وداعاً للمقاتل الصديق والرفيق فؤاد رمزي أو عمي “ابو رمزي”
وداعاً للمقاتل الصديق والرفيق فؤاد رمزي أو عمي “ابو رمزي” كما كان يحب ان نناديه ….والاسم الحقيقي ( طارق الحسيني) هذا المحارب الذي ضاقت به الدنيا قاتل في الغربة وهاجر الى الغربة وفارق الحياة في الغربة ، فكتبته بطلا في روايتي الاولى “سفر أيوب” وجاء فيها ..
( هﺬا اﻟﻘﻤﺮ ﻟﻲ .. ﻗﻨﺪﻳﻠﻲ اﻟﻤﻌﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء، معه ﻣﻠﻴﺎرات اﻟﻨﺠﻮم . ﻳﺘﺄوﻩ ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ. إﻧﻬﺎ كلها ﻟﻲ . ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ ارضاً وﻧﺎﺳًﺎ ﻟﻜﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﺳﻤﺎًء وأﺟﺮاﻣًﺎ وأﻗﻤﺎرًا . أﻧﻬﻰ ﺣﺪﻳﺜﻪ، ﺗﻘﺎﻓﺰت ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻪ ﺻﻮرة اﻟﻤ ﺸﻬﺪ اﻟُﻜﻠﻲ ﻓﺎﺳﺘﻘﺮ ﻇﻼًﻻ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺪاﺧﻠﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﺑﺎﻟﺸﺨﻮص وﺗﺸﺎﺑﻜﺖ ﺻﻮرة اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻣﻊ اﻟﺮاوي، ﺑﺸﻲء ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻮد واﻟﺠﻨﻮن. كنا ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻧﺮوي ﺣﻜﺎﻳﺘﻨﺎ.
“ﻧﺪﺧﻞ ﻧﺼﺮخ إﻧﻬﺎ الحياة/ ﻧﺨﺮج ﻧﺼﺮخ إﻧﻪ اﻟﻤﻮت/ وﻟﺪ اﻟﺒﺸﺮ ﺗﺄﻟﻤﻮا وﻣﺎﺗﻮا.”..
هﻜﺬا كان ﻳﺮدد هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻳﻘﻮل إﻧها لـ” سيمون دي ﺑﻮﻓﻮار “
رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻋﺎم ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻔﻰ اﻟﺒﺎرد، تعارفنا وﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﺛﻢ تفرقنا……….كان ﺷﺮﻳﻜًﺎ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ زﻧﻴﻤﺔ الصحراوي بعد حرب عام 1967،ﻳﻘﻮل طارق ذاك اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻲ، اﻷﺷﻴﺐ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺤﻴﻒ اﻟﺠﺴﺪ كان :زﻳﺎد أخي ﺿﺎﺑﻄًﺎ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، أﺑﺪع ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎل دﻓﺎﻋًﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﻄﺎع ﻓﻲ ﺣﺮب ﺣﺰﻳﺮان يوم اﺳﺘشهد خرجت ﻟﻪ ﺟﻨﺎزة ﻣﻬﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻏﺰة، كان ﻳﻮﻣًﺎ ﻣﺸﻬﻮدًا ﻓﻲ ﺣﻴﺎة أهﻞ اﻟﻘﻄﺎع .. ﻳﻮﻣﻬﺎ كان ﺟﻨﻮد اﻻﺣﺘﻼل ﻳﻔﺘﺮﺷﻮن ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮق وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺮت اﻟﺠﻨﺎزة، ﻧﻜسّوا ﻟﻪ اﻟﺒﻨﺎدق!
25
ﺑﻌﺪهﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻏﺰة ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ،قال كنت ﻻ أﺗﺠﺎوز اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ، ﺑﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﺗﺴﻊ ﺳﻨﻮات، وﺑﻌﺪهﺎ ﺗﻄﻮﻋﺖ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ، ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻷردن ﺛﻼث ﺳﻨﻮات وﺑﻌﺪ أن هﺰﻣﺖ اﻟﺜﻮرة هﻨﺎك اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎن ﻷﺑﻘﻰ ﻓﻴﻪ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ أﺧﺮى .. وأﻣﺎ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ، كنت أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ الوطن ..ﻟﻜﻨﻲ كما ﺗﺮى أﻧﺎ هنا. ﻟﻘﺪ رﻓﺾ اﻻﺣﺘﻼل ﻋﻮدﺗﻲ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﺮة، كنت ﻓﻘﻂ أرﻳﺪ أن أدﺧﻞ ﻷﻗﺮأ ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮ زﻳﺎد .. هل ﺗﻌﺮف ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ، كيف هﻮ اﻵن ﻣﺸﻬﺪ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ؟ زﻳﺎد ﻣﺪﻓﻮن ﻓﻲ ﻏﺰة واﻟﻮاﻟﺪ أﺑﻌﺪ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم 1972 ﻓﺘﻮﻓﻲ ودﻓﻦ هﻨﺎك، اﻟﻮاﻟﺪة ﻓﻲ ﻏﺰة ﺗﻮﻓﺎها اﷲ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﺷﻬﺮ ودﻓﻨﺖ هﻨﺎك، وﺷﻘﻴﻘﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ، ﺷﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ وأﻧﺎ هﻨﺎ. ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﻐﻴﺮ كما ﻳﻘﻮﻟﻮن، ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻤﺎ زال كبيرا جداً. كل اﻟﺴﻨﻮات وأﻧﺎ أﻧﺎﺿﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ وﻃﻦ وﺣﺮﻳﺔ وكرامة ، هﻞ ﺗﻌﺮف ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﻒ ﻋﻨ ﺪها اﻵن؟ كانت أﺣﻤﻞ وﺛﻴﻘﺔ ﻣﺮور ﻻ ُﺗﻌّﺮف ﺣﺘﻰ ﻋﻦ هﻮﻳﺔ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ، وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﻸ اﻻﺳﺘﻤﺎرة ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ هنا، ﻳﻤﻸون خانة الجنسية :ﺑﻼ. ﺗﺼﻮر ﺑﻌﺪ كل هﺬا اﻟﻌﻤﺮ، أﺻﺒﺢ ﺑﻼ .. هذا اﻟﺒﻼ ..وﻃﻦ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﻼ ..ﻣﺄوى ﺑﻼ ..هﻮﻳﺔ ﺑﻼ !
ﻟﻘﺪ ﻧﻠﺖ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ هﻨﺎ، ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗّﺪﻣﺖ ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠعمل وقلت اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺳﻮﻳﺪي، ﻓﻀﺤﻚ اﻟﻤﻮﻇﻒ : ﻟﻴﺲ اﻟﻤﻬﻢ هﺬﻩ الاوراق ، اﻟﻤﻬﻢ ﻣﺎ هﻮ ﻟﻮن جلدك ! ﻟﺬﻟﻚ ﻣﺎ زاﻟﺖ أﻣﻨﻴﺘﻲ اﻟﻌﻮدة !حتى اﻵن.. وإﻧﻲ أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻋﺪت هﻞ ﺳﺄﻋﻮد؟ أي كيف ﺳﺄﻋﻮد أﻧﺎ اﺑﻦ ﻏﺰة ! ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات اﻟﻌﺬاب واﻟﻐﺮﺑﺔ ﻟﻘﺪ ﺗﻜّﻮﻧﺖ ﺗﻠّﻮﻧﺖ ﺑﺄﻟﻒ ﻟﻮن، تﻐّﻴﺮت ﻟﻬﺠﺘﻲ، ﺣﻴﺎﺗﻲ، ﻃﺒﺎﺋﻌﻲ، ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ هﻨﺎك .أﻳﻀًﺎ ﻟﻘﺪ أﻋﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻠﻲ أﻟﻒ ﻣﺮة ، ﻳﻌﺎد إﻧﺘﺎج ﻏﺮﺑﺘﻲ ﺑﻴﻦ قومي سأصبح هناك غريباً، هذا ما اخافه …وكم ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ كي أﺗﻄّﺒﻊ! )