على هامش أداء شرطة المرور بغزة: لا لِحَقٍّ يراد به باطل!
بقلم الدكتور / أيوب عثمان
ليس عاقلاً من يسير – أو يجيز السير – في اتجاه يعاكس الاتجاه المسموح به. ولأنني أحمد الله سبحانه أن متعني بنعمة العقل، فإنني لا أستطيع الدفاع عن سيري في الاتجاه المعاكس قبل مغرب البارحة الأحد 17/7/2016، ولكنني سأوجه اللوم – بل سأوجه الاتهام – إلى شرطة المرور على ما يلفها من إهمال واضح وتقصير فاضح، سواء يوم أمس، أو قبله، أو قبل قبله.
يوم أمس الأحد 17/7/2016، وعند السابعة والربع تقريباً، ما إن دخلت مسافة مترين أو ثلاثة أمتار في شارع التايلندي وبالميرا باتجاه الجنوب إلى شارع الوحدة حتى تقاطر رجال شرطة المرور صوب سيارتي وكأنهم وجدوا ضالة كانوا قد قضوا الكثير من الوقت والجهد بغية الظفر بها وإلقاء القبض عليها. كان برفقتي زوجي وصديقتها حيث كنا نلتمس درباً ييسر لنا بلوغ عيادة طبيب بعينها. لم تكن مركبتنا هي الضالة الوحيدة بالنسبة لرجال شرطة المرور، بل ظلت المركبات الضالة تتوارد في كل لحظة على المكان الذي نحن فيه فيتمكن بعضها من الدوران إلى الخلف والهروب بسرعة فيما يغض رجال شرطة المرور النظر عن البعض الآخر أو ينشغلون بأحد الضالة، ما يمكن ضالين آخرين من الإفلات من المصيدة، وأنا أصر على توصيفها بالمصيدة لأنها بالفعل كذلك.
تدرك شرطة المرور أن هذا الشارع قد كان في الماضي ذا اتجاه واحد من الجنوب إلى الشمال مع حظر السير فيه من الشمال إلى الجنوب حيث شارع الوحدة، وتدرك شرطة المرور أيضاً أن هذا الشارع قد أصبح السير فيه، فيما بعد، مسموحاً في الاتجاهين حتى أن إشارة “ممنوع الدخول” الحمراء على يمين الشارع من الجهة الشمالية قد أزيلت باللون الأبيض وإن بقي حاملها مثبتاً. وقد ترافق إزالة الإشارة الحمراء هذه بدهانها بلون أبيض مع السماح بسير المركبات في الاتجاهين، وهو ما بقي – حسب الظن – على هذا النحو إلى أن عبرت أنا – كما عبر غيري – المصيدة، دون الالتفات إلى إشارة “ممنوع الدخول” الحمراء على الجانب الأيسر مقابل إشارة ممنوع الدخول الملغاة على الجانب الأيمن والتي ظلت حتى مساء البارحة – وربما حتى اللحظة – ملغاة.
اعتاد الناس – وأنا منهم – على السير في هذا الشارع في الاتجاهين التزاماً بما تمليه الإشارة الملغاة والتي ما تزال ملغاة حتى اللحظة. حينما رأت شرطة المرور – ولها ذلك – أن تعيد منع السير في هذا الشارع باتجاه الجنوب إلى شارع الوحدة، كان يتوجب عليها – بصفتها إدارة شرطية نابهة يهمها الالتزام بالنظام والقانون والمحافظة على السير الذي يكفل المحافظة على حياة الناس – القيام بأمرين اثنين: الأول، أن تعيد تفعيل إشارة ممنوع الدخول الحمراء لا أن تبقيها كما هي ملغاة باللون الأبيض وكما اعتاد الناس عليها بصفتها إشارة ملغاة يسمح للمركبات بموجبها السير في هذا الشارع في الاتجاهين، ولا تكتفي بإشارة جديدة على يسار الشارع لم يعتد الناس عليها، وثانيهما أن تكلف دائرة الإعلام التابعة للشرطة بتنبيه الجمهور لذلك مع وضع شرطي مرور واحد لمدة يومين أو ثلاثة أو أسبوع (وفق ما هو متاح) على رأس الشارع من الجهة الشمالية ليلفت انتباه سائقي المركبات إلى أن الشارع قد أصبح متاحاً في مسار واحد فقط وممنوعاً في المسار المعاكس! هل هذا صعب يا شرطة المرور؟! أم أنك أردت التصيد فنصبت المصيدة؟! ليس هذا إلا ما أصفه بأنه تصرف قانوني سليم أريد به إبقاع الناس في الخطأ بقصد الصيد والتصيد، وهو ما يمكننا وصفه على غرار ” كلمة حق يراد بها باطل”، الأمر الذي يدفع المرء إلى التساؤل:” أليس من المطالب والقواعد الشرعية في دبننا الإسلامي الحنيف أن “دفع الضرر مقدم على جلب النفع”؟!
