حفر في الآرامية… دعوا مائة زهرة تتفتح – عادل سمارة
حلقة مميزة أعدها للميادين الإعلامي غسان الشامي المنتمي روحيا لمضمون برنامج يوم 27 آذار 2016 في برنامج “أجراس الشرق”، في لقاء مع حسام الدين بريمو مؤسس فرقة لونا للغناء الجماعي، وجورج رزق الله (من معلولا) باحث في اللغة والتراث الآرامي.
بداية ذكرتني الحلقة بمجلة “آرام” التي كات تصدر في القدس المحتلة في سبعينات القرن الماضي. حينها لم يكن سهلا الحصول من سلطات الحكم العسكري الصهيوني على رخصة مطبوعة سياسية فكان لا بد من احتيال ما، فكانت آرام وهي بالنسبة للكيان مجلة طائفية وبالنسبة لنا مجلة تراثية وطنية. كانت تصدرها الكنيسة السريانية في القدس وكان من محرريها الراحل الشاعر حنا عوض حوشان.
كنا نسمي حنا حوشان حنا الآرامي، فهو من إحدى قرى حمص استشهد والده في فلسطين عام 1948 وبقي هو وأمه واخوه عبدو. كان حنا ممن يمولون مجلة آرام، وكنت اكتب بها أحياناً. طبعا في الثقافة والسياسة.
شدّتني الحلقة عن ألآرامية وبشكل خاص ذلك العشق والحنين والاندماج والتواصل الروحي سواء من قبل السيد غسان الشامي أو السيدين المشاركين في الحلقة. حنين إلى التاريخ واللغة الآرامية والفن السرياني واصوله الآرامية وتقاطعه مع العربية.
الآرامية نطق بها السيد المسيح وهي متحدرة/متفرعة عن الكنعانية، فهل من قبيل المبالغة القول بان المسيح فلسطيني؟ قد يجادل البعض بأن اللغة ليست لا تحدد وحدها الهوية. وربما هذا صحيح اليوم، ولكن بمعيار ذلك الزمن، ربما تكفي اللغة الآرامية والمكان الكنعاني.
في تتبعه لاستمرار الآرامية في العربية الحالية سواء العامية أو الفصحى، ذكر مفردات نستخدمها حتى اليوم في فلسطين وخاصة في القرى مثل” شوب، زبون، سكِّر الباب، جواني، براني. أضحكتني كلمة بجبج أذكر انها كانت وصف تندُّر على رجل في قرية مجاورة لأن نطقه كان خشنا.
لا نفهم كلمات الأغاني التي قدمتها فرقة لونا، ولكن اللحن ناطق بلغة وألحان كالعربية تماما. مما قدمته الفرقة كان بعنوان “ماذا جنيت من عالمي” عنوان فلسفي يوحي بتساؤل عن معنى الحياة، وإذا ما قارناه بعبارة تستخدمها قبائل الزولو في جنوب افريقيا ويعلقونها في مجالسهم تقول: “البشر آثمون” لربما نلاحظ أن الأقوال الشعبية تلخص بتكثيف شديد مضمون كل مرحلة من تاريخ كل أمة. أما الأجمل فأغنية عنوانها: “انا اتمناها تمشي عالحرير” أي كلام جميل، واي زمان نعيشه اليوم حيث هناك من يعتبر المرأة نجاسة!!!
حضرني طوال الحلقة ذلك الحق الثقافي للمكونات الثقافية في سوريا والعراق خاصة والوطن العربي عامة، وتناقض هذا التنوع الجميل والتاريخي والدافىء والموحي مع الثقافة التقنية الزجاجية الأمريكية التي تسعى لإبادة كافة الثقافات الأخرى لصالح فردانية ثقافية متصحرة روحيا، ثقافة خالية من الحياة او من الروح، ذات التوجه لقولبة العالم بأسره في ثقافة السوق وراس المال الأمريكي. ذلك الهدف الراسمالي الأمريكي الذي يجتث ويخصي كل ثقافة غير السوق والصخب والعلب الإسمنتية وبالطبع البندقية.
تذكرت مرحلتين طارئتين في تقويض تنوعنا الثقافي:
مرحلة احتلال العراق ونهب آثاره ووصولها إلى الكيان الصهيوني وحصول ذلك ضمن حافز السرقة والربح من جهة والحقد ممن لا تاريخ له على مؤسسي التاريخ من جهة ثانيةة، فكانت محاولة تكرار إبادة تراث سكان امريكا الأصليين. طبعا المفكر العنصري الكبير جورج ولهلم فردريك هيجل يعتبر الشعوب التي بلا تاريخ هي التي لم تشارك في الحداثة بمعناها الأوروبي!
ومرحلة التدمير الداعشي لآثار سوريا والعراق كامتداد تام للحقد الإمبريالي الأمريكي باسم الإسلام.
لكن العبرة من كل هذا تكمن في مكان أكثر أهمية وهي لماذا لا يتم الشغل على إحياء كافة التنويعات الثقافية في الوطن العربي، لغات، موسيقى شعر ، فنون…الخ. لماذا كبتت انظمة القمع أو أهملت هذا الجمال لتجعل من بعض من يحبونه مرتدين لصالح المستعمِر!
إحياء اللغة والثقافة والفن لا يخلق العنصرية، بل إن التعاطي الإنساني معها يخلق حنينا وحبا أوسع. استذكر في هذا السياق ما سمعته من بعض الأرمن الحلبيين الذين يقولون صحيح أننا ارمن أصولا ونحن هنا في أرمينيا محاطون بكل ما يلزم بعد لجوئنا من سوريا، ولكننا نختار إذا ما هدأت الأمور أن نعيش في حلب. جميل هذا الوفاء.
حلقة جميلة تبين تاريخ سوريا والمشرق عامة. فلم يكن ابداً لهذا الجمال والفن والغناء المتضمن معان فلسفية، لم يكن ليُنتجه الناس لولا مستوى ثقافي وحضاري راقٍ وبالطع عيش مُريح. لا تُنتَج الثقافة الإنسانية خارج حالة من التطور ، طبعا بمعايير عصرها. لولا أن الناس كانت مرتاحة في سوريا والعراق لما تركت لنا تلك الاثار والمعابد والموسيقى والشعر. من أرقى مقولات ماو تسي تونغ: “دع مائة زهرة تتفتح”
أرفق نموذجا على ذلك، أغنية موطني بالسريانية والعربية.
https://www.youtube.com/watch?v=ubsEKeiNAKg
الى وطني المجروح سوريا لأول مرة..-موطني باللغة السريانية ….(اثرودييل) بصوت:Amilda shamoun
● الصفصاف عن مجلة كنعان