نصر تمّوز: هل له مدّة صلاحيّة أم أنه أبديّ الأجل؟
يعترف العدوّ (الإسرائيلي) بهزيمته، ويُشكّل لجان تحقيق، والصحافة الصهيونيّة حول العالم لا تتوقّف عن نشر مقالات التمعّن في أبعاد هزيمة تمّوز، وفي ضرورة استخلاص الدروس من فشل العدوّ للإعداد للمواجهة المقبلة. أذكر أن المخرج هاني أبو أسعد (الذي كان متواجداً في لوس انجلوس أثناء العدوان — ويتابعه عن كثب وعن بعد — والذي كان يشدّ من أزري في ساعات القلق) حضر لقاءات مع فنّانين ومنتجين أميركيّين نافذين بعد العدوان، وكانت هناك حالة ذعر من وطأة أداء العدوّ ومن قوّة أداء المقاومة، حتى أن بعضهم دعا لتقديم تنازلات كي لا يتعرّض وجود (إسرائيل) لخطر.
والعدوّ (الإسرائيلي) لا ينفكّ عن نشر دعاية سياسيّة صفيقة في الإعلام العربي (واللبناني بصفة خاصّة، حيث يهزج بعض الإعلام مثل إل.بي.سي و«المدن» في نشر أخبار تهديدات (إسرائيليّة) بإيذاء مدنيّي لبنان، وأن العدوّ أحسن من تدريبه ضد حزب الله) مهدّداً كل سكّان لبنان وبناه التحتيّة. كما ينقل الإعلام العربي تهديدات العدوّ للمدنيّين، كنشره أخبار الطقس، أو اخبار المشاهير في الغرب، بشيءٍ من المتعة. كانت هذه التهديدات جزءاً من خطة التعامل مع الانكسار الاستراتيجي الذي عاناه العدوّ، والذي لم يستفق منه، فبات الأخير يستدعي مراسلي الإعلام الغربي (والعربي بعد أن أصبح له مراسلون ومراسلات) لنشر تهديداته، والتعامل مع التآكل الذي تعرّضت له عقيدته في زرع الخوف في نفوس العرب، بقدرات جيشه وسلاحه. أما سياسة البطش، والمجازر، والعشوائيّة في القتل، فكانت جزءاً أساسيّاً من العقيدة الاستراتيجيّة للعدوّ، مترافقة مع عقيدة المبالغة في ما يعرفه عن العرب، كي لا يشعر الفرد العربي — المُقاوم والمدني — بالأمان. لكن كل هذا تبدّد في عدوان تمّوز. العقيدة الاستراتيجيّة المُكوِّنة لدولة (إسرائيل) كانت «الضحيّة» الكُبرى — عند الصهاينة — للحرب.
فاجأت المقاومة العدوّ على أصعدة عدّة.
1- قدراتها الصاروخيّة.
2- قدراتها الاستخباريّة ومعرفتها الدقيقة بشؤونه.
3- قدرات رصدها الدقيق، والذي لم تحسنه حركات المقاومة في لبنان من قبل.
4- مهارة التدريب الدؤوب والإعداد الصبور.
5- القدرة على إطلاق الصواريخ، بالرغم من شدّة القصف، وملاحقة الطيران لمواقع الإطلاق، وابتداع مخابئ لا تطالها أعين العدوّ الإلكترونيّة.
6- الجرأة في المواجهة، والقدرة على إحداث الرعب في نفوس العدوّ.
7- مهارة في الحرب النفسيّة بعيداً عن «هوبرات» إعلام الأنظمة الحربي في المواجهات (القليلة) مع العدوّ (الإسرائيلي)، وبعيداً أيضاً عن مبالغات إعلام «العاصفة» في حركة «فتح».