لقد هالني أن أحد رجال الشرطة الذي كلف – بعد أن تيقن قادة المصيدة أنني اصبحت رهين حبائلها – بالتعامل معي بينما كانت سيارتي معترضة الطريق وتكاد تغلقه عن كامله، حيث أوقفني طالباً أوراق السيارة وأوراقي، فقلت له: “حاضر، ولكن دعني أضع السيارة بشكل صحيح كي لا نغلق الطريق” فقال” لا تتحرك، خليك زي ما أنت وهات الورق”، فقلت له:”لا، سأركن السيارة في المكان الصحيح ثم أسلمك الورق”، فقال:” لأ ما تتحرك”. ولأن ديننا علمنا – بل وأمرنا – ألا نسلك طريق الخطأ ونحن نعلم أنه خطأ حيث قال في إطاعة أو عدم إطاعة الوالدين:” وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا َۖ”، فقد أصررت على ألا أطيع رجل الشرطة في خطأ قد يؤدي إلى خطر بل أخطار أكبر، وقمت بوضع السيارة على نحو مناسب، ثم سلمته – برفقة الابتسام والرقة والاحترام – أوراقي التي راح مغرداً بها لمسؤوليه، مبلغاً إياي أن انتظر كتابة المخالفة. لم أعترض على المخالفة ولكنني اعترضت على الانتقائية في الإمساك بهذا وغض الطرف عن ذاك، كما اعترضت على الأسلوب وعدم الانتباه لضرورة التهيئة والتوعية المرورية، لا سيما في شأن شارع كان ذا اتجاه واحد ثم صار في اتجاهين ثم أعيد إلى اتجاه واحد، دون إعلام ودون تحذير ودون تهيئة ودون توعية. ومن المآخذ التي سجلتها أن أحد رجال الشرطة قد سمعته وهو يعبر عما يريد بالعبرية بدلاً من العربية قائلاً لأحد زملائه (المفحام) وهي كلمة عبرية وإن كنت ما أزال لا أعرف معناها. وقد ناقشت رجال الشرطة في ذلك، حيث عبت عليهم أن يكون من بينهم من يستبدل العربية القرآنية بالعبرية التلمودية الاحتلالية الاستيطانية، فيما نحن شعب مقاوم تقوده وتصرف شؤون حياته في غزة حركة مقاومة إسلامية اسمها “حماس”!!!
ولأنني لا أنفي بالمطلق ما لدى شرطة المرور من حرص، فإنني أستأذنها للانتباه إلى الكثير والكثير من الآفات التي أجزم أنها تراها في كل يوم، فيما تغمض العين عنها كل يوم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي، وهو ما يؤذي شعبنا ويهزمنا في فلسطينيتنا وعروبيتنا وإسلاميتنا ويجعل مقاومتنا عبئاً علينا لا كسباً لها ولنا:
-
الأطفال الذين يخرجون من شبابيك السيارات رؤوسهم حتى وسط أجسادهم: ألا تفكر الشرطة – وشرطة المرور في الصدارة – في حماية الأطفال من السقوط إلى موت محقق لهم ولغيرهم جراء سقوطهم وارتطامهم بالأرض وما يسببه ذلك من حوادث أخرى في نفس اللحظة جراء هذا الإهمال المستبشع والغريب من الأهل (أو السائق) وهذا العجز والتقصير والفشل المستبشع والرهيب من الحكومة والشرطة وعلى رأسها شرطة المرور التي ترى وتغمض العين ولا تفعل؟!
-
سيارات الشحن المحملة بالرمل والزفزف والحصمة: لماذا لا تفكر شرطة المرور في تطبيق القانون الذي يلزم سيارات الشحن هذه بوضع غطاء محكم عليها كي لا تتطاير الرمال والزفزف والحصمة فتسقط على الأرض والسيارات والمارة وتحدث أضراراً قد يكون الموت واحداً منها؟َ وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ليس من الصواب أن تلجاً شرطة المرور إلى أسلوب التصيد فتنصب المصائد، وإنما ينبغي لها أن تكلف دوائرها الإعلامية التابعة لها أو لوزارة الداخلية أن تقوم بعمل حملة التهيئة والتوعية اللازمتين قبل أسبوع – على سبيل المثال – من البدء بحملة تطبيق القانون لتوقيع العقوبات على المخالفين.
