضات حقيقية”، وواقعاً تعني الأطراف هنا نتنياهو. كما وضع سقفاً لأي مبادرة صغري إن وجدت، أو انتظرها الواهمون، بأنها لن تتعدى محاولة “ايجاد السبل لخفض التوتر وترك الباب مفتوحاً امام حل الدولتين”…خفض التوتر هنا يعني اميركيا ما يعنيه صهيونياً، وهو معلن وليس سوى وئد الانتفاضة. أما الباب الذي يريدون تركه مفتوحاً فغاية تظل على الدوام منشودة ً عندهم كمتنفس لإنعاش الأوهام الأوسلوية واتاحة اجترارها ومواصلة لوكها في رام اللة.
قدوم بايدن هو اساساً لمهمة معلنة أميركيا وطالت الثرثرة حولها صهيونياً، وهى محاولة انجاز مذكَّرة التفاهم حول المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني للعقد القادم، أو تسوية ما بقي من خلافات حول مدى رفع رقم ملياراتها. يليه التركيز على “التعاون الأميركي الإسرائيلي في جملة مسائل من بينها سورية وايران وتنظيم داعش”. بعدها وحيث أن البيت الأبيض “لا يتوقَّع اختراقاً” تسووياً فجل المراد هو “تحريك” المسألة الفلسطينية بما يضمن “ضبط النفس”، بمعنى ما اشرنا اليه آنفاً، وهوكبح الانتفاضة وبعث كوامن الأوهام التسووية التي انعشتها فكرة “المبادرة الفرنسية”، التي، وعلى الرغم من خلبيتها، وئدها نتنياهو من حينها وفي قدوم بايدن ما يهيل التراب عليها، أما اصحابها فتراجعوا عن تهديد سابق فاعلنوا لاحقاً من القاهرة أنهم لن يعترفوا بدولة فلسطين إن فشلت مبادرتهم الموؤدة، وسيرسلون موفداً لمتابعتها. وعليه، فتعريجة بايدن على رام اللة تحريكية ل”منع الانفجار”…وكيف؟! باثارة “تسهيلات اقتصادية”، ورفع بعض حواجز الاحتلال العسكرية، أو ما ليس بوسع رام اللة حتى وإن قبلته اعلان قبوله…تزامناً، مهَّدت للنفخ في سور الأوهام الأوسلوية صحيفة “وول استريت جرنال” بالقول أن “البيت الأبيض يعمل على خطة لإحياء المفاوضات في الشرق الأوسط قبل انتهاء ولاية الرئيس اوباما”!!!
ما يسمى الخلاف بين الحليفين حول مدى زيادة المساعدات العسكرية، والذي كان مثار التجاذب والمبالغة فيه صهيونياً، يدور، كما اشرنا، حول نسبة الزيادة المطلوبة لهذه المساعدات التي يصر الصهاينة عليها ويحاول الأميركان الحد من غلوائهم فيما يتعلق بها. يطالب الصهاينة بجعلها خمسة مليارات سنوياً، بدلاً من 3,1 مليارات حالياً، والأميركان وافقوا على رفعها إلى 3,8 مليارات في السنوات الثلاثة الأول ثم الزيادة تدرجاً في السنوات التالية لتصل ما مقداره 40 ملياراً نهاية العقد، علماً بأن هناك اضافات هى عبارة عن مساعدات عسكرية سنوية أخرى يقرها الكونغرس لاتحتسب هنا، كتلك المتصلة بتطوير منظومات اعتراض الصواريخ، من مثل “حيتس”، و”عصا الساحر”، و”القبة الحديدية” والبالغة 487 مليوناً، إلى جانب ما تسمى ابحاث مكافحة الانفاق الفلسطينية والبالغة 40 مليوناً. وعلى أي حال فهو تجاذب في سياق علاقة عضوية سيرسو في نهاية المطاف لصالح الكيان الصهيوني لجهة رفع رقم المساعدات العسكرية، أوغير العسكرية التي نحن هنا لسنا بصددها، رفعها حتى وأن لم تصل إلى السقف المطلوب فهى سوف لن تقل عنه إلا قليلاً. هذا ما اشارت اليه صحيفة “ديفنس نيوز”، إذ تخبرنا بأن البيت الأبيض قد وافق مؤخراً على زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيله والمرونه أكثر حيال استخدام أموالها…بالمناسبة، وإلى ماتقدم، علينا اضافة صفقة طائرات “f35” الأحدث المفروغ من اقرارها حتى قبل الفروغ من تطويرها، وأن لا ننسى أن ربع ميزانية الحرب الصهيونية هى من الجيب الأميركي.
حول “التعاون”، وما “سيتم التركيز عليه”. استبق نتنياهو ضيفه مشيداً ب”العلاقات المتينة” بين واشنطن واسرائيلها وشمولها “المستويات كلها”، منوهاً بأنها الآن تُشكِّل” ذراعاً اميركياً في محاربة الاسلام المتطرِّف”…للدلالة على هذه المتانة يستقبل الصهاينة بايدن كما استقبلوه قبل 16 عاماً، أي بخطوات تهويدية تطرح لاستكمال الفصل نهائياً بين شمالي الضفة وجنوبها، ومعازل مسوَّرة للفلسطينيين المقدسيين. أما بايدن فحيَّاهم بإدانة العمليات البطولية لشهداء انتفاضة الفدائيين وفشل الأوسلويين في ادانتها!