8- ابتداع أساليب جديدة ومتبكرة في مواجهة العدوّ، ولم يسبق أن جرّبتها من قبل حركات مقاومة (كنّا في حقبة ما قبل الـ١٩٨٢ نحلم بتقليد ثورة الفيتناميّين، لكن مقاومة حزب الله ابتكرت أساليب وأسلحة جديدة، حتى أن بصمات الحزب وُجدت في تفجيرات ضد قوّات الاحتلال الأميركي في العراق).
كل هذه الانجازات تُحسب للمقاومة، وتسجّل علامة فارقة في الصراع مع العدوّ. ولا شك أن الشعب العربي لم يدرك، حتى الساعة، مدى الأهميّة الاستراتيجيّة للحرب في تمّوز، لأن العدوّ وحلفاؤه العرب لا يريدون له أن يعرف ذلك. ولم تكن حملة التحريض الطائفي والمذهبي الصارخة التي تلت عدوان تمّوز عفويّة أو بريئة، بل كانت جزءاً أساسيّاً من طرق التعامل مع خسارة العدوّ الفادحة. وقد حاول آل سعود أن يسعف العدوّ بكل ما أوتى من قوّة ضخ للكراهية الدينيّة.
لكن للانتصارت، مهما كبرت، مدد صلاحيّة، وآجالها ليست لانهائيّة، إلا في حالات تتحقّق فيها كل أهداف الحركة الثوريّة أو التحرريّة. يحقّ للشعب الجزائري أن يفخر دوماً، وأبداً، بثورته التي قاومت أعند استعمار غربي، وطردته بالكامل رغم وحشيّة الإصرار الفرنسي لأكثر من قرن من الزمن على الاستيطان والاحتلال. كما أن نصر الاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا النازيّة كان كبيراً رغم جسامة التضحيات. ونصر الشعب الفيتنامي ضد استعماريْن متلاحقيْن يستحق أن تزهو به الشعوب، وأن تستلهم منه العظات الوطنيّة. لكن هناك انتصارات ذات مدد محدودة بحكم الظروف التي حصلت فيها، وبمحدوديّة آجال الإنجاز العسكري.
يمكن الاستدلال بـ«نصر أكتوبر»، مثلاً. لم تكن حرب ١٩٧٣ نصراً عربيّاً كما روّجت الأنظمة العربيّة بقصد الإعفاء من المسؤوليّات المترتّبة على مهام المقاومة والتحرير وصدّ العدوان. إن حرب أكتوبر كانت نصراً أكيداً في الأيّام الثلاثة أو الأربعة الأولى فقط، إذ أن الجسر الأميركي الجويّ وتعبئة الاحتياط، وتزويد عميل الـ«موساد» أشرف مروان (يؤكّد الكتاب الجديد عنه، بعنوان «الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ (إسرائيل)» ليوري بار-جوزيف أن تجسّس مروان بدأ في المرحلة الساداتيّة، وليس في المرحلة الناصريّة، لكن سامي شرف يتحمّل مسؤوليّة تسلّم مروان مسؤوليّات في مكتب يتعاطى مع أسرار استخباريّة للحكومة المصريّة)، وغباء وتخاذل وتآمر أنور السادات قلبت المعادلة، وحوّلت الهزيمة الأوليّة للعدوّ إلى نصرٍ أكيد، على الجبهتيْن المصريّة والسوريّة. والحرب هذه لم تكن، عند القيادتيْن السوريّة والمصريّة، حرباً شاملة لهزيمة العدوّ (الإسرائيلي)، لأن اعتبار الحفاظ على النظام ساد فوق أي اعتبار عند القيادتيْن.
