من قـتـل أسـعـد الصـفـطـاوي..؟؟!! -عادل أبو هاشم
اغتال مسلحون ملثمون يوم الخميس 21/10/1993م القائد المناضل البطل أسعـد هاشم علي الصـفـطـاوي ” أبو عـلاء ” في مدينة غـزة .
و باستشهاده فقد الشعب الفلسطيني و الحركة الوطنية الفلسطينية أحد أهم رموزه الوطنية في مسيرته النضالية .
وفقدت حـركة ” فـتـح ” قائداً من أكثر قادة الحـركة ــ على مدار تاريخها الطويل ــ طهراً سياسياً و شفافية ثورية ، واقتراناً للقول بالفعل ، وسيرة يحتذى بها لكل عنصر و كادر في الحركة .
وهي ثالث عملية اغتيال يتعرض لها مسؤولون فلسطينيون يؤيدون الاتفاق الفلسطيني ــ الإسرائيلي الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن في 13/9/1993م ” اتفاق أوسلو “بعد اغتيال المحامي محمد هاشم خير الدين أبو شعبان يوم الثلاثاء 21 / 9 / 1993 م ، ومساعده ماهر فوزي شعبان كحيل يوم السبت 16 / 10 / 1993 م .
وبعد ثلاث و عشرون عاما من استشهاد القائد أسعـد الصـفـطـاوي لا يزال ملف اغتياله مقفل إلى اليوم .!
و الغريب و المؤلم انه منذ عودة السلطة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994 م و حتى الآن لم نجد من يملك الجـرأة لفتح ملف الاغتيال لتبيان كل الحقيقة على الملأ حتى لا يُظلم أحد .!
( في حملات الردح المتبادلة بين رئيس السلطة محمود عباس و قائد الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة محمد دحلان اتهم عباس في دورة المجلس الثوري الثالثة عشر يوم الأثنين 10 / 3 / 2014 م دحلان بالمشاركة في اغتيال الرمز ياسر عرفات ، و في قتل كل من صلاح شحادة و أسعـد الصـفـطـاوي و محمد أبو شعبان و خليل الزبن و هشام مكي و نعيم ابو سيف و خالد شحدة ) .!!
و للتاريخ فإن عائلة الصفطاوي أصدرت بياناً للرأي العام الفلسطيني برأت خلاله دحلان من الاتهام الذي وجهه له الرئيس في خطابه أمام المجلس الثوري ، و أن العائلة كانت ضحية ألاعيب وأكاذيب الكثير من بعض قيادات فتح وبعض التنظيمات التي كانت لا تريد للحقيقة أن تظهر طوال السنوات الماضية .!
ليس من السهل أن يكتب المرء عن أسعـد الصـفـطـاوي فكل كتابة عنه ستكون ناقصة ، لأن قضيته لم تكتمل بعد . . هي قضية مسيرة المقاومة ضد المحتل . . هي قضية الجيل الذي يكسر قيد المحتل و يصنع الأنتصار .
ذلك أن “أبا عـلاء ” لم يكن في حياته وفي التـزامه مجرد شخص اختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة بل كان إلى جانب ذلك نموذجـًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل منذ اليوم الأول للنكبة ، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة والكلمة الحرة الأبية اكتسب قيمته كمجاهد ومعلم ورمز من رموز هذا الجيل .
كان صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق ، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته ، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب ، ويلقنها لأبناء شعبه البطل.
عظم ” أبو عـلاء ” الكلمة في فكره وعقيدته ، وقدر العمل في نضاله وكفاحه اليومي ، وسبق الآخرين بنظره الثاقب فكان فارسـًا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين الجهاد والنضال والعمل الوطني .
و القائد المناضل البطل الشهيد أسعـد الصـفـطـاوي من قادة فتح المؤسسين ، ومن ابرز قيادات العمل الوطني الفلسطيني ، وأحد الذين فضلوا البقاء في دائرة الظل وفي داخل فلسطين وليس خارجها ، حيث بقي في قطاع غزة طوال سنوات الاحتلال الصهيوني ، وتحول خلال سنوات إلى عنوان سياسي لحركة فـتـح ، وقد كان امتدادا للثورة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة ، حيث كان يمثل الذراع اليمنى للشهيد القائد ابو عمار قبل قدوم السلطة ، وكان على رأس لجان الإصلاح الفلسطيني في قطاع غزة اثناء الانتفاضة الفلسطينية الاولى مما كان له الأثر الكبير في تجسيد السلم الأهلي والترابط الاجتماعي وحل كافة المشاكل العائلية حيث لم تكن شرطة فلسطينية موجودة في ذلك الوقت ، وكان الشهيد ابو علاء عضوا سريا في المجلس الوطني الفلسطيني نيابة عن قطاع غزة ، وتقلد مناصب عدة في حـركة فـتـح حتى وصل الى عضو مجلس ثوري للحتركة ، ورشح قبل إغتياله لعضوية اللجنة المركزية لحركة فـتتح … إلى أن أصابته رصاصات الغدر والخيانة ، وقد شكل في السنوات الأخيرة قناة حوار مهمة مع بقية التنظيمات الأخرى وخصوصـًا مع التيار الإسلامي ، كما اجتمع مع كثير من قادة إسرائيل لطرح مشاريع أو إيصال رسائل غير مباشرة إلى قيادة فتح في الخارج ، وفي السنوات التي سبقت اتفاق أوسلو كان دوره يتعاظم في أوساط حركة فتح في قطاع غزة حيث اعتبر الرجل الأول فيها في قطاع غزة .
