التعاون بين (إسرائيل) والأبارتايد – د. غازي حسين
كان وجود نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا في القرن العشرين وإقامة “إسرائيل” علاقات وطيدة معه وصمة عار أبدية على جبين “إسرائيل” واليهودية العالمية لا يمحيها مرور عقود من الزمن. وأدت إلى عدم اشتراك “إسرائيل” في تشييع جنازة الزعيم العالمي الكبير نيلسون مانديلا، بسبب غضب مواطني جنوب إفريقيا من دعم “إسرائيل” لنظام الأبارتايد وعلاقاتها الوثيقة معه ولممارستها الاستعمار الاستيطاني والعنصرية والتمييز العنصري في فلسطين العربية. وكانت “إسرائيل” الدولة الوحيدة في العالم التي لم تشارك في العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي عام 1986م على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. فإقامة “إسرائيل” لأوثق العلاقات مع نظام الأبارتايد تحد صارخ لإرادة جميع الشعوب والدول في العالم التي أقرت تحريم العنصرية والتمييز العنصري والقضاء على الأنظمة العنصرية والاستعمارية كافة وبشكل خاص الدول الإفريقية.
وقعت “إسرائيل” في عام 1991 على مذكرة تفاهم مع نظام الأبارتايد لتوسيع التفاهم والتعاون بين النظامين العنصريين في المجالات الأمنية والاقتصادية والصناعية والثقافية والسياحية والزراعية والتعاون العلمي والتكنولوجي وتبادل العلماء والمهندسين وإجراء الأبحاث وإقامة المصانع المشتركة. وساعدت “إسرائيل” على تطوير قدرات نظام الأبارتايد النووية.
التعاون النووي
أكدت جريدة هآرتس الصادرة في 31/7/2009 أن التجربة النووية التي جرت في المحيط الهندي قبل (30) عاماً كانت تجربة مشتركة بين “إسرائيل” وجنوب إفريقيا، حيث بدأ التعاون النووي بين البلدين بلقاء سري عام 1974 ضم علماء نوويين من كلا البلدين وشارك فيه شمعون بيرس أبو مفاعل ديمونا النووي وسفاح مجزرة قانا والذي كان وزيراً للدفاع ورئيس حكومة جنوب إفريقيا ووزير الدفاع فيها.
وتم التوقيع على اتفاق سري للدفاع المشترك نتج عنه صناعة سبع قنابل نووية ونقلت فيما بعد إلى “إسرائيل” بعدما تخلى نظام الأبارتايد عن برنامجه النووي. وكانت جريدة هآرتس الصادرة في 11/12/2013 قد نشرت الوثائق التي أفرجت عنها حكومة جنوب إفريقيا بعد انهيار نظام الأبارتايد، ومنها وثائق الشراكة “الإسرائيلية” في برنامج نظام الأبارتايد النووي.
التعاون العسكري
كشفت الوثائق المنشورة برنامج تطوير صواريخ متوسطة المدى عرفت بــ أريحا وفي جنوب إفريقيا بــ شيله. وموّلت جنوب إفريقيا صناعة وإطلاق القمر الصناعي “الإسرائيلي” من نوع «أوفيك للتجسس. وزودت “إسرائيل” بالمال والسلاح والطيارين في حرب حزيران العدوانية عام 1967. وعندما عانت “إسرائيل” أزمة مالية وعسكرية جراء حرب تشرين التحريرية عام 1973 هبَّت حكومة الأبارتايد لمساعدتها بشرائها ألف دبابة من نوع (ميركافا). وكان نظام الأبارتايد من أهم وأكبر الزبائن الذي أنقذ الصناعات العسكرية، “الإسرائيلية” من الانهيار، بتمويله لهذه الصناعات لأن مجلس الأمن الدولي منع تزويد جنوب إفريقيا بالسلاح.
فقامت “إسرائيل” وملأت هذا الفراغ وزودت نظام الأبارتايد بجميع ما يحتاج إليه من سلاح. وباعت “إسرائيل” لجنوب إفريقيا 60 طائرة من طراز (كفير) بعد أن جرى تنسقها وخرجت من الخدمة في سلاح الجو “الإسرائيلي”، وأقام النظامان العنصريان شركة للتكنولوجيا المتطورة، وطورا مدفعاً لإطلاق قذائف تحمل رؤوساً نووية لصالح الطرفين.
