فصل الطلبة المحتجين يضع الجامعات العراقية بين خيار الأستقلال الاكاديمي أو الاحتلال المليشياوي
د.عامر صالح
أقدمت رئاسة جامعة القادسية بفصل اربعة طلبة، بتهمة “الاساءة” الى الجامعة بخصوص حادثة الاحتجاج على زيارة قام بها الأمين العام لعصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي مطلع الشهر الجاري, وفقا للأمر الاداري الخاص بفصل الطلبةوالمرقم بالعدد 969 في 2017/4/24 وجاء فيه: “تقرر معاقبة الطلبة المدرجة اسمائهم ادناه بالفصل المؤقت من الكلية لمدة سنة دراسية واحدة لعام 2016-2017 وفق المادة الخامسة الفقرة العاشرة من تعليمات قانون انضباط الطلبة رقم 160 لسنة 2007 والتي تنص على (يعاقب الطالب بالفصل المؤقت من الجامعة لمدة لا تزيد عن سنة دراسية واحدة، اذا ارتكب احدى المخالفات التالية: الاساءة الى سمعة الجامعة او الهيئة بالفعل او القول).
وقد جاء قرار الفصل على خلفية الأحداث التي حصلت بتاريخ 10ـ4ـ2017 وهو احتجاج شهدته الجامعة المذكورة لجموع من طلبة الجامعة على زيارة زعيم احدى الفصائل السياسية الدينية المسلحة والذي يتزعمه السيد قيس الخزعلي, وقد عبر الطلبة عن غضبهم واستنكارهم سلميا لتدخل الأحزاب السياسية الدينية والمسلحة منها بشكل خاص بالشأن الجامعي وتحويل أروقة الجامعة الى مناسبة للعسكرة والتعبئة الحزبية المليشياوية, وقد بادر عناصر من حماية الأمين العام لعصائب أهل الحق باطلاق النار صوب الطلبة المحتجين”. واضافت المصادر في حينها أن اثنين من الطلبة أصيبوا بجروح اثر المناوشات التي حدثت لاحقاً مع أفراد حماية الخزعلي. وسارعت القوات الأمنية لفرض اجراءات مشددة عقب اطلاق الرصاص والمناوشات بين حماية الخزعلي وطلاب جامعة القادسية.
أن اختيار المؤسسات الجامعية لأفتعال الأزمات والتجاوز على الحرية الأكاديمية والعبث بالأستقلال النسبي للجامعات والتدخل في الشأن الخاص بها من قبل اناس لا صلة لهم من قريب أو بعيد بمؤسسات التعليم العالي, بل من اناس يرون في المدارس الدينية والجوامع والحسينيات هي المصدر الوحيد للمعرفة والعلوم ولديها تكمن الأجابة على كل تساؤلات المجتمع لمختلف المشكلات, ولديها ايضا التفسيرات الجاهزة لكل الظواهر الطبيعية وفي مختلف العلوم, وما الجامعات إلا أمكنة للنزهة والاختلاط بين الجنسين وارتكاب الرذائل, ومن الصعب والعسير والعصي ان تتفاهم مع اناس من هذا النوع وأقناعهم بجدوى نشأة التعليم العالي, وماهي وظائفه الأساسية في البحث والتنقيب وأكتشاف المجهول, وخدمة المجتمع المحلي والوطني, وتزويد الدراسين بآخر مستجدات العلوم والمعارف, ودور الجامعات في خلق الكادر المهني والعلمي بمختلف التخصصات, وأنها من مصادر تشكيل الطبقة الوسطى في المجتمع, تلك الطبقة صاحبة ورائدة التغير الشامل في المجتمع, كما يجب أن يكون, !!!.
وبحكم كثافة وتركيز العنصر البشري في الجامعات ودورها المتقدم فأنها تكون ارض خصبة للاحزاب والمليشيات التي تبحث عن زج العنصر الطلابي واستغلال دور الجامعات المؤثر وتوظيفه في متاهات العسكرة والاعمال المسلحة خارج اطار مؤسسات الدولة, الأمر الذي رفضة طلبة جامعة القادسية واحتجوا عليه, إلا ان تواطؤ عناصر من رئاسة الجامعة وتسهيلاتها بدعوة هذه الحركات والتنظيمات لأقامة أنشطتها في أروقة الجامعة زاد الطين بله ” وشر البلية ما يضحك ويؤلم ” أو ” حاميه حراميه “, فبدلا من ان تستغل الجامعات في خدمة المجتمعات المحلية في التنوير والتثقيف واشاعة قيم المدنية والديمقراطية الحقة, فأن قيادتها ” الاكاديمية ” تقوم بالعكس من خلال زرع الفتنة المجتمعية والانصياع لطلبات وأوامر الاحزاب والمليشيات, أنه عمل عبثي بكل المقاييس يهدد صرح مؤسسات التعليم العالي واستقلاليته من خلال انحياز قيادتها للمصالح الفئوية والحزبية والمليشياوية الضيقة !!!.