لكن الحرب كانت ضرورة سياسيّة للحفاظ على العرشيْن. واستقى النظامان، على مرّ عقود طويلة، شرعيّة سياسيّة لم يستحقّانها من هذه الحرب، وبسببها: أنفق السادات شرعيّة الحرب على الاستسلام مع العدوّ (الإسرائيلي)، فيما أنفق النظام السوري شرعيّة الحرب لتجنّب خوض حرب أخرى لتحرير الجولان، ولإخراس أيّة معارضة داخليّة للنظام (لأن النظام كان دائماً — حسب زعمه — منهمكاً في التحضير لمعركة لم تأتِ). وياسر عرفات بقي حتى سنوات أوسلو يستعين بمعركة «الكرامة»، من أجل تسويغ اتفاقيّات الاستسلام مع العدوّ.
ليس هناك من دلائل أن حزب الله يودّ تصريف نصر تمّوز لغايات لا تتعلّق بالصراع مع العدوّ، لكن شرعيّة نصر تمّوز محدودة، ولا تتعلّق أبداً بالحرب السوريّة أو بمواقف الحزب الداخليّة في لبنان. من حق الحزب أن يحتفل بنصر تمّوز وأن يزهو، ومن حقّه إشراك العرب جميعاً في أسرار تلك الحرب، وفي ظروف إتقان المواجهة مع العدوّ الشرس. إن طمس حقيقة نصر تمّوز في الإعلام العربي (لأهداف سياسيّة وطائفيّة، وبأمر من طغاة الخليج وأوامر رعاتهم في تل أبيب وواشنطن)، حجب الكثير من الحقائق عن الأهميّة الاستراتيجيّة للمواجهة. ومن واجب الرأي العام العربي، المتتبع لمجريات الصراع العربي – (الإسرائيلي) أن يتعلّم من دورس تلك الحرب (وأن يزور متحف «مليتا» المجيد، لكسب المزيد من الدلائل عن إتقان المقاومة للمقاومة). غير أن الحزب أمام مفصلٍ تاريخي، بعد عقد من الزمن، من تلك المواجهة.
لم تعد استراتيجيّة حزب الله في مواجهة العدوّ (الإسرائيلي) واضحة. كان الحزب في موقف جلي، في كل سنوات الصراع مع (إسرائيل) بعد اجتياح ١٩٨٢، وبعد انطلاقته، يمارس المقاومة الشاملة ضد جميع أهداف العدو، في داخل لبنان وأحياناً خارجه، بعنوان تحرير لبنان من احتلال (إسرائيل). ومن فضائل المقاومة في ذلك الحين أنها لم تكن تولي أولويّة المقاومة على أي أولويّة أخرى، مما أدّى إلى اصطدامها بالنظام السوري حيناً، أو بالفرقاء اللبنانيّين حيناً آخر (خصوصاً رفيق الحريري الذي كان يتوق منذ أوّل يوم لوصوله إلى السلطة في لبنان، مدعوماً من المخابرات السوريّة والسعوديّة على حدّ سواء، إلى السلام الشامل مع العدوّ (الإسرائيلي). وكان الحريري لا يفهم كيف أن أرض الجنوب المحتل يمكن أن تعكّر عليه مشاريع البناء والخدمات لأثرياء لبنان والخليج).
شعرت المقاومة بإحراج غير مُبرّر بعد تحرير معظم الجنوب في عام ٢٠٠٠. فقد أخطأت على أكثر من صعيد: 1- لم تتعامل مع عملاء العدوّ الإرهابيّين بما يجب من قسوة وحزم (وليس ذلك بهدف الاقتصاص فقط، وإنما لردع من تساوره رغبات مستقبليّة في خدمة إرهاب العدوّ، أو التجسّس لحسابه).
2- لم يوضّح الحزب للرأي العام حقيقة دور سلاحه وأهميّته. واكتفى بالحديث عن مزارع شبعا، ما أدّى إلى تدخّل الأمم المتحدّة، بشخص مندوب “إسرائيل” (غير الرسمي)، تيري رود لارسن، من أجل حماية احتلال (إسرائيل) مما تبقّى من لبنان. والأنكى أن هناك في لبنان من صدّق أن الأمم المتحدة تستطيع أن تفتي في النزاعات الحدوديّة بين الدول، وأن الأمم المتحدّة تستطيع أن تحدّد ما إذا كانت (إسرائيل) في انسحابها الذليل قد التزمت بالقرار ٤٢٥ (كان العدوّ انسحب بذلّ من لبنان احتراماً لقرارات الأمم المتحدة، وليس هرباً من مطاردة المقاومة لجنود العدوّ ومراكزه في كل لبنان).