-
لماذا تغمض شرطة المرور أعينها عن التكاتك والفيزبات السائرة في الاتجاهات المعاكسة؟! سوف أصدق شرطة المرور إن ادعت أنها لا ترى هذه الظواهر الخطيرة والمثيرة، على الرغم من يقيني أنها تراها ليس في كل الأيام وفي كل الشوارع، وإنما في كل ساعة وفي كل لحظة وفي كل الشوارع، وكذلك في الليل وفي النهار وفي الازدحام المروري وفي الهدوء على حد سواء.
-
ألا تدرك شرطة المرور مدى الخطورة الكبيرة – مادياً وجسدياً ومعنوياً وحياتياً – التي قد تتأتى من سيارة مجهولة الرقم والهوية؟! ألا تفترض شرطة المرور أن سيارة لا هوية لها ومجهول رقمها قد تقتل على ممر المشاة – مثلاً – رجلاً وزوجه وأسرته أو بعض أفرادها ثم يولي راكبها الأدبار؟! لا يملك رجل المرور – إن وجد – ولا يملك الناس – إن وجدوا – أكثر من الإفادة بلونها، فيما ينبغي التسليم بأن نوع السيارة ليس إلا قليل من الناس يعرفونه أو يملكون القدرة على التمييز بين نوع وآخر! ما العمل، إذن؟! وحتى أغلق درب التفلت عبر كلمات وعبارات وتمويهات أعرفها على شرطة المرور أو غيرها، فإنني ألفت انتباه من يرغب من التفلت إلى حقيقة أعرفها ويعرفها غيري وتعرفها شرطة المرور أيضاً أن أناساً كثيرين باتوا يقلدون غيرهم في ركوب مركبات مجهولة الأرقام والهوية، فاختلط حابل حياتنا بنابلها! وعليه، فما العمل؟!
-
إلى متى ستظل شرطة المرور تغمض أعينها – وهي التي ترى – عن مركبتين واقفتين على نحو يغلق الطريق فيعطل السير لوقوف مركبة أخرى ملاصقة للثانية حيث تريد أن تلتقط راكباً فتبدأ المركبات المعطلة عن السير في الاتجاهين بإطلاق صافرات من نوع يأجوج ومأجوج؟!
-
وماذا عن مركبة يوقفها سائقها على نحو مفاجئ كي يلتقط راكباً؟! وماذا عن أخرى يوقفها سائقها وسط الطريق، دون أن ينحو بها جانباً ليبقى الطريق مفسحاً دون عوائق؟!
وبعد، فهل ما أوردناه من مؤشرات عجز وفشل وإهمال تعد أموراً صعبة أو أحاجي وألغازاً تحتاج إلى من يملك القدرة على تفكيكها، لا سيما وإننا شعب مقاوم، فكيف بنا ونحن نعيش في غزة المحاصرة والمقاومة في آن حالة مقاومة عنيدة وفريدة ومستمرة حيث حروب ثلاثة لم تزدنا إلا مقاومة، فيما تدير الحكم حكومة عنوانها هو المقاومة؟!
أما آخر الكلام، فهل نتعلم كيف نصرف أمور حياتنا كشعب مقاوم؟! وهل تتصرف حركة حماس وحكومتها ومختلف وزاراتها وإداارتها المقاومة، وشرطة المرور في الصدارة منها، بصفتها مسؤولة عن شعب مقاوم، كما يقاوم الاحتلال فإنه يقاوم الخطأ ويقاوم الظلم والفساد ويقاوم إنكار النظام ويقاوم الامتناع عن احترام القانون والالتزام به والاحتكام إليه، مع التأكيد في الوقت نفسه على ما كنت قد كتبته عن دائرة المرور في مقالة سابقة عنوانها:” هل ضاعت المقاومة؟! لا تضيعوا المقاومة!” حيث قلت في خاتمتها: هل نفهم أن المقاومة بالصاروخ والرشاش والمقلاع والحجر والنفق والقنبلة يجب أن يسبقها ويمهد لها ولمفاعيلها أنواع أخرى من المقاومة على رأسها وفي صدارتها الالتزام بالأخلاق وبالنظام وبالأصول واحترام آدمية المواطن وكرامته والمحافظه على سعيه وعمله ووقته؟! وهل تدرك حركة حماس، اليوم، بصفتها حركة مقاومة، ما كان ينبغي لها أن تفعله قبل اليوم، ولم تفعله حتى اللحظة؟! وهل يدرك المثقفون، في غزة تحديداً، أن مستوى ما لديهم من فعل وحضور يؤكد أنهم ليسوا مغيبين فحسب، بل غائبون أيضاً؟!
بقلم الدكتور / أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة