المبادرة الفرنسية واستمرارية الرهان على الحل السلمي
جادالله صفا – البرازيل
بدون الخوض بتفاصيل المبادرة الفرنسية المطروحة لحل الصراع والتي رفضها الكيان الصهيوني قبل طرحها، والتي هي بجوهرها تصفية نهائية للصراع العربي الصهيوني على حساب الحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني، حيث لهث الجانب الفلسطيني من اجل ان ترى هذه المبادرة النور وان تكون معتدلة الى اقصى الحدود، قيادة الكيان الصهيوني ترفض استمرار المفاوضات وتعمل على اذلال الجانب الفلسطيني الذي يبحث عن مخارج لازمته ولاغلاق اي افق لأي حل او تسوية للصراع.
قبل حصر الصراع على انه فلسطيني صهيوني، فهو بالاصل صراع عربي صهيوني، بحكم المشروع الصهيوني الذي تم اقراره بالمؤتمرات الصهيونية، حيث اقر بمؤتمراته حدود دولة “اسرائيل الكبرى” من النيل الى الفرات، التي تضم كل فلسطين والاردن، وشمال السعودية والكويت واجزاء من العراق وسوريا وتركيا، كما حدد قادة الكيان الصهيوني الحدود الامنية للكيان الصهيوني الممتدة من الباكسان شرقا حتى المغرب غربا ومن تركيا شمالا حتى جمهورية افريقيا الوسطى(بن غوريون)، حيث تشهد دولها حروبا طائفية طاحنة، خلقها الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية والدول الغربية من اجل مصالحهم الخاصة القائمة على نهب خيرات الدول واضطهاد شعوبها.
إن فهم الكيان الصهيوني وعلاقاته بالحركة الصهيونية، هذا الفهم ضروري ان يقود الى موقف اكثر وضوح لادارة الصراع، فالكيان هو ثمرة من ثمرات الفكر الصهيوني قبل ان تنشأ هذه الحركة، وايضا هو رغبة غربية قبل ان تلد الحركة الصهيونية، نتيجة اطماع الغرب بالشرق الاوسط وابعد من ذلك، ان الفهم الواضح للكيان الصهيوني وارتباطه بالحركة الصهيونية والاطماع الغربية بالمنطقة يقود الى وضع استراتيجية اخرى والى برنامج مواجهة اخر يتعارض كليا مع اسلوب الرهان على المفاوضات والمباحثات الثنائية لتسوية الصراع.
فالطبيعة الطبقية للقيادة الفلسطينية تراهن على النظام الراسمالي الغربي لايجاد تسوية محددة منتقصة الحقوق ضمن سياسة تنازلات مستمرة، فالرفض الصهيوني لم يأتي من فراغ، حتى لو القيادة الفلسطينية سارت عارية بكل شوارع الوطن العربي، بإعتبار ان قادة الكيان يدركون جيدا موزاين القوى بالمرحلة الحالية التي هي اسوء بكثير من موازين القوى بالسبعينات والثمانينات وبداية التسعينات.
القيادة الفلسطينية ممثلة بابو مازن فقدت مصداقيتها عند الشعب الفلسطيني كامينة وحريصة على الثوابت الفلسطينية، فقدت مصدقيتها كقيادة لهذه المرحلة، لا توجد تلك الثقة والقاعدة الجماهيرية التي ممكن ان تعتمد عليها هذه القيادة بمحادثاتها او مفاوضاتها مع العدو او اي دولة غربية حول تسوية للصراع العربي الصهيوني او على المستوى الفلسطيني فقط، والعدو يدرك ذلك جيدا لسببين، الاول يعود الى تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية والشرعية والتاريخية وعلى راسها حق العودة الى الديار التي شرد منها وهي تتناقض كليا مع ما تطرحه هذه القيادة المتنفذة، والثانية ان المشروع الصهيوني ليس مرتبطا بدولة فقط على الاراضي الفلسطينية المحتلة عامي 1948 و 1967، وهضبة الجولان السورية وانما هو اوسع من ذلك بكثير ومبين بوثائق مؤتمرات الحركة الصهيونية.
المباردة الفرنسية مهما هلل لها من اصحاب التسويات، فهي لن تخرج عن اطار التنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، ففرنسا واضحة بمواقفها المنحازة للكيان، وهي شريك اساسي بمعاناة واستمرار مأساة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ودورها لن يكون اكثر من دور التأمر على الشعوب والدول العربية وحتى ابعد من ذلك، فكيف قيادة فلسطينية ممكن ان تراهن على موقف فرنسي يكون عادل اتجاه الصراع؟ وهل فرنسا خرجت او عارضت موقف الحلف الذي تنتمي له القائم على ضرب سيادة واستقلال واستقرار الدول على طول وعرض الكرة الارضية؟ القيادة الفلسطينية تواصل مسيرتها ولن تتراجع عن هذه السياسة التفريطية والمهادنة والتنازل من اجل التوصل الى تسوية لا تلبي الحد الادنى من المطالب الفلسطينية.
افشال المبادرات التي تنتقص من الحقوق الفلسطينية، هي مهمة فلسطينية اولية، فكافة القوى مطالبة بالالتحام والتعاون مع الجماهير وحشدها وتعبئتها وتنظيمها وبناء وتفعيل المؤسسات التمثيلية لكافة تجمعات وتواجد الشعب الفلسطيني التي بامكانها ان تعبر عن الموقف الفلسطيني الجماهيري التي تترك صدى اعلامي قوي، لتكون قادرة على رفض كافة المبادرات التي تنتقص من الحقوق الفلسطينية، فالتغيير بموازين القوى هي من خلال الاعتماد على الجماهير، والتي تشكل مانعا قويا امام سياسة التهاون والتنازل التي يمارسها محمود عباس.
10 ايار 2016