وقد وصف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ” أبو عمار ” عملية الاغتيال بأنها مؤامرة ضد السلام .
وقال أبو عمار في خطاب تأبين في بيت عزاء الشهيد :
يا إخوتي .. يا أحبائي .. يا أهلي وربعي .. ليس أقسى على النفس أن أقف معظماً رفيق النضال ، رفيق الكفاح ، رفيق الجهاد أسعـد الصـفـطـاوي ” أبو عـلاء ” ، قائدا من قادة الشعب الفلسطيني ورمزاً من رموز فتح وبطلاً من أيطال الثورة الفلسطينية ، وبطلاً من أبطال السلام .. ودعناه .. وودعنا فيه الرجولة والثورة والتضحية والإباء التي كان يمثلها جميعاً .. نعم نودع أبا العلاء ( المعري ) الاسم المحبب له .. زميل الدراسة ، زميل فتح ، زميل الثورة ، زميل النضال ورفيق الكفاح والجهاد .
ولد القائد المناضل أسعد هاشم علي الصفطاوي ( أبو علاء ) واسمه الحركي ( أبو علاء المعري ) في العام 1934م في مدينة المجدل من أسرة ذات أصول غزية هاجرت من غزة إلى المجدل في بداية العام 1920م .
نزحت أسرته وعادت إلى غزة بعد النكبة الفلسطينية عام 1948م .
أكمل دراسته الثانوية في غزة حيث حصل على الثانوية العامة ثم سافر في العام 1952م إلى جمهورية مصر العربية ليلتحق بكلية المعلمين بدار العلوم ليتخصص في دراسة العلوم والفيزياء ، حيث التقى هناك برفيق دربه الشهيد القائد صلاح خلف ” أبو إياد ” حيث أسسا معاً تنظيم ” شباب الثأر ” الذي انصهر فيما بعد ضمن المجموعات الأولى المؤسسة لـ ” حـركة فـتـح ” .
وكان للشهيد علاقة نضالية خاصة مع الشهيد القائد خليل الوزير ” أبو جهاد ” أثناء سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية بغزة ، وذلك في إطار الأخوان المسلمين وفي جمعية التوحيد المنبثقة عنهم وضمن الجهاز العسكري السري لجماعة الأخوان وخصوصاً في أعوام 1952 ــ 53 ــ 1954 م وفي فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م .
خلال الدراسة انضم الشهيد القائد أسعـد الصـفـطـاوي إلى رابطة الطلاب الفلسطينيين التي كان يرأسها ياسر عرفات حيث شغل فيها منصب أمين الصندوق ثم أمين السر .
ثم انتخب في العام 1956 ــ 1957م رئيساً للرابطة وهو المنصب الذي لم يتمكن من ممارسته عملياً بسبب إقدام السلطات المصرية يوم انتخابه في مؤتمر الطلاب العام على إبعاده إلى غزة بسبب شجار حدث بينه وبين الضابط مندوب جهاز المخابرات المصرية الذي حضر للرقابة على المؤتمر .. الأمر الذي أدى إلى اعتقال ” أبو علاء ” ومن ثم إبعاده إلى غزة قبل شهرين من موعد الامتحانات النهائية ، حيث لم تسمح له السلطات المصرية بتأدية الامتحان النهائي للسنة الرابعة للحصول على درجة الليسانس في العلوم .
عمل الشهيد أسعـد الصـفـطـاوي بعد عودته إلى غزة في سلك التعليم مدرسا في وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين ثم مديرا لإحدى مدارس الوكالة في غزة .
بعيد الإعلان عن تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فـتـح ” وانطلاقتها في الأول من يناير عام 1965م ساهم ( أبو عـلاء ) في بناء القواعد التنظيمية الأولى للحركة في قطاع غزة وقاد الخلايا العسكرية الأولى للحركة التي شاركت في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي .
تعرض الشهيد القائد أسعد الصفطاوي للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي مرات عديد بلغت سبع مرات كان أطولها اعتقاله في بداية العام 1973م حيث حكم بالسجن خمس سنوات بعد أن اكتشفت المخابرات الاسرائيلية اسمه من ضمن عناصر المقاومة أثناء جريمة اغتيال القادة كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر خلال عملية فردان في بيروت في عام 1973م .
كما اعتقل بعدها عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 1987م بتهمة قيادة مرجعيه فـتـح في ” القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ” وكان أول المعتقلين الذين افتتحت بهم سلطات الاحتلال سجن النقب الصحراوي ” أنصار 3 ” .
في العام 1989م قدم ” أبو عـلاء ” مشروعا عبارة عن مقترحات للسلام ترتكز على خطوات متبادلة وجدول زمني بين الفلسطينيين والاسرائيليين أساسه انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من الضفة وغزة والقدس والإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة .
تعرض لعدة مرات لمحاولات اغتيال كان آخرها يوم الخميس 21 / 10 / 1993م حيث استشهد في غزة بعد أن أطلق عليه عملاء الاحتلال الصهيوني ثلاث رصاصت أودت بحياته .
حق القائد المناضل البطل أسعـد هاشم علي الصـفـطـاوي ” أبو عـلاء ” علينا أن نغبطه شرف الاستشهاد، إنما الحقيقة القاسية والبشعة تبقى :
لقد خسر الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية هذا الرجل بإيمانه وإخلاصه وقدرته وجرأته.
لقد خسرنا القائد والمجاهد والرمز والأب والأخ والصديق .
ولسوف نفتقده كثيرًا . . ولسوف نفتقده طويلاً .