3- لم يشرح الحزب بشكلٍ كافٍ للرأي العام حقيقة الإنجاز الكبير.
4- تواضع الحزب جداً في التعامل مع نصره مما وسّع من شهيّة أعدائه: كان عليه أن يشرح أنه، وإن لم ينوِ الاستيلاء على السلطة كما تفعل حركات المقاومة عبر التاريخ، لن يسمح لأي كان بالتدخّل في شأن مقاومة العدوّ (الإسرائيلي)، أو في التعكير على تلك المقاومة. لم يكن الحزب حازماً في هذا الشأن. ومن المتعارف عليه أن المقاومات، التي تحرّر الأرض، هي التي ترث الأرض من المحتل. لم يستولِ الحزب على السلطة، لحسن الحظ، وتركيبته الطائفيّة وعقيدته الدينيّة المتزمّتة، لا يمكن أن تسود في بلد مثل لبنان، ولا يجب أن تسود. لا بل أن الحزب استنكف عن المشاركة في السلطة، إلى أن وقع في فخٍ رسمه له أعداؤه بعد اغتيال الحريري، من أجل أن يشارك بالسلطة كي يقع في وحولها ويصيبه ما يصيب أهلها من نقمة واحتجاج ولوْم مُبرّر. واغتيال الحريري سهّل مهمة فريق الحريري، الذي كان يعمل منذ التسعينيّات من أجل تسليم سيادة لبنان (لإسرائيل) وأميركا (والنظام السوري). وفي محاولة لتشريع احتلال (إسرائيلي)، أفتى فريق ١٤ آذار بأحقية احتلال العدوّ لمزارع شبعا (وتلال كفر شوبا، لو أراد)، لأن لبنان مستعد أن يسلّم له به تحقيقاً للوئام والسلام (وهناك من طَلِع في تل أبيب بأن المزارع سوريّة، وأنه بناء على ذلك فمن حق (إسرائيل) التمتّع بها — ورددّ ذلك القول ببغائيّو العدوّ في لبنان).
كما أن فريق ١٤ آذار استدرج الحزب إلى مناقشة الاستراتيجيّة الدفاعيّة، مع أمثال بطرس حرب وأمين الجميّل وسمير جعجع، ربيب التدخّل (الإسرائيلي) في لبنان. كما أن الحزب سمح لميشال سليمان بإطلاق توليفة «الجيش – الشعب – المقاومة» الزائفة، وهي قائمة على التدليس. كان على الحزب أن يتنطّح ليعترض على محاولة سليمان نشر ونثر رصيد المقاومة على الجميع، وهذا ما سمح للبعض بتعمية معنى المقاومة، حتى أصبح شي الكباب مقاومة، واللقاء بين الجيش اللبناني وجيش العدوّ في الناقورة مقاومة، وإقامة مهرجانات المناطق مقاومة، والكل أصبح مقاومة، حتى هؤلاء الذين كانوا يهفتون لجيش العدوّ في سنوات احتلاله.