التشابه بين النظامين العنصريين
تعتبر مبادئ القانون الدولي الإنساني والعهود والمواثيق الدولية التي ترسخت بعد القضاء على النازية والفاشية والأنظمة الاستعمارية والعنصرية أن العنصرية والتمييز العنصري هي آفة عصرنا هذا. لذلك أقرت الأمم المتحدة تحريم جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وأكدت أن مقاومتها واجب على كل إنسان حر ومحب للحرية والمساواة والديمقراطية.
تطورت العلاقات بين العنصريين الصهاينة في الكيان الصهيوني والعنصريين البيض في جنوب إفريقيا.
وكان وضع اليهودي في “إسرائيل” تماماً كوضع الرجل الأبيض في نظام الأبارتايد. فالعرب في “إسرائيل” والأراضي التي تحتلها في فلسطين تماماً كوضع الأفارقة السود في جنوب إفريقيا إبان نظام الأبارتايد فيها. وبالتالي فإن كل ما هو غير يهودي في “إسرائيل” مواطن من الدرجة الثانية، وكل من هو غير أبيض في جنوب إفريقيا فهو كذلك أيضاً. وأظهر تنامي وتطور العلاقات المستمرة بين النظامين العنصريين التشابه بينهما.
ـــ مستوطنون من أوروبا قدموا إلى جنوب إفريقيا وفلسطين.
ـ احتلوا الأرض واستولوا عليها وطردوا سكانها الأصليين منها.
ــ مارسوا العنصرية والتمييز العنصري والإبادة الجماعية تجاه السكان الأصليين الأفارقة والفلسطينيين.
ـــ خدموا الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وحاربوا حركات المقاومة والتحرر الوطني.
خططت الاحتكارات العالمية لإقامة جنوب إفريقيا عام (1910) وروديسيا العنصرية عام (1914) و”إسرائيل” عام (1948) لكي تحافظ على مصالحها الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية في بلدان آسيا وإفريقيا.
وقام التشابه بين “إسرائيل” وجنوب إفريقيا على أساس أن النظامين القائمين هناك نظامان عنصريان، يمارسان التفرقة العنصرية ضد أصحاب البلاد الأصليين وسكانها الشرعيين. ويستعملان أشد وسائل القمع والإرهاب والإبادة الجماعية للمحافظة على الامتيازات العنصرية والاستعمارية. وتوجه “إسرائيل” مجموعة الاحتكارات الصهيونية العالمية، كما وجه أصحاب احتكارات الذهب والماس وعلى رأسهم اليهودي هاري أوبنهايمر جنوب إفريقيا. وارتبط النظامان الاستعماريان والعنصريان بمجموعة الاحتكارات الصهيونية العالمية، ولذلك عملت “إسرائيل” ونظام الأبارتايد على خدمة المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية لمجموعة الاحتكارات الصهيونية العالمية وبقية الاحتكارات الغربية الأخرى. وبالتالي التقت أهداف “إسرائيل” وجنوب إفريقيا في خدمة الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا. وانطلاقاً من مصالح مجموعة الاحتكارات العالمية الصهيونية وقفت “إسرائيل” بجانب نظام الأبارتايد داخل الأمم المتحدة وخارجها، وصوتت ضد جميع القرارات التي تدين سياسة جنوب إفريقيا العنصرية.
ورفضت قطع العلاقات الدبلوماسية معها بعد القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1962 وطالبت فيه من جميع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جنوب إفريقيا.
واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات ضد جنوب إفريقيا، وطالبت الدول الأعضاء فيها أن تقوم بتنفيذها ولكن “إسرائيل” لم تستجب لذلك بل قوّت وطوّرت علاقاتها مع جنوب إفريقيا، وساعدتها في كسر الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضته عليها الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية.