وبدلا ان تنفذ عقوبة الفصل بحق بعض القيادات الجامعية التي سهلت مثل هذه الأنشطة من خلال دعوتها لتلك المجاميع لأقامة نشاطها في الجامعة, فأن العكس قد حصل فقد تم فصل من اعترض على هذه الأنشطة من الطلبة, وهو يعكس من جانب مدى تأثير هذه الحركات على القيادات الجامعية ونفوذها المبطن في الشأن الجامعي !!!.
أن قرار فصل الطلبة الاربعة تعسفا واجحافا على خلفية ما حدث يوم 10ـ4ـ2017 وهو يتعارض مع حرية التعبير عن الرأي للطبة في رفضهم لعسكرة الجامعة واتخاذها منبرا سياسيا ، اضافة الى ذلك فإن قراراتها قد ضربت عرض الحائط التعليمات التي استندت اليها أما الطلبة فقد كانوا حريصين على استقلالية الجامعة ، بعكس العمادة ورئاسة الجامعة ، حيث كانت انتقائية في تطبيق النصوص لنفس التعليمات ؛ إذ ان المادة رقم 1 وفي الفقرة العاشرة, والحادية عشر, والثانية عشر على التوالي: تمنع ( الدعوة لتنظيمات تعمق الفرقة او ممارسة أي صنف من صنوف الاضطهاد السياسي ) ( تجنب الدعاية لاي حزب او تنظيم سياسي) ( عدم دعوة شخصيات حزبية لالقاء محاضرات او اقامة ندوات حزبية او دينية داخل الحرم الجامعي).
أن استغلال التعليم العالي لأفتعال الأزمات والتعبئة السياسية الطائفية هو أمتداد لأزمة التعليم العالي في العراق, والتي هي جزء من الأزمة العامة المستعصية, وذات الصلة بالنظام المحاصصاتي, ومن أبرز ملامح هذه الأزمة هو الآتي:
ـ التدهور الأمني المستمر لمؤسسات التعليم العالي وتدخل رجالات الأحزاب والمليشيات الطائفية في شؤون التعليم العالي مما يضع طرفي العملية التعليمية : الطالب ـ الأستاذ والعملية التعليمية برمتها في دوامة عدم الاستقرار والخوف من المستقبل¸مما يترك أثره الواضح في تسرب الطلاب وهجرهم لمقاعد الدراسة وهجرة الكادر التدريسي.
ـ كما أن الكثير من مؤسسات التعليم العالي تحولت إلى مؤسسات مصغرة للمساجد والحسينيات والجوامع, تجري فيها الشعائر والاحتفالات والطقوس الدينية على نسق ما يجري في المساجد والجوامع, وكأن لم يكفي الآلاف من المساجد والجوامع المنتشرة خارج الجامعات, حتى أن العديد من المختبرات العلمية تحولت إلى حسينيات لزمرة هذا الحزب السياسي الطائفي أو ذاك, ولكي تتحول بالتدريج إلى بؤر للفساد والاحتقان الطائفي والمذهبي وللتفرقة بين الطلاب, حيث تسيطر كل ميليشيا حزبية على إحدى الكليات ومرافقها داخل الجامعة, وانتشار صور المعممين في أروقة الكليات والجامعات والشعارات الدينية الطائفية الاستفزازية والعبث بمسميات هذه المؤسسات وتسميتها برموز قيادات أحزاب أو طوائف, انه امتهان للحرية الأكاديمية وتسييس للمؤسسات العلمية وزجها في الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية .
وختاما نقول ان اقل ما يجب ان تفعلة رئاسة جامعة القادسية هو سحب القرار الفصل وعدم تنفيذه حفاظا على اسقلالية وسمعة الجامعة, والاعتذار للطلبة المشمولين بالفصل, وعدم الرضوخ والانصياع لضغوطات الاحزاب والحركات والمجاميع المسلحة لأن ذلك سيلحق اشد الضرر بالسمعة الاكاديمية لمن قام باصدار قرار الفصل, وان عودة الطلبة الى مقاعدهم الدراسية هو اختبار لنزاهة الكادر القيادي في الجامعة وللجامعة نفسها, بل ولوزارة التعليم العالي باعتبارها المسؤول الاول عن سمعة ودور مؤسسات التعليم العالي والرقيب الضامن للأداء المهني والاكاديمي المستقل والبعيد عن الصراعات السياسية والطائفية, الى جانب كون سحب قرار الفصل هو احتراما للدستور الذي كفل حرية التعبير والتظاهر !!!.