إن مهمّة الحزب، لو أراد أن يستمرّ كحركة مقاومة، تتطلّب منه إصدار موقف واضح في مهامه كحركة مقاومة في مواجهة العدوّ (الإسرائيلي). ولا يستطيع الحزب أن يستعين برصيده من الشرعيّة السياسيّة التي استقاها من المقاومة في تدخّله العسكري في سوريا (والذي بدأ بشعار حماية المزارات الدينيّة). من حق الحزب أن يقرّر مواقفه من مختلف الدول، ومن حقّه أن يتدخّل في هذا الشأن أو ذاك، لكن لا يستطيع أن يُقنع كل مؤيّدي ومؤيّدات المقاومة أن كل موافقه، أو تحرّكاته، أو تدخّلاته تندرج في نطاق المقاومة. طبعاً، هناك في الصف الحزبي، وفي صف الحلفاء، مَن يقتنع بذلك لأسباب مختلفة، لكن حلفاء المقاومة — كحركة مقاومة ضدّ العدوّ (الإسرائيلي) — لا يوافقون بالضرورة على التعميم المقاوِم على كل أفعال الحزب.
إن مطالبة الحزب بتوضيح موقفه من فعل المقاومة ومن التهديد الإسرائيلي — على المدى القصير والمتوسّط — لا يقصد استدراج الحزب إلى مواجهة غير محسوبة بدقّة، أو إلى توريطه من باب المزايدة والإحراج — على عادة أبواق أنظمة الخليج في الإعلام العربي. هؤلاء يريدون من الحزب أن يقصف (إسرائيل) بالصواريخ اليوم قبل الغد، حتى يتأذّى الحزب، وحتى يتسنّى لهؤلاء لوْم لبنان على ما يتعرّض له من دمار وقتل من قبل العدوّ. لا، إن نجاح المقاومة في لبنان يعود بدرجة كبيرة إلى اعتمادها على الحساب الدقيق، وعلى عدم الانفعال، وعلى الصبر. كانت المنظمّات الفلسطينيّة واللبنانيّة تطلق الكاتيوشا من جنوب لبنان احتجاجاً على مقتل رفيق في معارك في لبنان، أو لتعليم مناسبة عيد الحزب أو للاحتفال بصعود أمين عام جيد لتنظيم ما (مع أن كل صاروخ يُطلق ضد العدوّ المُحتل لا يستحق إلا التأييد). إن الهزيمة الكبرى في ١٩٦٧ يتحمّل مسؤوليّتها مضاعفة جمال عبد الناصر: لأن الرجل البعيد عن المواقف الانفعاليّة سمح للمزايدة المشبوهة آنذاك من قبل النظام الأردني – الصهيوني، ومن النظام السوري بتوريطه في حرب كان يقول إنه لم يكن مستعدّاً لها. إن حسابات المقاومة يجب أن تخضع فقط لحسابات علم المقاومة الذي أتقن ممارسته حزب الله.
لكن على حزب الله أن يعي أن رصيد عدوان تمّوز بدأ بالنفاد، وأن الحزب يحتاج أن يصارح جمهوره بسياسته في مواجهة أخطار العدوان، وأن يجيب على بعضٍ من هذه الأسئلة المُلحّة:
1- هل يعتمد الحزب على الجيش اللبناني أو على الديبلوماسيّة لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر؟ أم أنه قرّر عدم ممارسة الكفاح المسلّح لتحريرها؟ ولماذا لا يطلق الحزب عمليّات لتحرير تلك الأراضي المحتلّة؟ أليست قوى الاحتلال فيها أهدافاً مشروعة؟
2- ما هي خطّة الحزب، كحركة مقاومة، في مواجهة خروقات سيادة لبنان من قبل العدوّ؟ وبصورة يوميّة، ومن البرّ والبحر والجو؟ إذا كان الحزب غير قادر على التصدّي، فلماذا لا يقود حملة شعبيّة من أجل بلورة خطّة وطنيّة لذلك؟ لا أفترض أن الحزب متقاعس عن القيام بمهام المقاومة، لكن خطّة التصدّي غير معلومة، والمقاومة تكون سريّة لكن معلومة بأعمالها.