وظهر التشابه للعالم بأسره بين النظامين العنصريين بما يلي:
ــــ ينطلق “الإسرائيليون” من خرافة شعب الله المختار بينما انطلق نظام الأبارتايد من تفوق العرق الأبيض على العرق الأسود.
ـــ استخدمت الحكومتان أبشع الأساليب العنصرية والفاشية تجاه سكان البلاد الأصليين من عرب وأفارقة.
ــــ رفض البلدان قرارات الأمم المتحدة وتمردا على تنفيذها.
ــــ استخدمت الحكومتان أساليب الكذب والتضليل التي كانت تستخدمها ألمانيا النازية لتضليل الرأي العام العالمي.
ـــــ شكلت سياسة الحكومتين وممارستهما العنصرية والإرهابية والاستعمارية خطراً على الشعوب العربية والإفريقية وعلى السلام العالمي.
التعاون بين الأيديولوجيات والأنظمة العنصرية
يقود التشابه النظري بين الأيديولوجيات والحركات والأنظمة العنصرية إلى التضامن والتعاون فيما بينها، فتعاونت الصهيونية مع الحركات اللا سامية في روسيا القيصرية والنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا ومع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وقامت النازية على أساس فكرة تفوق العرق الآري على بقية الأعراق. وتقوم الصهيونية على أساس تفوق اليهود بالذكاء والنقاء العرقي والاختيار الإلهي على غيرهم من الشعوب والأعراق تماماً كنظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا.
وتؤمن “إسرائيل” بوجود عرق يهودي نقي ومتميز ووجود شعب يهودي عالمي وازدواجية ولاء اليهود وعدم اندماجهم وترحيلهم إلى فلسطين العربية وترحيل الشعب الفلسطيني منها وإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في قلب الوطن العربي والبلدان الإسلامية.
نادت النازية بنظرية المجال الحيوي لألمانيا في أوروبا وتنادي الصهيونية والكيان الصهيوني بإقامة “إسرائيل” الكبرى الجغرافية أو “إسرائيل” العظمى الاقتصادية وبنظرية المجال الحيوي لليهودية العالمية من النيل إلى الفرات، وشرعت “إسرائيل” القوانين فيها على أساس عنصري انطلاقاً من الدين اليهودي وممارسة العنصرية والتمييز العنصري تجاه العرب أي ما يُعرف بعنصرية القوانين “الإسرائيلية”.
وأدى التشابه النظري بين النازية والصهيونية إلى التعاون في الأساليب والأفعال وخدمة المصالح والقواسم المشتركة. واستخدمت النازية الحروب المفاجئة والإبادة الجماعية ومعسكرات الاعتقال لتفرض سيطرتها وتؤكد تفوقها ولتبرير استغلال واستعباد واضطهاد الشعوب الأوروبية.
وتستخدم “إسرائيل” الحروب العدوانية والإبادة الجماعية والتمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني لتؤكد تفوقها وهيمنتها على بلدان الشرق الأوسط الكبير.
وتتعاطف الأيديولوجيات والحركات العنصرية مع بعضها بعضاً للتشابه النظري بينها والمصالح المشتركة التي تجمعها، فقدمت ألمانيا النازية المساعدات العسكرية الضخمة للفاشست الإسبان إبان حكم فرانكو وللفاشست الطليان إبان حكم موسوليني، وتقوم “إسرائيل” بمساعدة الحركات العنصرية والفاشية والاستعمارية أينما وجدت. فأقامت أوثق العلاقات مع نظام الأبارتايد، وقدمت المساعدات للفاشست في تشيلي وإلى سوموزا جزار الشعب النيكاراغوي وحتى منظمات المافيا في الولايات المتحدة وأوروبا.
أثبت التاريخ البشري زوال الأيديولوجيات والأنظمة العنصرية في العالم وزالت النازية من ألمانيا والفاشية من إيطاليا وإسبانيا والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الفصل العنصري الأبارتايد من جنوب إفريقيا ومصير “إسرائيل” ككيان استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي دخيل على فلسطين وغريب عنها إلى الزوال مهما طال الزمن وغلا الثمن، فالصراع صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود.