بصفتي إمرأة! – ثريا عاصي
أكتب اليوم بصفتي إمرأة. لقد ترددت طويلاً قبل أن أخطو هذه الخطوة، فأنا لست إختصاصية في علم الإجتماع ولا أتناول المسألة الوطنية في كتاباتي من زاوية الفرق بين المرأة والرجل في الواجبات والحقوق.
ولكن بصراحة إن ما حملني على مداورة وضع المرأة في الذهن وشجعني أيضاً، هو تعليقات بعض القراء على مقالاتي إستناداً إلى كون هذه الأخيرة ممهورة بتوقيع إمرأة خلافاً للعادة. وغني عن القول أنه تردني تعليقات كثيرة من هذا النوع من أشخاص لا يوافقون على الأسلوب الذي أتبعه في مقاربة ما يجري في بلادنا تحت عنوان «الثورة من أجل الحرية والديمقراطية» الذي يحلو لبعض الأصدقاء والرفاق القدامى إبرازه تغنياً وتباهياً. علماً أنني أسمي هذه «الثورة»، عدواناً أميركياً إستعمارياً غايته تحطيم مداميك العروبة، من شمال أفريقيا إلى بلاد ما بين النهرين ! فاعتبر خصومي أن كوني إمرأة نقطة ضعف يمكنهم التصويب علي بشتائمهم من خلالها.
لا أظن أنني أجازف في القول أن «الثورة» التي اشتعلت في العراق، حيث تكررت عدة مرات، ثم أدمت بعد ذلك الجزائر وأخيرا انتقلت إلى اليمن وإلى سورية، هي ثورة وهابية داعشية، نجد وراءها دائماً الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في أوروبا. ولا جدال في هذا السياق أن دور المرأة في المجتمع «الثوري» الموعود يتخلص بإشباع شهوات «الرجل» والولادة.
ولما كان هذا المجتمع «الثوري» في جوهره، مجتمعاً دعوياً، أي مجتمع «جهاد» سوف يتوكل بمحاربة «المشركين والمرتدين» أينما وجدوا، فإن الحاجة إلى النساء كبيرة. من المحتمل أن الرجوع إلى العادات والتقاليد القديمة كمثل تعدد الزوجات وإجازة سبي النساء واسترقاقهن، مرده إلى ضرورة مكافأة «المجاهد» وإلى تشجيع التكاثر.
السبايا يلدن ويرضعن فالمسبية كمثل المغتصبة، الفارق بينهن أن السبايا يتعرضن لإغتصاب جماعي. فعلى المرأة طاعة الرجل كونه بحسب المفهومية الوهابية ـ الداعشية، أعلى منزلة منها. يحق له أن يعاقبها بالضرب والعزل (أي السجن). للرجل أن يتصرف كما يشاء، فليس لأحد سواه أن يرى المرأة التي استعبدها أو أن يكلمها أو أن يستطلع عن المعاملة التي تلقاها ضمن حدود «حرمة» المنزل طبعاً!
من البديهي أن وضع المرأة في المجتمع الوهابي ـ الداعشي يعكس صورة هذا الأخير ويظهر دلالات مفيدة من خلال مراقبة تصرفات «الرجل»، الفرد الداعشي، تجاه المرأة بما هي بحسب مفهوميته كائن بلا رأس، لا يفكر ولا يقرر. بكلام آخر يجد المراقب نفسه في هذا الزمان في حيرة أمام مبررات استمرار السيرورة التي تنتج هذا الكائن الأنثوي الرِخْو العنان، الذي يحيا من أجل خدمة «الرجل» وتحت رحمته، لا يراه أحد إلا بعله ولا يسري عليه إلا قانون هذا الأخير، أو بالأحرى إلا فهمه هو للقانون كما لــُقِّن إياه، لا رقيب ولا حسيب!
مجمل القول، إن أصل المسألة يكمن في البحث عن الأسباب التي تسوغ في هذا الزمان قسمة المجتمع إلى نصفين، النساء في شق، إناث فقط هن في عزلة «الحرم» وتحت «الغطاء» وخلف «الستار»، ورجال في الشق الآخر، اقتنعوا أن السلوك الذي يسيرون فيه هو السلوك المستقيم المرسوم منذ الأبد، فليس من حاجة إلى سؤال وإلى إختيار، لا يُسأل عن أعماله الذي يلتزم بما أُمر به وبما فـُرض عليه!
وما يدهش في مسألة المرأة، إلى حد الذهول هو اتباع النهج الوهابي ـ الداعشي، استحضاراً للماضي أو بتعبير أدق الإحتكام إلى ذهنية وثقافة عصور غابرة بواسطة وسائل حديثة جداً منتجة في بلدان الغرب حيث تُظهر الأوضاع الإجتماعية فيها وخصوصاً وضع المرأة، بالمقارنة مع بلادنا، مساوئ وبشاعة المشروع الداعشي الإجرامي بما هو أداة من أجل تفكيك المجتمعات المشرقية بقصد إماتة الناس في العراء أو في مخيمات النزوح، جوعاً وعطشاً، باستثناء الذين يستطيعون بيع أنفسهم، أجسامهم عقولهم، كسبايا. المستعمرون يسبون الرجال والنساء على السواء.
وفي مختلف الأحوال يكشف سلوك الجماعات الإرهابية الإسلامية كمثل «داعش»، في مسألة المرأة، أمام المراقب عن معطيات ضرورية لفهم طبيعة وغايات الحروب الأميركية ـ الأوروبية في البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة. فلا حرج في القول أن هذه الجماعات هي القوة الضاربة التي تكسر مغاليق البلدان المذكورة حتى يتسلل منها المستعمرون هذا من ناحية أمام ناحية ثانية فإن وضع المرأة في هذا البلدان يمثل عاملاً رئيسياً في المحافظة على القبيلة وفي إذكاء مشاعر الحقد والكراهية. فالرجل الصلف المتعدد الزوجات ليس محبوباً منطقياً من زوجته وأبنائها، حسداً من زوجاته الأخريات ومن أبنائهن !
واستناداً إليه، يسهل على الدارس أن يتصور قدرة داعش ومن هم على شاكلتها، على التخريب والتكسير في مجتمعات لم تتمكن بعد من تسوية إرث الماضي، البدوي الصحراوي، في مسألة المرأة. الرأي عندي أن المستعمرين إنتبهوا إلى هذه المعضلة وأحسنوا توظيفها.
إن المرأة في مفهوم «داعش» هي غنيمة، كونها ملكية تخص الأعداء المهزومين. فهي ليست «شخصاً» له دور في الحرب. يتضح هذا ضمنياً من خلال مصيرها عندما يتوقف الإقتتال. فإن انتصر قومها، جاء زوجها بحصته من السبايا وهذا لا يرضيها طبعاً، وإن حدث العكس وقعت بين أيدي الأعداء. تكون المرأة بين اللحظة التي تسبى فيها إلى أن يحين وقت توزيع الغنائم والسبايا، ملكية جماعية. تجدر الملاحظة هنا إلى أن القسمة تخضع لقوانين القبيلة أو الجماعة وإلى أن قيمة المرأة والرغبة في الحصول عليها يخضعان لمعايير منها الجمال والفائدة المتوخاة منها كولاّدة.
تنجب المسبية أحياناً أبناء في أقوام يقتتلون. ترتجع هذا أمامنا نمط عيش بدائي، أي ان المجتمع يُجبر على المشي قهقرى وعلى العودة إلى تقاليد قديمة. ينجم عنه مسائل إجتماعية لا حصر لها تؤدي أحياناً إلى تفكك هذا المجتمع وتلاشيه.
إذ ليس الأمر بسيطاً. فمن المعروف أنه في وقت من الأوقات سيحدث اصطدام بين جماعات الإرهاب الإسلامي من جهة وبين مشغليهم الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لأن مصالح الأخيرين تقتضي بأن لا تتجاوز هذه الجماعات خطوطاً معينة أو أن لا تسيطر وتنتصر. مجمل القول ليس من السهل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و«ضبط الذهنيات» على ذهنية نواطير النفط الخليجيين فيستحيل العيش في عصرنا هذا ولكن وفق قوانين العصور البائدة، لا مفر من التوقف والتفكير طويلاً وبعمق في هذه «السيرورة الثورية التي تفرضها دول الغرب» فاستبدلت الجمال بالدبابات لنقل السبايا والغنائم والحكام ! بين بلاد ما بين النهرين وبين بلاد الشام.
خلاصة القول وقصاراه، إن مسألة المرأة تحتل مكانة مركزية في صراعات شعوب المشرق على المرعى والماء، كون المحرك الرئيسي لهذه الصراعات هي إرادة الإمتلاك، أو الحاجة إلى ذلك، سواء في جانبها الدفاعي عن الملكية أو في جانبها التوسعي الإستيلائي. هذا مرتبط بطبيعة هذه الصراعات وجوهرها، فهي إلغائية إستيطانية وليست إستعمارية. بتعبير آخر إن الغاية هي محو الخصم والمنافس لأنه الشبيه والمماثل، والحلول مكانه والإستئثار دون منازع بما كان ملكاً له. هذا ما يفسر أن طابع هذه الصراعات هو دموي غريزي حيواني.
يتجلى هذا بوضوح في سرديات القصص والأساطير القديمة التي تفيد بأن الغازي المنتصر كان يقتل جميع الذكور في الحاضرة التي يدخلها، على إختلاف فئاتهم العمرية، أما النساء فكن يؤخذن سبايا بما هن ملكية، كمثل المرعي والماء والماشية، سوف تلدن وترضعن أبناء للمنتصر بعد أن كن ينجبن لأسيادهن الذين هزموا وماتوا!
أعتقد أن مسألة المرأة، بما هي أنثى، توجد في أصل الإستعمار الإستيطاني قبل أن يتحول هذا الأخير تحت تأثير المفاهيم العنصرية والتمييز بين الأجناس، فصار هذا الإستعمار العنصري يفترس الذكور والإناث دون تمييز، إنطلاقا من مقولة «الشعب المختار».
“الديار”