الدولة العثمانيّة الإسلاميّة ضدّ الدولة السوريّة العربيّة – ثريا عاصي
… يقول زعماء كرد أن الصدامات في الحسكة بين الجيش السوري من جهة وبين المسلحين الكرد كانت خطأ.. فالأخيرون والجيش هم سوريون وغايتهم الدفاع عن بلادهم سورية ! هذا على ذمة وسائل الإعلام طبعاً… ويقول هؤلاء الزعماء أيضاً أن علاقتهم بالتحالف الدولي ضد الإرهاب، وبالولايات المتحدة الأميركية هي جيدة، وأن الخبراء العسكريين، الأميركيين والفرنسيين ما يزالون بينهم، يقدمون لهم المشورة…
أما «العملية العسكرية التركية» في شمال سورية فإن جميع الفرقاء يتظاهرون تجاهها كأنها مسألة ثانوية، أو لنقل أنها « تحصيل حاصل»، بعد المصالحة الروسية التركية من ناحية والتفاهمات الإيرانية التركية من ناحية ثانية بالإضافة إلى أنه من الطبيعي أن تحظى تركيا على تأييد الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك كما هو معروف أربع قواعد عسكرية في تركيا، لدولة هي عضو في حلف شمال الأطلسي. وبالتالي فمن المحتمل أن يكون تعاظم دور تركيا في سوريا ترجمة للمكاسب التي تحققت لصالح المعسكر الذي تقوده أميركا ويضم إلى جانب الدول الخليجية دولة المستعمرين الإسرائيليين.
كان يلزمنا في هذه المسألة، توضيح من الحكومة السورية، حتى نقوم بما يتوجب علينا، كل في موقعه وبحسب إمكانياته، في دعم القضية السورية، بما هي قضية وجود، ولكن ما العمل ؟ فهذه الحكومة تطلب من الوطنيين، المناهضين للإستعمار وللمتعاونين معهم، أن يقفوا معها أحياناً وأن يلتزموا الصمت أحيانا أخرى، فهي تعلم ما لا علم لنا به ولديها الحيلة والبصيرة ما يجعلها تدوخ الأعداء وترد كيدهم. أغلب الظن أنه بحسب مفهومية السلطة العربية، أية سلطة في بلاد العرب، فإن الغاية من النشاط السياسي هي في زمن السلم والحرب على السواء، الاستيلاء على السلطة وتسلم الحكم. كأن مسألة السلطة تتقدم على مسألة الدفاع عن الوطن والحفاظ على النسيج الإجتماعي الوطني وكف أذى المتعاونين مع الأعداء.
لا بد في سياق هذه المقاربة السطحية للخريطة في شمال سورية، من أن نلتفت إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى العراق بموازة دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية. لا أعتقد هنا أني أجازف كثيرا في القول أن ما يجري في سورية تبعاً للخطة الأميركية ـ الأٍسرائيلية، هو عكس ما جري في العراق طبعاً إلى درجة معينة، أي انه ليس طبق الأصل. بكلام آخر أكثر صراحة ووضوحاً، صور الأميركيون المسألة العراقية بما هي « ثورة» شيعية، بمعاونة الأميركيين والخليجيين (الخليجيون على دين أسيادهم) على ديكتاتورية سنية اضطهد تهم، وبالضد من ذلك أوهم الأميركيون الناس أن في سورية « ثورة» سنية، بمعاونة الأميركيين والخليجيين (الخليجيون على دين أسيادهم) في وجه ديكتاتورية شيعية، اضطهدتهم!
بالعودة إلى زيارة الوزير وليد المعلم إلى العراق، يحق لنا أن نفترض أن هذا الأخير حمل إلى العراقيين رسالة من القيادة السورية، ذات مضمون سياسي يتعلق بالمسألة العراقية ـ السورية، ما يدل ربما على و جود مسعى ما بحثاً عن حل مشترك بين البلدين!
وفي سياق آخر يتساءل المراقب عن معنى تحرير مدينة تدمر بالتلازم مع انتكاسة «الهدنة» في حلب، وعن استسلام المسلحين في داريا، في الوقت الذي يحتل الجيش التركي مدينة جرابلس السورية. تعويض أم أننا حيال مقابلة في لعبة شطرنج لم تتقرر بعد نتيجتها.
مجمل القول أنه من الصعب معرفة ما يجري في الشمال السوري، معرفة دقيقة. أغلب الظن أن الجيش التركي دخل إلى هذه المنطقة السورية في إطار صيغة ـ تسوية، وافق عليها الجميع، او بالأحرى وافق عليها جميع الأفرقاء الذين يملكون «حق التصويت». ولكن ما هي خطوط هذه الصيغة ـ التسوية؟ فقد لا يكون لازماً أو ضرورياً في «نظر البعض» أن يعرف الناس، العاديون الذين يحتاجون إلى الوطن السوري وييذلون التضحيات ذوداً عن حياضه.
مهما يكن فلا منأى في الختام عن الأعتراف بأن جزءاً من السوريين انضووا تحت راية «الخلافة العثمانية الإسلامية» ضد الدولة الوطنية السورية! لا جديد. القوى الإستعمارية الغربية تدعم الدولة العثمانية الإسلامية ضد الدولة الوطنية.
“الديار”، بيروت