3- إن المقاومة كمشروع وطني لتحرير أرض ولرد العدوان (الإسرائيلي) ولمعاقبة جرائم (إسرائيل) لا تحظى أبداً بإجماع، وليس هذا عيباً للمقاومة أو نقيصةً لها. على العكس، فإن المقاومة هي بتعريفها وفي مختلف التجارب حول العالم، حركة أقليّة بوجود أكثرية إما خانعة أو مُتفرّجة أو متواطئة أو متعاونة مع الاحتلال. هذه هي دروس التاريخ.
4- كيف يمكن أن يجمع الحزب بين مقاومة العدوّ وبين تدخّل عسكري مُستنزِف في سوريا وفي العراق؟ ما هي الأولويّة؟
5- هل سيرد الحزب على مجموعة اغتيالات من قبل العدوّ (الإسرائيلي) ضد قادته الميدانيّين؟ أم أن الحسابات الداخليّة تقيّد يديْه؟ هل نجح الفريق المعارض للمقاومة، وبعضه حليف للعدوّ الإسرائيلي، في شلّ يدي حزب الله في مواجهة (إسرائيل) عبر ضخ كمٍّ هائلٍ من شعارات عن أن «قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد دولة» لا تأبه لا لكرامتها، ولا لهيبتها، ولا لسيادتها، ولا سلامة أهلها؟ ألا يتحمّل الحزب مسؤوليّة نشر قيم مقاومة المقاومة ومن دون ردّ فعّال من قبله؟
6- إن رصيد المقاومة التي تجري ضد الاحتلال تحتاج إلى كمٍّ متراكم من المقاومة كي يبقى الرصيد وينمو. علم الشعب السوري والمصري بعد حرب ١٩٧٣ أن رصيد الحرب بات محصوراً بخدمة شرعيّة النظام السياسيّة، وليس بهدف تحرير أراض محتلّة. ويكتمل رصيد المقاومة بإنجاز تحرير الأرض وردع العدوان. وهذا لم يُنجز بعد، بالرغم من الإنجاز الكبير وغير المسبوق للمقاومة.
7- من ضرورات المقاومة الحفاظ على هيبة المقاومة وعلى قوّة ردعها. ومن قواعد ذلك الردّ المباشر على كل اعتداء عليها. لكن المقاومة في السنوات الأخيرة باتت تلجأ إلى التهديد بالردّ على اغتيالات قادتها الميدانيّين دون تنفيذ التهديد، مما يُضعف من هيبتها إزاء العدوّ. وهذا يؤدّي إلى استسهال العدوّ للاعتداء على المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة قبل اجتياح ١٩٨٢. إن بعض بيانات المقاومة في السنوات التي تلت الحرب السوريّة ذكّرت بتهديدات حزب البعث الحاكم في سوريا حول الرد «في الزمان والمكان المناسبين».
8- لا تستطيع المقاومة في لبنان أن تدخل — أو أن تبقى — في حالة اللاسلم أو اللاحرب، التي طبعت سلوك النظام السوري بعد حرب تشرين. لا تستطيع حركة مقاومة أن تسمح للعدوّ بالتمتّع بحظوة هذه الحالة، لأنها لا تردعه، لا بل تشجّعه على ارتكاب المزيد من العدوان، كما فعل ويفعل ضد سوريا منذ سنوات طويلة.
9- ما هو موقف الحزب من قوى الـ«يونيفيل»، التي لا هم لها إلا التجسّس على المقاومة، وحماية ظهير العدوّ وخدمة أهدافه؟
ليست هذه موعظة لحركة مقاومة أتقنت أكثر من كل تجارب حركات المقاومة والجيوش العربيّة في مواجهة العدوّ (الإسرائيلي). لكن الذكرى العاشرة لحرب تمّوز، تذكّر أن مسافة طويلةً باتت تفصل بيننا وبين الذكرى. والمناسبة، لو تحوّلت إلى ذكرى، تُضعف من مقاومة لم يحن بعد أوان تقاعدها، بالرغم من رغبة العدوّ وحلفائه العرب الكثيرين.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | asadabukhalil@